الفَرعُ الثَّاني: ابنُ صَيَّادٍ في زَمَنِ الصَّحابةِ رَضِيَ الله عَنهم
عَن
جابِرٍ رَضِيَ الله عَنه قال: (فقَدْنا
ابنَ صيَّادٍ يَومَ الحَرَّةِ)
[2684] أخرجه أبو داود (4332)، والبخاري في ((التاريخ الأوسط)) (521)، وابن أبي شيبة (38686). صحَّح إسنادَه النووي في ((شرح صحيح مسلم)) (18/47)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (13/339)، والشوكاني في ((نيل الأوطار)) (8/21)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4332)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4332). .
قال ابنُ رَسلان: (كان بها يَومٌ مَشهورٌ أوقَعَ اللهُ فيه بأهلِ الْمَدينةِ مُسْلِمَ بنَ عقبةَ الْمريَّ، فاستَباحَ حُرْمَتَها، وقَتَلَ رِجالَها، وعاثَ فيها ثَلاثةَ أيَّامٍ، وكان نُزولُه بعَسكَرِه في الحَرَّةِ القَريبةِ مِنها حَرَّةِ النَّارِ، وكانتِ الوَقعةُ في ذي الحِجَّةِ سَنةَ ثَلاثٍ وسِتِّينَ مِنَ الهِجرةِ، وعَقِبَها مات
يَزيدُ بنُ مُعاويةَ، وسُمِّيَتِ الحَرَّةَ؛ لشِدَّةِ حَرِّها ووَهَجِ الشَّمسِ فيها)
[2685] يُنظر: ((شرح سنن أبي داود)) (17/ 185). .
وقال
ابنُ حَجَرٍ: (قال
الخطابيُّ: اختَلَفَ السَّلَفُ في أمرِ
ابنِ صيَّادٍ بَعدَ كِبَرِه؛ فرُوِيَ أنَّه تابَ من ذلك القَولِ ومات بالمَدينةِ، وأنَّهم لما أرادوا الصَّلاةَ عليه كشَفوا وَجْهَه حَتَّى يَراه النَّاسُ وقيلَ لَهم: اشهَدوا. وقال
النَّوَويُّ: قال العُلَماءُ: قِصَّةُ
ابنِ صيَّادٍ مُشكِلةٌ، وأمرُه مُشتَبِهٌ، لَكِن لا شَكَّ أنَّه دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلةِ، والظَّاهِرُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَم يُوحَ إليه في أمرِه بشَيءٍ، وإنَّما أُوحِيَ إليه بصِفاتِ الدَّجَّالِ، وكان في
ابنِ صيَّادٍ قِرائِنُ مُحتَمَلةٌ؛ فلِذلك كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَقطَعُ في أمرِه بشَيءٍ، بَل قال لعُمَرَ: لا خَيرَ لَكَ في قَتلِه. الحَديث. وأمَّا احتِجاجاتُه هو بأنَّه مُسْلِمٌ إلى سائِرِ ما ذُكِرَ، فلا دَلالةَ فيه على دَعواه؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّما أخبَر عَن صِفاتِه وقتَ خُروجِه آخِرَ الزَّمانِ، قال: ومِن جُملةِ ما في قِصَّتِه قَولُه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أتَشهَدُ أنِّي رَسولُ اللهِ، وقَولُه: إنَّه يَأتيه صادِقٌ وكاذِبٌ، وقَولُه: إنَّه تَنامُ عَينُه ولا يَنامُ قَلبُه، وقَولُه: إنَّه يَرى عَرشًا على الْماءِ، وإنَّه لا يَكرَهُ أن يَكونَ الدَّجَّالَ، وإنَّه يَعرِفُه ويَعرِفُ مَولِدَه ومَوضِعَه وأينَ هو الآنَ، قال: وأمَّا إسلامُه وحَجُّه وجِهادُه فلَيسَ فيه تَصريحٌ بأنَّه غَيرُ الدَّجَّالِ؛ لاحتِمالِ أن يُختَمَ لَه بالشَّرِّ؛ فقد أخرَجَ
أبو نُعيمٍ الأصبَهانيُّ في تاريخِ أصبَهانَ ما يُؤَيِّدُ كونَ
