تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
قال الله تعالى: وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ[البقرة: 283] . قال البَغَويُّ: (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ إذا دُعيتُم إلى إقامَتِها، نَهى عَن كِتمانِ الشَّهادةِ وأوعَدَ عليه، فقال: وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ، أي: فاجِرٌ قَلبُه، قيلَ: ما أوعَدَ على شَيءٍ كإيعادِه على كتمانِ الشَّهادةِ، قال: فإنَّه آثِمٌ قَلبُه، وأرادَ به مَسخَ القَلبِ. نَعوذُ باللهِ من ذلك، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ من بَيانِ الشَّهادةِ وكِتْمانِها عَلِيمٌ) [2148] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (1/ 397). . وعَن عَبدِ الله بن مَسعودٍ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ بين يَدَيِ الساعةِ تَسليمَ الخاصَّةِ، وفُشُوَّ التِّجارةِ حَتَّى تُعِينَ الْمَرأةُ زَوجَها على التِّجارةِ، وقَطْعَ الأرحامِ، وشَهادةَ الزُّورِ، وكِتمانَ شَهادةِ الحَقِّ، وظُهورَ القَلَمِ )) [2149] أخرجه أحمد (3870) واللَّفظُ له، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (1590)، والحاكم (7043). صحَّح إسنادَه الحاكم، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (5/333)، والألباني على شرط مسلم في ((سلسلة الأحاديث الصَّحيحة)) (647)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (3870). . وعَن أبي بَكرةَ رَضِيَ الله عَنه قال: كُنَّا عِندَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: ((ألا أنَبِّئُكم بأكبَرِ الكَبائِرِ؟ ثَلاثًا. الإشراكُ باللهِ، وعُقوقُ الوالِدينِ، وشَهادةُ الزُّورِ أو قَولُ الزُّورِ، وكان رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُتَّكِئًا فجَلَس، فما زال يُكَرِّرُها حَتَّى قُلنا: لَيتَه سَكَت )) [2150] أخرجه البخاري (2654)، ومسلم (87) واللَّفظُ له. . قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (شَهادةُ الزُّورِ الشَّهادةُ بالكَذبِ والباطِلِ، وإنَّما كانت من أكبَرِ الكَبائِرِ؛ لأنَّها يُتَوَصَّلُ بها إلى إتلافِ النُّفوسِ والأموالِ، وتَحليلِ ما حَرَّمَ الله، وتَحريمِ ما حَلَّل اللهُ، فلا شَيءَ مِنَ الكَبائِرِ أعظَمُ ضَرَرًا، ولا أكثَرُ فَسادًا مِنها بَعدَ الشِّركِ، واللهُ أعلَمُ) [2151] يُنظر: ((المفهم)) (1/ 282). . وعَن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ الله عَنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((خَيرُكم قَرني، ثُمَّ الذينَ يَلونَهم، ثُمَّ الذينَ يَلُونَهم -قال عِمرانُ: لا أدري أذكَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعدُ قَرنينِ أو ثَلاثةً- قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ بَعدَكم قَومًا يَخونونَ ولا يُؤتَمَنونَ، ويَشهَدونَ ولا يُستَشهَدونَ، ويَنذِرونَ ولا يَفُونَ، ويَظهَرُ فيهم السِّمَنُ )) [2152] أخرجه البخاري (2651) واللَّفظُ له، ومسلم (2535). . ذَكرَ ابنُ حَجَرٍ في قَولِه: ((يَشهَدونَ ولا يُستَشهَدونَ)) عِدَّةَ تَأويلاتٍ، فقال: (أحَدُها: أنَّه مَحمولٌ على شَهادةِ الزُّورِ، أي: يُؤَدُّونَ شَهادةً لَم يَسبِق لَهم تَحمُّلُها، وهذا حَكاه التِّرمِذيُّ عَن بَعضِ أهلِ العِلمِ...) [2153] يُنظر: ((فتح الباري)) (5/ 260). . وقال ابنُ عُثَيمين في شَرحِ الحَديثِ السَّابِقِ: (التَّابِعونُ أفضَلُ من تابِعِي التَّابِعين، ثُمَّ الذينَ يَلُونَهم، وهم تابِعو التَّابِعين، ثُمَّ بَعدَ ذلك تَتَغَيَّرُ الأحوالُ، تَحدُثُ شَهادةُ الزُّورِ والخياناتُ والغَدْرُ؛ ولِهذا قال: ((ثُمَّ يَكونُ قَومٌ يَشهَدونَ ولا يُستَشهَدونَ))... ولَكِن ما مَحَطُّ الذَّمِّ هنا؟ اختَلَفَ العُلَماءُ رَحمَهم الله في هذا، فقيلَ: الْمَعنى: أنَّهم يَشهَدونَ بدونِ أن يَحمِلوا الشَّهادةَ، وهذا أقرَبُ ما قيلَ في الحَديثِ، بمَعنى أنَّ الْمُرادَ بهم: شُهَداءُ زُورٍ؛ لأنَّ هذا هو الْمُناسِبُ لأحوالِ من وُصِفوا من بَعْدُ... وقيلَ: الْمُرادُ بقَولِه: ((يَشهَدونَ ولا يُستَشهَدونَ)) أي: أنَّهم يَشهَدونَ مُتَسَرِّعين في الشَّهادةِ لا لغَرَضٍ صَحيحٍ ولَكِن للتَّسَرُّعِ، وهذا لا شَكَّ أنَّه ذَمٌّ كما هو واضِحٌ، إنسانٌ لَم يُدْعَ للشَّهادةِ يَذهَبُ ويَشهَدُ، هذا لا شَكَّ أنَّه تَسَرُّعٌ يُخالِفُ ما يَنبَغي أن يَكونَ عليه الْمُؤمِنُ مِنَ التَّأني والتَّثَبُّتِ) [2154] يُنظر: ((فتح ذي الجلال والإكرام)) (6/ 178). . وقال أيضًا: (إنَّ الشَّهادةَ لا بُدَّ أن تَكونَ عَن عِلمٍ، ومَعَ الأسَفِ أنَّ شَهادةَ الزُّورِ كثُرت في هذا الزَّمَنِ، حَتَّى أصبَحَت رَخيصةً، يَجِدُ الإنسانُ في السُّوقِ مَن يَشهَدُ لَه بعَشَرةِ ريالاتٍ، بَل بأقَلَّ، وأحيانًا رُبَّما يَقولُ: كم مِقدارُ الدَّعوى الَّتي تَدَّعي؟ فإنْ قال: أدَّعي مِليونَ ريال، قال: مِليونُ ريال كثيرةٌ، أشهَدُ بألفِ ريال، وإذا قال: مِائةُ ألفٍ، قال: يَكفيني مِائةُ ريال، على حَسَبِ الدَّعوى؛ كِبَرِها من صِغَرِها، وكُلُّ هذا -والعياذُ باللهِ- تَلاعُبٌ، وظُلمٌ وعُدوانٌ) [2155] يُنظر: ((الشرح الممتع)) (15/ 390). .