الْمَبحَثُ الثَّاني والأربَعونَ: إخراجُ الأرضِ كُنوزَها الْمَخبوءةَ
عَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنه قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((تَقيءُ الأرضُ أفلاذَ كَبِدِها أمثالَ الأسطوانِ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، فيَجيءُ القاتِلُ فيَقولُ: في هذا قَتَلْتُ، ويَجيءُ القاطِعُ فيَقولُ: في هذا قَطَعْتُ رَحمي. ويَجيءُ السَّارِقُ فيَقولُ: في هذا قُطِعَت يَدِي، ثُمَّ يَدَعونَه فلا يَأخُذونَ مِنه شَيئًا )) [2260] أخرجه مسلم (1013). .
وعَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عَنه عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لا تَقومُ السَّاعةُ حَتَّى تُبعَثَ ريحٌ حَمراءُ من قِبَلِ اليَمنِ.... (فذَكَرَ الحَديثَ، وفيه:) وتَقيءُ الأرضُ أفلاذَ كَبِدِها مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، ولا يُنتَفَعُ بها بَعدَ ذلك اليَومِ، يَمُرُّ بها الرَّجُلُ، فيَضرِبُها برِجْلِه ويَقولُ: في هَذِه كان يَقتَتِلُ من كان قَبلَنا، وأصبَحَتِ اليَومَ لا يُنتَفَعُ بها)) [2261] أخرجه أبو يعلى (6203) مختصراً، وابن حبان (6853) واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. صحَّحه ابن حبان، والألباني في ((صحيح الموارد)) (1603). .
قال
النَّوَويُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((تَقيءُ الأرضُ أفلاذَ كَبِدِها أمثالَ الأسطوانِ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ)) قال ابنُ السِّكِّيتِ: الفلذُ: القِطعةُ من كَبِدِ البَعيرِ، وقال غَيرُه: هيَ القِطعةُ مِنَ اللَّحمِ، ومَعنى الحَديثِ: التَّشبيهُ، أيْ تُخرِجُ ما في جَوفِها مِنَ القِطَعِ الْمَدفونةِ فيها، والأُسطوانُ بضَمِّ الهَمزةِ والطَّاءِ، وهو جَمعُ أسطوانةٍ، وهيَ السَّاريةُ والعَمودُ، وشَبَّهَه بالأُسطوانِ لعِظَمِه وكَثرَتِه)
[2262] يُنظر: ((شرح مسلم)) (7/ 98). .
وعَن حارِثةَ بنِ وهْبٍ رَضِيَ الله عَنه قال: سَمِعتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ:
((تَصَدَّقوا؛ فيُوشِكُ الرَّجُلُ يَمشي بصَدَقَتِه، فيَقولُ الذي أعطيها: لَو جِئْتَنا بها بالأمسِ قَبِلْتُها، فأمَّا الآنَ فلا حاجةَ لي بها، فلا يَجِدُ مَن يَقبَلُها )) [2263] أخرجه البخاري (1411)، ومسلم (1011) واللَّفظُ له. .
قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (قَولُه:
((تَصَدَّقوا؛ فيوشِكُ الرَّجُلُ)) هذا الأمرُ حَضٌّ على الْمُبادَرةِ إلى إخراجِ الصَّدقةِ. ويُوشِكُ: يسرعُ. وقَولُ الْمُعطى لَه:
((لَو جِئْتَنا بها بالأمسِ قَبِلْتُها))، يَعني: أنَّه قَدِ استَغنى عَنها بما أخرَجَتِ الأرضُ، كما قال في الحَديثِ الآخَرِ:
((تَقيءُ الأرضُ أفلاذَ كَبِدِها أمثالَ الأسطوانِ مِنَ الذَّهَبِ))، قال ابنُ السِّكِّيتِ: الفلذُ لا يَكونُ إلَّا للبَعيرِ، وهيَ: القِطَعُ الْمَقطوعةُ طُولًا. وحَكى
أبو عُبيدٍ عَنِ الأصمَعيِّ: الحزةُ والفلذةُ: ما قُطِعَ طولًا مِنَ اللَّحمِ، ولَم يَخُصَّ كبِدًا من غَيرِه. والأُسطوان -بضَمِّ الهَمزةِ والطَّاءِ-: السَّواري، واحِدَتُها: أسطوانةٌ. وهذا عِبارةٌ عَمَّا تُخرِجُ الأرضُ مِنَ الكُنوزِ والندراتِ، وهذا مَعنَى قَولِه تعالى:
وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا، أي: كُنوزَها، على أحَدِ التَّفسيرينِ، وقيلَ: مَوْتاها)
[2264] يُنظر: ((المفهم)) (3/ 56). .
