المَبحَثُ الثَّالِثُ: مُدَّةُ الوُقوفِ يَومَ القيامةِ
قال اللهُ تعالى:
تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج: 4] .
فَقيلُ: المُرادُ باليَومِ هنا: يَومُ القيامةِ، وذلك على أحَدِ الأقوالِ في التَّفسيرِ. وقيلَ: يَكونُ هذا المِقدارُ الطَّويلُ خاصًّا بالكافِرِ، وأمَّا المُؤمِنُ فيُخَفَّفُ عليه الوُقوفُ جِدًّا.
عن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((ما من صاحِبِ ذَهَبٍ ولا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّي منها حَقَّها إلَّا إذا كان يَومُ القيامةِ صُفِّحَت له صَفائِحُ من نارٍ، فأحميَ عليها في نارِ جَهَنَّمَ، فيُكوى بها جَنبُه وجَبِينُه وظَهْرُه، كُلَّما بَرَدَت أُعيدَت له في يَومٍ كان مِقدارُه خَمسينَ ألفَ سَنةٍ، حَتَّى يُقضى بينَ العِبادِ ، فيُرى سَبيلَه، إمَّا إلى الجَنةِ، وإمَّا إلى النَّارِ )) [3302] أخرجه مسلم (987) مطولًا. .
وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((يَوم يَقومُ النَّاسُ لرَبِّ العالَمينَ مِقدارُ نِصفِ يَومٍ من خَمسينَ ألفَ سَنةٍ، فيهونَ ذلك على المُؤمِنِ كتَدلِّي الشَّمسِ للغُروبِ إلى أن تَغرُبَ )) [3303] أخرجه أبو يعلى (6025)، وابن حبان (7333). صحَّحه ابن حبان، وصحَّح إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/295)، والألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (6/769)، وشعيب الأرناؤوط على شرط البخاري في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (7333). .
وعن
ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما أنَّه قال في قَولِ الله تعالى:
تَعرُجُ المَلائِكةُ والرُّوحُ إليه في يَومٍ كان مِقدارُه خَمسينَ ألفَ سَنةٍ [المعارج: 4] : (فهذا يَومُ القيامةِ، جَعلَه اللهُ على الكافِرين مِقدارَ خَمسينَ ألفَ سَنةٍ)
[3304] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/ 253). .
قال
السَّمعانيُّ: (قَولُه:
في يَومٍ كان مِقدارُه خَمسينَ ألفَ سَنةٍ قال
ابنُ عَبَّاسٍ: هو يَومُ القيامةِ، وهو أصَحُّ القَولينِ)
[3305] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (6/ 45). .
وقال
السَّمعانيُّ في الجَمعِ بينَ قَولِ اللهِ تعالى:
يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّماءِ إلى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إليه في يَومٍ كان مِقدارُه ألفَ سَنةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ - على أحَدِ الأقوالِ بأنَّ المُرادَ باليَومِ هنا يَومُ القيامةِ- وقَولِه سُبحانَه:
تَعرُجُ المَلائِكةُ والرُّوحُ إليه في يَومٍ كان مِقدارُه خَمسينَ ألفَ سَنةٍ: (قال بَعضُهم: خَمسينَ ألفَ سَنةٍ، وألف سَنةٍ، كُلُّها في القيامةِ، فيَكونُ يَومُ القيامةِ على بَعضِهم ألفَ سَنةٍ، وعلى بَعضِهم خَمسينَ ألفَ سَنة، واليَومُ واحِدٌ!)
[3306] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (4/ 243). .
وقال
البَغَويُّ: (قال عِكرِمةُ وقَتادةُ: هو يَومُ القيامةِ. وقال الحَسَنُ أيضًا: هو يَومُ القيامةِ. وأرادَ أنَّ مَوقِفَهم للحِسابِ حَتَّى يُفصَلَ بينَ النَّاسِ خَمسونَ ألفَ سَنةٍ من سِنِي الدُّنيا، ليس يَعني به أنَّ مِقدارَ طولِه هذا دونَ غَيرِه؛ لأنَّ يَومَ القيامةِ له أوَّلٌ وليس له آخِرٌ؛ لأنَّه يَومٌ مَمدودٌ، ولَو كان له آخِرٌ لَكان مُنقَطِعًا. ورَوى ابنُ أبي طَلحةَ عن
ابنِ عَبَّاسٍ قال: هو يَومُ القيامةِ يَكونُ على الكافِرينَ مِقدارَ خَمسينَ ألفَ سَنةٍ)
[3307] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (5/ 151). .
