الْمَبحَثُ الحادي والثَّلاثونَ: فُشُوُّ الزِّنَا وكَثرَتُه
عَن
أنسٍ رَضِيَ اللهُ عَنه قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنَّ من أشراطِ السَّاعةِ - فذَكَرَ مِنها:- ويَظهَرَ الزِّنا )) [2170] أخرجه البخاري (80)، ومسلم (2671) مُطَولًا. . وفي رواية:
((ويَكثُرَ الزِّنا)) [2171] أخرجها البخاري (5231). وفي روايةٍ:
((ويَفْشُوَ الزِّنا)) [2172] أخرجها مسلم (2671). .
قال
ابنُ حَجَرٍ: (
((ويَظهَرَ الزِّنا)) أي: يَشيعَ ويَشتَهِرَ بحَيثُ لا يتَكاتَمُ به؛ لكَثرةٍ مَن يَتَعاطاه)
[2173] يُنظر: ((فتح الباري)) (12/ 114). .
وقال
علي القاري: (
((ويَكثُرَ الزِّنا)) أي: لأجلِ قِلَّةِ الحياءِ)
[2174] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (8/ 3428). .
وعَن أبي مالِكٍ الأشعَريِّ أنَّه سَمِعَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ:
((ليَكونَنَّ في أمَّتي أقوامٌ يَستَحِلُّونَ الحِرَ والحَريرَ )) [2175] أخرجه البخاري (5590). .
قال
القَسطَلَّاني: (
((ليَكونَنَّ في أمَّتي أقوامٌ يَستَحِلُّونَ الحِرَ))، بكَسرِ الحاءِ الْمُهمَلةِ وتَخفيفِ الرَّاءِ الْمَفتوحةِ: الفَرْجَ، أي: يَستَحِلُّونَ الزِّنا)
[2176] يُنظر: ((إرشاد الساري)) (8/ 318). .
وفي آخِرِ الزَّمانِ بَعدَ ذَهابِ الْمُؤمِنينَ يَبقى شِرارُ النَّاسِ يَتَهارَجونَ تَهارُجَ الحُمُرِ، كما جاءَ في حَديثِ النَّوَّاسِ رَضِيَ الله عَنه
((ويَبقى شِرارُ النَّاسِ يَتَهارَجونَ فيها تَهارُجَ الحُمُرِ، فعليهم تَقومُ السَّاعةُ )) [2177] أخرجه مسلم (2937) مُطَولًا. .
قال
النَّوَويُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((يَتَهارَجونَ تَهارُجَ الحَميرِ)) أي يُجامِعُ الرِّجالُ النِّساءَ بحَضرةِ النَّاسِ كما يَفعَلُ الحَميرُ، ولا يَكتَرِثونَ لذلك، والهَرْجُ -بإسكانِ الرَّاءِ- الجِمَاعُ)
[2178] يُنظر: ((شرح مسلم)) (18/ 70). .
وقال
ابنُ القَيِّمِ: (ظُهورُ الزِّنا من أماراتِ خَرابِ العالَمِ، وهو من
أشراطِ السَّاعةِ... وقَد جَرَت سُنةُ الله سُبحانَه في خَلقِه أنَّه عِندَ ظُهورِ الزِّنا يَغضَبُ الله سُبحانَه وتعالى، ويَشتَدُّ غَضبُه، فلا بُدَّ أن يُؤَثِّرَ غَضبُه في الأرضِ عُقوبةً)
[2179] يُنظر: ((الجواب الكافي)) (ص: 163). .
وقال السَّفارينيُّ في أقسامِ
أشراطِ السَّاعةِ: («الثَّانيةُ» الأماراتُ الْمُتَوَسِّطةُ، وهيَ الَّتي ظَهَرَت ولَم تَنقَضِ، بَل تَزايَدُ وتَكثُرُ، وهيَ كثيرةٌ جِدًّا... «مِنها»: ما في صَحيحِ
البُخاريِّ وغَيرِه من حَديثِ
أنسٍ رَضِيَ الله عَنه أنَّه قال: ألَا أحَدِّثُكم بحَديثٍ سَمِعتُه من رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يُحَدِّثُكم به أحَدٌ غَيري؟! سَمِعتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ:
((إنَّ من أشراطِ السَّاعةِ أن يُرفَعَ العِلمُ، ويَكثُرَ الجَهْلُ، ويَكثُرَ الزِّنا، ويَكثُرَ شُربُ الخَمرِ، ويَقِلَّ الرِّجالُ، ويَكثُرَ النِّساءُ، حَتَّى يَكونَ لخَمسينَ امرَأةً القَيِّمُ الواحِدُ )) [2180] يُنظر: ((لوامع الأنوار البهية)) (2/ 68). .
وقال حُمُودٌ التُّوَيجريُّ: (وأمَّا الزِّنا فقَد جُعِلَ لَه أسواقٌ مَعروفةٌ في كثيرٍ مِنَ البِلادِ الَّتي يَنتَسِبُ أهلُها إلى الإسلامِ، وما يُفعَلُ في غَيرِ الأسواقِ أكثَرُ وأكثَرُ)
[2181] يُنظر: ((إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة)) (2/ 95). .
وقَد وقَعَ شَيءٌ من ذلك في الْماضي على يَدِ إباحيِّينَ مِنَ الفِرَقِ الْمارِقَةِ في الأمَّة كالقَرامِطةِ الذينَ أباحوا الزِّنَا، وكانوا يَرتَكِبونَه بصورةٍ جَماعيَّةٍ
[2182] يُنظر: ((المنتظم في تاريخ الملوك والأمم)) لابن الجوزي (12/ 287-292)، ((البداية والنهاية)) لابن كثير (14/ 636). .
والوُقوعُ في الزِّنا اليَومَ بات أمرًا مَكشوفًا وصَريحًا ومَيسورًا في مُعظَمِ أرجاءِ العالَمِ، واللهُ المستعانُ.
وفي عَصرِنا تَتَفَنَّنُ وسائِلُ الإعلامِ والتَّواصُلِ بجَميعِ أنواعِها وتَتَفانى في عَرضِ الزِّنا وتَزيينِ العُهرِ وتَقريرِ الدَّعارةِ في أوساطِ النَّاسِ، حَتَّى غَدا ذلك أمرًا عاديًّا وطَبيعيًّا لا بُدَّ من وُقوعِه مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ.
كما أنَّ كثيرًا مِنَ الدُّوَلِ الْمُنتَسِبةِ للإسلامِ -فضلًا عَن غَيرِها- قَد صاغَت قَوانينَ لا تُجرِّمُ الزِّنا، ولا تُعاقِبُ مُرتَكِبيه، بَل مَنَحَت تَراخيصَ لبَعضِ الدُّورِ لمُمارَسةِ البِغاءِ والإعلانِ عَنه دونَ حَرَجٍ!