- لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِن رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لا يُحَدِّثُكُمْ به أحَدٌ غيرِي؛ سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: إنَّ مِن أشْرَاطِ السَّاعَةِ أنْ يُرْفَعَ العِلْمُ، ويَكْثُرَ الجَهْلُ، ويَكْثُرَ الزِّنَا، ويَكْثُرَ شُرْبُ الخَمْرِ، ويَقِلَّ الرِّجَالُ، ويَكْثُرَ النِّسَاءُ حتَّى يَكونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً القَيِّمُ الوَاحِدُ.
الراوي :
أنس بن مالك
| المحدث :
البخاري
| المصدر :
صحيح البخاري
| الصفحة أو الرقم :
5231
| خلاصة حكم المحدث :
[صحيح]
| التخريج :
أخرجه البخاري (5231)، ومسلم (2671)
قِيامُ الساعةِ لا يَعلَمُ مِيقاتَه إلَّا اللهُ عزَّ وجلَّ، ومع ذلِك قدْ جَعَلَ عَلاماتٍ على قُربِه؛ ليَحذَرَ المُسلِمُ ويَعملَ لذلك اليومِ العظيمِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّه سَمِع النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَذكُرُ أنَّ مِن عَلاماتِ قُرْبِ قِيامِ السَّاعةِ أنْ يُرفَعَ العلمُ النَّافعُ المقترِنُ بالعملِ الصَّالحِ؛ وذلك بقَبْضِ أهلِه ومَوتِهم، لا بمَحْوِه مِن الصُّدورِ، فيَتَّخِذُ النَّاسُ عندَ ذلك رُؤوسًا جُهَّالًا، يَتحمَّلون في دِينِ اللهِ برَأيِهم، ويُفتُون بجَهْلِهم، فيَتمكَّنُ الجهلُ مِن النَّاسِ، ويَفْشُو بيْنهم، فيَنتُجُ عن ذلك زَوالُ الخَشيةِ مِن القُلوبِ، ويَفشُو الزِّنا، وتَنتشِرُ الفاحشةُ، فيَظهَرُ ظُهورًا واضحًا مع أنَّ اللهَ قدْ حرَّمَه فقال: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32]، وتُشرَبُ الخَمرُ بكثرةٍ، ويُصبِحُ شُربُها مُنتشِرًا ومُشتهِرًا بيْن النَّاسِ رَغمَ تَحريمِه؛ قال تعالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] والخمْرُ مِن التَّخميرِ، وهو: التَّغطيةُ؛ سُمِّيتْ به لأنَّها تُغطِّي العقْلَ، فتكونُ رَأسًا لوُقوعِ العبْدِ الشَّاربِ في المُوبِقاتِ.
ومِن عَلاماتِ اقترابِ القِيامةِ أيضًا أنْ يَتضاعَفَ عَددُ النِّساءِ بالنِّسبةِ إلى عَددِ الرِّجالِ، حيثُ يَقِلُّ مَن يُولَدُ مِن الذُّكورِ، ويَكثُرُ مَن يُولَدُ مِن الإناثِ، أو يَقِلُّ عدَدُ الرِّجالِ نَتيجةَ الحروبِ والفتوحِ، حتَّى لا تَجِد الخمْسون امرأةً سِوى رجُلٍ واحدٍ يَكفُلُهنَّ ويَعولُهنَّ ويَقومُ بشُؤونِهنَّ.
وكأنَّ هذه الأمورَ الخَمسةَ خُصَّت بالذِّكرِ؛ لكَونِها مُشعِرةً باختلالِ الأمورِ الَّتي يَحصُلُ بحِفْظِها صَلاحُ المَعاشِ والمعادِ، وهي الدِّينُ؛ لأنَّ رفْعَ العِلمِ يُخِلُّ به، والعَقلُ؛ لأنَّ شُربَ الخمرِ يُخِلُّ به، والنَّسَبُ؛ لأنَّ الزِّنا يُخِلُّ به، والنَّفسُ والمالُ؛ لأنَّ كَثرةَ الفِتَنِ تُخِلُّ بهما، واختِلالُ هذه الأمورِ مُؤذِنٌ بخَرابِ العالَمِ.
وفي الحديثِ: أنَّ قَدَرَ اللهِ تعالَى قد سَبَق أن يكونَ خَرَابُ الأرضِ عَقِيبَ كثرةِ الفَسادِ فيها.
وفيه: الحثُّ على تَعلُّمِ العِلمِ؛ فإنَّه لا يُرفَعُ إلَّا بقَبْضِ العُلماءِ.
وفيه: عَلَمٌ مِن أعلامِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حيثُ أخبَر بما سيَحدُثُ في آخِرِ الزَّمانِ.