وقال
الزَّمَخشَريُّ: (يَقَعُ في يَومٍ طَويلٍ مِقدارُه خَمسونَ ألفَ سَنةٍ من سِنِيكم، وهو يَومُ القيامةِ: إمَّا أن يَكونَ استِطالةً له لشِدَّتِه على الكُفَّارِ، وإمَّا لأنَّه على الحَقيقةِ كذلك. قيلَ: فيه خَمسونَ مَوطِنًا كُلُّ موطِنٍ ألفُ سَنةٍ)
[3308] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/ 609). .
وقال
ابنُ الجَوزيِّ: (
في يَومٍ كان مِقدارُه خَمسينَ ألفَ سَنةٍ فيه قَولانِ:
أحَدُهما: أنَّه يَومُ القيامةِ، قاله
ابنُ عَباسٍ، والحَسَنُ، وقتادةُ، والقُرَظيُّ، وهذا هو مِقدارُ يَومِ القيامةِ من وقتِ البَعثِ إلى أن يُفصَلَ بينَ الخَلقِ... وقيلَ: بَل لَو وَلِيَ حِسابَ الخَلقِ سِوى اللهِ عزَّ وجَلَّ لَم يَفرُغْ منه في خَمسينَ ألفَ سَنةٍ، والحَقُّ يَفرُغُ منه في ساعةٍ من نَهارٍ
[3309] قال أحمد بن حنبل: (وأما قوله: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج: 4] يقول: لو ولي حساب الخلائق غيرُ الله ما فرغ منه في يومٍ مقداره خمسون ألفَ سنة، ويفرغُ اللهُ منه مقدارَ نصفِ يومٍ من أيام الدنيا إذا أخذ في حسابِ الخلائِقِ، فذلك قوله: وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء: 47] ؛ يعني سرعةَ الحسابِ). ((الرد على الجهمية والزنادقة)) (ص: 71). وقال المزني: (وبعد البلى منشورون ويوم القيامة إلى ربهم محشورون، ولدى العرض عليه محاسَبون، بحضرة الموازين ونشْر صحف الدواوين، أحصاه الله ونسُوه، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنةٍ، لو كان غيرُ اللهِ عز وجل الحاكِمَ بين خلقه، لكنه الله يلي الحكمَ بينهم بعدله بمقدار القائلة في الدنيا، وهو أسرعُ الحاسبين). ((شرح السنة)) (ص: 81). ...
والثَّاني: أنَّه مِقدارُ صُعودِ المَلائِكةِ من أسفَلِ الأرضِ إلى العَرْشِ، لَو صَعِدَه غَيرُهم قَطَعَه في خَمسينَ ألفَ سَنةٍ، وهذا مَعنى قَولِ مُجاهدٍ)
[3310] يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (4/ 336). .
وقال ابنُ جُزَيٍّ: (اختُلِفَ في هذا اليَومِ على قَولينِ: أحَدُهما أنَّه يَومُ القيامةِ، والآخَرُ: أنَّه في الدُّنيا، والصَّحيحِ أنَّه يَومُ القيامةِ؛ لقَولِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حَديثِ مانِعِ الزَّكاةِ:
((ما من صاحِبِ ذَهَبٍ ولا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّي زَكاتَها إلَّا صُفِّحَت له صَفائِحُ مِن نارٍ يُكوى بها جَبِينُه وجَنبُه وظَهْرُه في يَومٍ كان مِقدارُه خَمسينَ ألفَ سَنةٍ حَتَّى يُقضى بينَ العِبادِ)) [3311] أخرجه مسلم (987) باختلافٍ يسيرٍ عن أبي هُرَيرةَ قال: قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما من صاحبِ ذهَبٍ ولا فِضَّةٍ لا يؤدِّي منها حقَّها إلا إذا كان يومُ القيامة، صُفحت له صفائِحُ من نارٍ، فأحمِيَ عليها في نار جهنَّمَ، فيُكوى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، كلما بردت أُعيدت له في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ حتى يُقضى بين العبادِ)). يَعني يَومَ القيامةِ، ثُمَّ اختُلِفَ هَل مِقدارُه خَمسونَ ألفَ سَنةٍ حَقيقةً؟ وهذا هو الأظهَرُ، أو هَل وُصِفَ بذلك لشِدَّةِ أهوالِه؟ كما يُقالُ: يَومٌ طَويلٌ: إذا كان فيه مَصائِبُ وهُمومٌ)
[3312] يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/ 410). .