وقال العِراقيُّ: (قَولُه
((ويَفيضُ الْمالُ)) هو بفَتحِ الياءِ، ومَعناه: يَكثُرُ وتَنزِلُ البَرَكاتُ، وتَتَوالى الخَيراتُ بسَبَبِ العَدْلِ وعَدَمِ التَّظالُمِ، ولِما تُلقيه الأرضُ مِنَ الكُنوزِ، كما جاءَ في الحَديثِ الصَّحيحِ:
((وتَقيءُ الأرضُ أفلاذَ كَبِدِها)) [2265] يُنظر: ((طرح التثريب في شرح التقريب)) (7/ 267). .
وقال
السَّخاويُّ في حَديثِه عَنِ الأشراطِ وقتَ نُزولِ عيسى عليه السَّلامُ: (وتَركُ الصَّدقةِ لكَثرةِ إفاضةِ الْمالِ بحَيثُ يُدعى إليه فلا يوجَدُ مَن يَقبَلُه؛ وذلك لنُزولِ البَرَكاتِ وتَوالي الخَيراتِ بسَبَبِ العَدْلِ وعَدَمِ الظُّلمِ، وحينَئِذٍ تُخرِجُ الأرضُ كُنوزَها وتَقيءُ أفلاذَ كَبِدِها، وتَقِلُّ الرَّغَباتُ في اقتِناءِ الْمالِ؛ لعِلمِهم بقُربِ السَّاعةِ، ولا يُتَقَرَّبُ إلى الله حينَئِذٍ إلَّا بالعِبادةِ من صَلاةٍ وُصومٍ وغَيرِهما من شَرائِعِ الدِّين لا بالتَّصَدُّقِ بالمالِ؛ للِاستِغناءِ، بحَيثُ -كما صَحَّ- تَكونُ السَّجدةُ الواحِدةُ خَيرًا مِنَ الدُّنيا وما فيها)
[2266] يُنظر: ((القناعة فيما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة)) (ص: 26). .
وقال البَرزنجيُّ في حَديثِه عَنِ الْمَهديِّ: (الْمَقامُ الثَّاني في العَلاماتِ الَّتي يُعرَفُ بها، والأماراتِ الدَّالَّةِ على قُربِ خُروجِه عليه السَّلامُ... مِنها: أنَّ الأرضَ تُخرِجُ أفلاذَ كَبِدِها مِثلَ الأُسطواناتِ مِنَ الذَّهَبِ)
[2267] يُنظر: ((الإشاعة لأشراط الساعة)) (ص: 182). .
وقال السَّفارينيُّ في حَديثِه عَنِ الْمَهديِّ: (الْمَقامُ الثَّاني: في عَلاماتِه الَّتي يُعرَفُ بها، والأماراتِ الدَّالَّةِ على قُربِ خُروجِه... مِنها: أنَّ الأرضَ تُخرِجُ أفلاذَ كَبِدِها مِثلَ الأُسطواناتِ مِنَ الذَّهَبِ)
[2268] يُنظر: ((البحور الزاخرة)) (2/ 530). .