المَطلَبُ الأوَّلُ: الأدَلَّةُ من القُرآنِ الكَريمِ على ثُبوتِ الحِسابِ يَومَ القيامةِ
1- قال اللهُ تعالى:
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [المائدة: 4] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (اعلَموا أنَّ اللهَ سَريعٌ حِسابُه لمَن حاسَبَه على نَعمَتِه عليه مِنكم، وشَكرَ الشَّاكِرُ مِنكم رَبَّه على ما أنعَمَ به عليه بطاعَتِه إيَّاه فيما أمرَ ونَهى؛ لأنَّه حافِظٌ لجَميعِ ذلك فيكم، فيُحيطُ به، لا يَخفى عليه منه شَيءٌ، فيُجازي المُطيعَ مِنكم بطاعَتِه والعاصيَ بمَعصيَتِه، وقد بَيَّنَ لَكم جَزاءَ الفَريقينِ)
[3614] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/ 129). .
وقال
الشَّوكانيُّ: (قَولُه:
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ أي: حِسابُه سُبحانَه سَريعٌ إتيانُه، وكُلُّ آتٍ قَريبٌ)
[3615] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (2/ 17). .
2- قال اللهُ سُبحانَه:
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء: 47] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (يَقولُ تعالى ذِكرُه:
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ العَدَلَ، وهو
القِسطُ... وقَولُه:
ليَومِ القيامةِ يَقولُ: لأهلِ يَومِ القيامةِ، ومن ورَدَ على الله في ذلك اليَومِ من خَلقِه... وقَولُه:
فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا يَقولُ: فلا يَظلِمُ اللهُ نَفسًا مِمَّن ورَدَ عليه منهم شَيئًا بأن يُعاقِبَه بذَنبٍ لَم يَعمَلْه أو يَبخَسَه ثَوابَ عَمَلٍ عَمِلَه، وطاعةٍ أطاعَه بها، ولَكِن يُجازي المُحْسِنَ بإحسانِه، ولا يُعاقِبُ مَسيئًا إلَّا بإساءَتِه... وقَولُه:
وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا يَقولُ: وإن كان الذي له من عَمَلِ الحَسَناتِ، أو عليه من السَّيِّئاتِ وزنَ حَبَّةٍ من خَردَلٍ
أَتَيْنَا بِهَا يَقولُ: جِئْنا بها، فأحضَرْناها إيَّاه... وقَولُه:
وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ يَقولُ: وحَسبُ من شَهدَ ذلك المَوقِفَ بنا حاسِبينَ؛ لأنَّه لا أحَدَ أعلَمُ بأعمالِهم وما سَلَفَ في الدُّنيا من صالِحٍ أو سَيِّئٍ مِنَّا)
[3616] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/ 284-287). .
وقال
السَّمعانيُّ: (قَولُه:
وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ أي: مُحاسِبينَ، وقيلَ: حافِظينَ عالِمينَ، وقيلَ: مُحصِينَ).
وقال
السَّعديُّ: (يُخبِرُ تعالى عن حُكمِه العَدلِ، وقَضائِه القِسطِ بينَ عِبادِه إذا جَمَعَهم في يَومِ القيامةِ، وأنَّه يَضَعُ لهمُ المَوازينَ العادِلةَ، التي يُبَيِّنُ فيها مَثاقيلَ الذَّرِّ، الذي توزَنُ بها الحَسَناتُ والسِّيِّئاتُ،
فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ مُسلِمةٌ أو كافِرةٌ
شَيئًا بأن تُنقَصَ من حَسَناتِها، أو يُزادَ في سَيِّئاتِها.
وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ التي هيَ أصغَرُ الأشياءِ وأحقَرُها، من خَيرٍ أو شَرٍّ
أَتَيْنَا بِهَا وأحضَرْناها، ليُجازى بها صاحِبُها، كقَولِه:
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.
وقالوا
يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا [الكهف: 49] .
وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ يَعني بذلك نَفسَه الكَريمةَ، فكفى به حاسِبًا، أي: عالِمًا بأعمالِ العِبادِ حافِظًا لها مُثبِتًا لها في الكِتابِ عالِمًا بمَقاديرِها ومَقاديرِ ثَوابِها وعِقابِها واستِحقاقِها، مُوصِلًا للعُمَّالِ جَزاءَها)
[3617] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 524). .