وقال
ابنُ كثيرٍ: (قَولُه:
في يَومٍ كان مِقدارُه خَمسينَ ألفَ سَنةٍ فيه أربَعةُ أقوالٍ:
أحَدُها: أنَّ المُرادَ بذلك مَسافةُ ما بينَ العَرْش العَظيمِ إلى أسفَلِ السَّافِلينَ، وهو قَرارُ الأرضِ السَّابِعةِ، وذلك مَسيرةُ خَمسينَ ألفَ سَنةٍ...
القَولُ الثَّاني: أنَّ المُرادَ بذلك مُدَّةُ بَقاءِ الدُّنيا مُنذُ خَلقَ اللهُ هذا العالَمَ إلى قيامِ السَّاعةِ...
القَولُ الثَّالِثُ: أنَّه اليَومُ الفاصِلُ بينَ الدُّنيا والآخِرةِ، وهو قَولٌ غَريبٌ جِدًّا...
القَولُ الرَّابِعُ: أنَّ المُرادَ بذلك يَومُ القيامةِ.
قال
ابنُ أبي حاتِمٍ: حَدَّثنا أحمَدُ بنُ سنانَ الواسِطيُّ، حَدَّثنا عَبدُ الرَّحمَنِ بن مَهديٍّ، عن إسرائيلَ، عن سِماكٍ، عن عِكرِمةَ، عن
ابنِ عَباسٍ:
في يَومٍ كان مِقدارُه خَمسينَ ألفَ سَنةٍ قال: يَومُ القيامةِ. هذا وإسنادُه صَحيحٌ. وأخرجه
الثَّوريُّ عن سِماكِ بن حَربٍ، عن عِكرِمةَ
في يَومٍ كان مِقدارُه خَمسينَ ألفَ سَنةٍ يَومُ القيامةِ. وكَذا قال الضَّحَّاكُ، وابنُ زيدٍ...
وَقد ورَدَتْ أحاديثُ في مَعنى ذلك... عن أبي عَمْرٍو الغَدانيُّ قال: كُنتَ عِندَ أبي هُريرةَ فمَرَّ رَجُلٌ من بني عامِرِ بنِ صَعصَعةَ، فقيلَ له: هذا أكثَرُ عامِريٍّ مالًا. فقال أبو هُريرةَ: رُدُّوه، فقال: نُبِّئتُ أنَّك ذو مالٍ كثيرٍ؟ فقال العامِريُّ: إي واللهِ، إنَّ لي لَمِائةً حُمرًا ومِائةً أدمًا، حَتَّى عَدَّ من ألوانِ الإبلِ، وأفنانِ الرَّقيقِ، ورِباطِ الخَيلِ، فقال أبو هُريرةَ: إيَّاك وأخفافَ الإبلِ وأظلافَ النَّعَمِ! -يُردِّدُ ذلك عليه، حَتَّى جَعلَ لَونُ العامِريِّ يَتَغَيَّرُ-فقال: ما ذاك يا أبا هُريرةَ؟ قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: "مَن كانت له إبلٌ لا يُعطي حَقَّها في نَجدَتِها ورَسْلِها. قُلنا يا رَسولَ الله: ما نَجْدَتُها ورِسْلُها؟ قال: "في عُسرِها ويُسرِها" فإنَّها تَأتي يَومَ القيامةِ كأغذِّ ما كانت وأكثَرِه وأسمَنِه وآشَرِه، حَتَّى يُبطَحَ لها بِقَاعٍ قَرقَرٍ، فتَطَؤُه بأخفافِها، فإذا جاوَزَته أُخراها أعيدَت عليه أولاها، في يَومٍ كان مِقدارُه خَمسينَ ألفَ سَنةٍ، حَتَّى يُقضى بينَ النَّاسِ فيُرَى سَبيلَه ...