ابنِ صيَّادٍ هو الدَّجَّالَ، فساقَ من طَريقِ شُبَيل -بمُعجَمةٍ وموَحَّدةٍ مُصَغَّرًا آخِرُه لامٌ- بن عَرْزةَ -بمُهمَلةٍ ثُمَّ زايٍ بوَزنِ ضَرْبة- عَن حَسَّانَ بن عَبدِ الرَّحمَنِ عَن أبيه قال: لما افتَتَحنا أصبَهانَ كان بينَ عَسكَرِنا وبينَ اليَهوديَّةِ فرَسخٌ، فكُنَّا نَأتيها فنَمتارُ مِنها، فأتَيتُها يَومًا فإذا اليَهودُ يَزفنونَ ويَضرِبونَ، فسَألَتُ صَديقًا لي مِنهم، فقال: مَلِكُنا الذي نَستَفتِحُ به على العَرَبِ يَدخُلُ، فبِتُّ عِندَه على سَطحٍ، فصَلَّيتُ الغَداةَ، فلَمَّا طَلَعت الشَّمسُ إذا لِرَهجٍ مِن قِبَلِ العَسكَرِ، فنَظَرتُ فإذا رَجُلٌ عليه قُبَّةٌ من ريحانٍ واليَهودُ يَزفِنونَ ويَضرِبونَ، فنَظَرتُ فإذا هو
ابنُ صيَّادٍ، فدَخلَ الْمَدينةَ فلَم يَعُد حَتَّى السَّاعةِ. قُلتُ: وعَبدُ الرَّحمَنِ بن حَسَّانَ ما عَرَفتُه، والباقونُ ثِقاتٌ، وقَد أخرَجَ
أبو داوُدَ بسَندٍ صَحيحٍ عَن
جابِرٍ قال: فقَدْنا
ابنَ صيَّادٍ يَومَ الحَرَّةِ، وبِسَندٍ حَسَنٍ مَضى التَّنبيهُ عليه، فقيل: إنَّه مات. قُلتُ: وهذا يُضعِفُ ما تقَدَّمَ أنَّه مات بالمَدينةِ، وأنَّهم صَلَّوا عليه وكَشَفوا عَن وجهِه، ولا يَلتَئِمُ خَبرُ
جابِرٍ هذا مَعَ خَبرِ حَسَّانَ بن عَبدِ الرَّحمَنِ؛ لأنَّ فتحَ أصبَهانَ كان في خِلافةِ عُمرَ كما أخرَجَه
أبو نُعَيمٍ في تاريخِها، وبينَ قَتلِ عُمَرَ ووَقْعةِ الحَرَّةِ نَحوُ أربَعينَ سَنةً، ويُمكِنُ الحَملُ على أنَّ القِصَّةَ إنَّما شاهَدَها والِدُ حَسَّانَ بَعدَ فتحِ أصبَهانَ بهَذِه الْمُدَّةِ، ويَكونُ جَوابُ لَمَّا في قَولِه: لَمَّا افتَتَحْنا أصبَهانَ، مَحذوفًا تَقديرُه: صِرْتُ أتَعاهَدُها وأتَرَدَّدُ إليها، فجرَت قِصَّةُ
ابنِ صَيَّادٍ، فلا يَتَّحِدُ زَمانُ فَتحِها وزَمانُ دُخولِها
ابنُ صَيَّادٍ، وقَد أخرَجَ
الطَّبَرانيُّ في الأوسَطِ من حَديثِ فاطِمةَ بِنْتِ قَيسٍ مَرفوعًا: إنَّ الدَّجَّالَ يَخرُجُ من أصبَهانَ، ومِن حَديثِ عِمرانَ بنِ حُصَينٍ حينَ أخرَجَه
أحمَدُ بسَنَدٍ صَحيحٍ عَن
أنسٍ، لَكِن عِندَه مِن يَهوديَّةِ أصبَهانَ، قال
أبو نُعَيمٍ في تاريخِ أصبَهانَ: كانتِ اليَهوديَّةُ من جُملةِ قُرى أصبَهانَ، وإنَّما سُمِّيَت اليَهوديَّةَ؛ لأنَّها كانت تَختَصُّ بسُكنى اليَهودِ، قال: ولَم تَزَلْ على ذلك إلى أنْ مَصَّرَها أيوبُ بنُ زيادٍ أميرُ مِصرَ في زَمَنِ
الْمَهديِّ بنِ الْمَنصورِ، فسَكَنَها الْمُسلِمونَ وبَقيَت لليَهودِ مِنها قِطعةٌ مُنفَرِدةٌ، وأمَّا ما أخرَجَه مُسْلِمٌ عَن أبي هُرَيرةَ مَرفوعًا قال: يَتْبَعُ الدَّجَّالَ سَبعونَ ألفًا من يَهودِ أصبَهانَ، فلَعَلَّها كانت يَهوديَّةَ أصبَهانَ، يُريدُ البَلَدَ الْمَذكورَ، لا أنَّ الْمُرادَ جَميعُ أهلِ أصبَهانَ يَهودٌ، وأنَّ القَدْرَ الذي يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنهم سَبعونَ ألفًا)
[2686] يُنظر: ((فتح الباري)) (13/327). .