الْمَبحَثُ الحادي والأربَعونَ: انحِسارُ الفُرَاتِ عَن جَبَلٍ من ذَهَبٍ
عَن عَبد اللهِ بنِ الحارِثِ بنِ نوفَل قال: كُنتُ واقِفًا مَعَ أُبيِّ بنِ كَعبٍ فقال: لا يَزالُ النَّاسُ مُختَلِفةً أعناقُهم في طَلَبِ الدُّنيا، قُلتُ: أجَلْ، قال: إنِّي سَمِعتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ:
((يوشِكُ الفُرَاتُ أن يَحسِرَ عَن جَبَلٍ من ذَهَبٍ، فإذا سَمِعَ به النَّاسُ ساروا إليه، فيَقولُ من عِندَه: لَئِن تَرَكنا النَّاسَ يَأخُذونَ مِنه ليُذهَبَنَّ به كُلِّه، قال: فيَقتَتِلونَ عليه، فيُقتَلُ من كُلِّ مِئةٍ تِسعةٌ وتِسعونَ )) [2250] أخرجه مسلم (2895). .
وعَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لا تَقومُ السَّاعةُ حَتَّى يَحْسِرَ الفُراتُ عَن جَبَلٍ من ذَهَبٍ. يَقتَتِلُ النَّاسُ عليه، فيُقتَلُ من كُلِّ مِائةٍ تِسعةٌ وتِسعونَ، ويَقولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنهم: لَعلِّي أكونُ أنا الذي أنجو )) [2251] أخرجه مسلم (2894). .
قال الحَلِيميُّ: (جاءَ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال:
((يوشِكُ أن يَحسِرَ الفُراتُ عَن جَبَلٍ من ذَهَبٍ، فمَن حَضَرَ فلا يَأخُذْ مِنه شَيئًا )) فيُشبِه أن يَكونَ هذا الزَّمانَ الذي أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنَّ الْمالَ يَفيضُ فلا يَقبَلُه أحَدٌ))، وذلك في زَمانِ عيسى صُلَواتُ الله عليه... فإنْ قيلَ: فما الْمَعنى في نَهيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((مَن حَضَرَ ذلك الجَبَلَ لا يَأخُذْ مِنه شَيئًا)).
قيلَ: يُحتَمَلُ أن يَكونَ ذلك لتَقارُبِ الأمرينِ، وظُهورِ أشراطِه، فإنَّ الرُّكونَ إلى الدُّنيا والِاحتِشادَ لَها، مَعَ ذلك جَهلٌ واغتِرارٌ، ويُحتَمَلُ أن يَكونَ لأنَّه مَجرى الْمَعدِنِ، فإذا أخَذَه ثُمَّ لَم يَجِدْ مَن يُخرِجُ حَقَّ الله تعالى إليه، لَم يوَفَّق بالبَرَكةِ مِنَ الله تعالى فيه، فكان الِانقِباضُ عَنه أَولى، والله أعلَمُ)
[2252] يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/ 429). .
وقال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (قَولُه:
((يَحْسِرُ الفُراتُ عَن جَبَلٍ من ذَهَبٍ)) أي: يَكشِفُ، ومِنه: حَسَرَتِ الْمَرأةُ عَن وجهِها، أي: كشَفتْ، والحاسِرُ: الذي لا سِلاحَ عليه، وكَأنَّ هذا إنَّما يَكونُ إذا أخَذتِ الأرضُ تَقيءُ ما في جَوفِها)
[2253] يُنظر: ((المفهم)) (7/ 228). .
وعَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عَنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((يوشِكُ الفُرَاتُ أن يَحْسِرَ عَن كنزٍ من ذَهَبٍ، فمَن حَضَرَه فلا يَأخُذْ مِنه شَيئًا )) [2254] أخرجه البخاري (7119)، ومسلم (2894). .
قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (قَولُه:
((فمَن حَضَرَه فلا يَأخُذْ مِنه شَيئًا )) نَهيٌ على أصلِه مِنَ التَّحريمِ؛ لأنَّه لَيسَ مِلكًا لأحَدٍ، ولَيسَ بمَعدِنٍ ولا رِكازٍ، فحَقُّه أن يَكونَ في بَيتِ الْمالِ، ولِأنَّه لا يُوصَلُ إليه إلَّا بقَتْلِ النُّفوسِ، فيَحرُمُ الإقدامُ على أخذِه)
[2255] يُنظر: ((المفهم)) (7/ 229). .
وقال
ابنُ حَجَرٍ: (إنَّ السَّبَبَ في النَّهيِ عَنِ الأخذِ مِنه ما يَتَرَتَّبُ على طَلَبِ الأخذِ مِنه مِنَ الِاقتِتالِ فضلًا عَنِ الأخذِ)
[2256] يُنظر: ((فتح الباري)) (13/ 81). .
وقال البَرزنجيُّ في حَديثِه عَنِ الْمَهديِّ: (وأمَّا الأماراتُ الدَّالَّةُ على قُربِ خُروجِه:
فمِنها: أنَّه يَنشَقُّ الفُراتُ، فيَنحَسِرُ عَن جَبَلٍ من ذَهَبٍ...)
[2257] يُنظر: ((الإشاعة لأشراط الساعة)) (ص: 183). .
وقال أيضًا: (اشتَمَلَت قِصَّةُ الْمَهديِّ على جُملةٍ من
أشراطِ السَّاعةِ، فلْنُشِرْ إلى عَدِّها وذِكرِ بَعضِ أحاديثِها إجمالًا؛ وفاءً بما وعَدْناه من حِفظِ الأحاديثِ على الْمُسْلِمينَ.
فمِنها: حَسرُ الفُراتِ عَن جَبَلٍ مِنَ الذَّهَبِ)
[2258] يُنظر: ((الإشاعة لأشراط الساعة)) (ص: 218). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (كذلك أيضًا من
أشراطِ السَّاعةِ والذي لا بُدَّ أن يَكونَ أنَّ الفُراتَ -وهو النَّهرُ الْمَعروفُ في شَرقِي أقصى الجَزيرةِ- يَحْسِرُ عَن ذَهَبٍ؛ جَبَلٍ من ذَهَبٍ أو كنزٍ من ذَهَبٍ. تحسرُ بمَعنى أنَّ الذَّهَبَ يَخرُجُ جَبَلًا، والذَّهَبُ مَعروفٌ... سَوفَ يَحْسِرُ هذا النَّهرُ الجاري عَن جَبَلٍ من ذَهَبٍ، فكُلُّ إنسانٍ يُقاتِلُ غَيرَه عليه، وقيلَ: لأجلِ أن يَحصُلَ على البترولِ الذي صاروا يُسَمُّونَه الذَّهَبَ الأسوَدَ، فالله أعلَمُ بما أرادَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لَكِنَّنا إلى الآنَ لا نَعرِفُ الذَّهَبَ إلَّا أنَّه ذلك الْمَعدِنُ الأصفَرُ الْمَعروفُ، فنَبقى على ما هو عليه ووَراءَنا أيَّامٌ، فالدُّنيا لَم تَنتَهِ بَعدُ حَتَّى نَقولَ: لا بُدَّ أن نُطَبِّقُ الحَديثَ على الواقِعِ الحاضِرِ... لَكِن ما دامَتِ الدُّنيا لَم تَنتَهِ فنَحنُ نَنتَظِرُ ما أخبَرَ به الصَّادِقُ الْمَصدوقُ، ولا بُدَّ أن يَقَعَ ويَقتَتِلَ النَّاسُ عليه، وهذا من
أشراطِ السَّاعةِ لَكِنَّه لَم يَأتِ بَعدُ، والله الموَفِّقُ)
[2259] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) (6/ 628). .