[3313] أخرجه النسائي (2442)، وأحمد (10350) مطولًا باختلافٍ يسيرٍ صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (2442)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (10350). والحديث أخرجه مسلم (987) بنحوه بلفظ: ((قيل: يا رسولَ اللهِ، فالإبل؟ قال: ولا صاحِب إبلٍ لا يؤدِّي منها حقَّها، ومن حقِّها حلبُها يوم وردِها، إلا إذا كان يومُ القيامةِ بُطِحَ لها بقاعٍ قرقرٍ أوفَرَ ما كانت لا يفقدُ منها فصيلًا واحدًا، تطؤه بأخفافِها وتَعَضُّه بأفواهها، كلَّما مَرَّ عليه أولاها رُدَّ عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيلَه)). ... والغَرَضُ من إيرادِه هاهنا قَولُه:
((حَتَّى يَحكُمَ اللهُ بينَ عِبادِه في يَومٍ كان مِقدارُه خَمسينَ ألفَ سَنةٍ)) [3314] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/ 221-224). .
وقال
ابنُ بازٍ: (اعلَمْ أنَّ يَومَ القيامةِ له أحوالٌ وله شُؤونٌ، وهو يَومٌ طَويلٌ، مِقدارُه خَمسونَ ألفَ سَنةٍ، كما قال جَلَّ وعلا في كِتابِه العَظيمِ:
تَعْرُجُ المَلائِكةُ والرُّوحُ إليه في يَومٍ كان مِقدارُه خَمسينَ ألفَ سَنةٍ)
[3315] يُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) (ص: 114). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (إنَّ يَومَ القيامةِ كان مِقدارُه خَمسينَ ألفَ سَنةٍ، كما في سورةِ المَعارِجِ في قَولِه تعالى:
في يَومٍ كان مِقدارُه خَمسينَ ألفَ سَنةٍ فاصِبِرْ صَبْرًا جَميلًا، وبيَّنَه الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في حَديثِ أبي هُريرةَ في
مُسلِمٍ، في مانِعِ الزَّكاةِ أنَّه يُعَذَّبُ بها في يَومٍ كان مِقدارُه خَمسينَ ألفَ سَنةٍ
[3316] أخرجه مسلم (987) بلفظ: ((ما من صاحبِ كنزٍ لا يؤدِّي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنَّمَ، فيُجعَلُ صفائِحَ، فيُكوى بها جنباه وجبينه، حتى يحكم اللهُ بين عباده في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيلَه إمَّا إلى الجنة وإما إلى النار)). [3317] يُنظر: ((شرح مقدمة التفسير)) (ص: 147). .