3- قال اللهُ عَزَّ وجلَّ:
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إلى أَهْلِهِ مَسْرُورًا [الانشقاق: 7-9] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (قَولُه:
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ يَقولُ تعالى ذِكرُه: فأمَّا من أعطِيَ كِتابَ أعمالِه بيَمينِه
فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا بأن يُنظَرَ في أعمالِه، فيُغفَرُ له سَيِّئُها، ويُجازى على حَسَنِها، وبِنَحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التَّأويلِ)
[3618] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/ 236). .
وقال ابنُ عَطِيَّةَ: (الحِسابُ اليَسيرُ: هو العَرضُ: وأمَّا من نوقِشَ الحِسابَ، فإنَّه يَهلِك ويُعذَّبُ)
[3619] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/ 457). .
وقال
ابنُ كثيرٍ: (
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا أي: سَهلًا بلا تَعسيرٍ، أي: لا يُحققُ عليه جَميع دَقائِقِ أعمالِه؛ فإنَّ من حُوسِبَ كذلك يَهلِكُ لا مَحالةَ... قَولُه تعالى:
ويَنقَلِبُ إلى أهلِه مَسْرُورًا أي: ويَرجِعُ إلى أهلِه في الجَنةِ. قاله قتادةُ والضَّحَّاكُ،
مَسْرُورًا أي: فرحانَ مُغتَبِطًا بما أعطاه اللهُ عزَّ وجَلَّ)
[3620] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/ 356). .
4- قال اللهُ تعالى:
لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [الرعد: 18] .
قال ابنُ عَطِيَّةَ: (الذينَ لَم يَستَجيبوا هُم: الكَفَرةُ، وسوءُ الحِسابِ هو: التَّقَصي على المُحاسَبِ، وألَّا يَقَعَ في حِسابِه من التَّجاوُزِ شَيءٌ)
[3621] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/ 308). .
وقال
ابنُ الجَوزيِّ: (في سوءِ الحِسابِ ثَلاثةُ أقوالٍ: أحَدُها: أنَّها المُناقَشةُ بالأعمالِ، أخرجه ابو الجَوزاءِ عن
ابنِ عَبَّاسٍ. وقال
النَّخعيُّ: هو أن يُحاسَبَ بذَنبِه كُلِّه، فلا يُغفَرُ له منه شَيءٌ. والثَّاني: ألَّا تُقبَلَ منهم حَسَنةٌ، ولا يُتَجاوَزُ لهم عن سَيِّئةٍ. والثَّالِثُ: أنَّه التَّوبيخُ والتَّقريعُ عِندَ الحِسابِ)
[3622] يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (2/ 492). .
وقال
ابنُ عاشور: (سوءُ الحِسابِ ما يحفُّ بالحِسابِ من إغلاظٍ وإهانةٍ للمُحاسَبِ، وأمَّا أصلُ الحِسابِ فهو حَسَنٌ؛ لأنَّه عَدْلٌ)
[3623] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/ 123). .
5- قال اللهُ عَزَّ وجلَّ:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [النور: 39] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (
وَاللَّهُ سَرِيعُ الحِسَابِ يَقولُ: واللهُ سَريعٌ حِسابُه؛ لأنَّه تعالى ذِكرُه لا يَحتاجُ إلى عَقدِ أصابِعَ ولا حِفظٍ بقَلبٍ، ولَكِنَّه عالِمٌ بذلك كُلِّه قَبلَ أن يَعمَلَه العَبدُ، ومِن بَعدِه ما عَمِلَه)
[3624] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/ 326). .
وقال
البَيضاويُّ: (
وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ لا يَشغَلُه حِسابٌ عن حِسابٍ)
[3625] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/ 109). .
6- قال اللهُ تعالى:
الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر: 17] .
قال
ابنُ عُثَيمين: (
إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسَابِ أي: سَريعُ مُحاسَبةِ الخَلائِقِ على أعمالِهم)
[3626] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة غافر)) (ص: 170). .