وقال أيضًا: (يَومُ الحِسابِ يَومٌ واحِدٌ، ولَكِنَّه يَومٌ مِقدارُه خَمسونَ ألفَ سَنةٍ، كما قال اللهُ تعالى:
سَألَ سائِلٌ بعَذابٍ واقِعٍ للكافِرينَ ليس له دافِعٌ مِنَ اللهِ ذِي المَعارِجِ تَعْرُجُ المَلائِكةُ والرُّوحُ إليه في يَومٍ كان مِقدارُه خَمسينَ أَلْفَ سَنةٍ أي: أنَّ هذا العَذابَ يَقَعُ للكافِرينَ في يَومٍ كان مِقدارُه خَمسينَ ألفَ سَنةٍ، وفي صَحيحِ
مُسلِمٍ من حَديثِ أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((ما من صاحِبِ ذَهَبٍ ولا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّي منها حَقَّها إلَّا إذا كان يَومُ القيامةِ صُفِّحَتْ له صَفائِحُ من نارٍ، وأُحميَ عليها في نارِ جَهَنَّمَ، فيُكوى بها جَنبُه وجَبِينُه وظَهْرُه، كُلَّما بَرَدَت أعيدَت في يَومٍ كان مِقدارُه خَمسينَ ألفَ سَنةٍ، حَتَّى يُقضى بينَ العِبادِ )) [3318] أخرجه مسلم (987) مطولًا. . وهذا اليَومُ الطَّويلُ هو يَومٌ عَسيرٌ على الكافِرينَ، كما قال تعالى:
وكان يَومًا على الكافِرينَ عَسيرًا، وقال تعالى:
فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَومٌ عَسيرٌ على الكافِرينَ غَيرُ يَسيرٍ، ومَفهومُ هاتينِ الآيَتينِ: أنَّه على المُؤمِنِ يَسيرٌ، وهو كذلك، فهذا اليَومُ الطَّويلُ بما فيه من الأهوالِ والأشياءِ العَظيمةِ يُيَسِّرُه الله تعالى على المُؤمِنِ، ويَكونُ عَسيرًا على الكافِرِ. وأسألُ اللهَ تعالى أن يَجعَلَني وإخواني المُسلِمينَ مِمَّن يَسَّرَه اللهُ عليهم يَومَ القيامةِ. والتَّفكيرُ والتَّعَمُّقُ في مِثلِ هذه الأمورِ الغَيبيَّةِ هو من التَّنَطُّعِ، الذي قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيه:
((هَلَك المُتَنَطِّعونَ، هَلَك المُتَنَطِّعونَ، هَلَك المُتَنَطِّعونَ )) [3319] أخرجه مسلم (2670) عن عبد الله قال: قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((هلك المتنطِّعون)) قالها ثلاثًا. . ووَظيفةُ الإنسانِ في هذه الأمورِ الغَيبيَّةِ التَّسليمُ، وأخْذُ الأمورِ على ظاهرِ مَعناها، دونَ أن يَتَعَمَّقَ، أو يُحاوِلَ القياسَ بينَها وبينَ الأمورِ في الدُّنيا؛ فإنَّ أمورَ الآخِرةِ ليست كأُمورِ الدُّنيا، وإن كانت تُشبِهُها في أصلِ المَعنى، وتُشارِكُها في ذلك، لَكِن بينَهما فرقٌ عَظيمٌ)
[3320] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (2/ 40). .
وعن أبي هُريرةَ رضي اللهُ عنه عن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((يَومُ القيامةِ كقَدرِ ما بينَ الظُّهرِ والعَصرِ )) [3321] أخرجه الحاكم (283) واللَّفظُ له، والديلمي في ((الفردوس)) (8993). صحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (8193)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيحُ الإسناد على شرط الشيخين، إن كان سُوَيد بن نصر حَفِظَه على أنَّه ثقة مأمون. وأخرجه موقوفًا الحاكم (284). قال ابن كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (1/326): روي مرفوعًا، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (5/455): الموقوف في حكم المرفوع، بل هو أوضحُ وأبينُ. .
وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((يَوم يَقومُ النَّاسُ لرَبِّ العالَمينَ مِقدارُ نِصفِ يَومٍ من خَمسينَ ألفَ سَنةٍ، فيَهُونُ ذلك على المُؤمِنِ كتَدلِّي الشَّمسِ للغُروبِ إلى أن تَغرُبَ )) [3322] أخرجه أبو يعلى (6025)، وابن حبان (7333) باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه ابن حبان، وصحَّح إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/295)، والألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (6/769)، وشعيب الأرناؤوط على شرط البخاري في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (7333). .
قال السَّفارينيُّ: (أفادَ أنَّ مُدَّةَ الوُقوفِ نِصفُ يَومٍ من خَمسينَ ألفَ سَنةٍ، فيَكونُ مِقدارُ الوُقوفِ خَمسًا وعِشرينَ ألفَ سَنةٍ. واللهُ أعلَمُ)
[3323] يُنظر: ((البحور الزاخرة)) (2/ 759). .