المَبحَثُ الخامِسُ: أوَّلُ مَن يُجيزُ الصِّراطَ
أوَّلُ مَن يُجيزُ الصِّراطَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثُمَّ أمَّتُه.
عن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((ويُضرَبُ السِّراطُ بينَ ظَهْرَي جَهَنَّمَ، فأكونُ أنا وأمَّتي أوَّلَ مَن يُجيزُها)) [4068] أخرجه مطولًا البخاري (7437) واللَّفظُ له، ومسلم (182). .
وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((فيُضرَبُ الصِّراطُ بينَ ظَهْراني جَهَنَّمَ فأكونُ أوَّلَ مَن يَجوزُ من الرُّسُلِ بأمَّتِه، ولا يَتَكَلَّمُ يَومَئِذٍ أحَدٌ إلَّا الرُّسُلُ، وكَلامُ الرُّسُلِ يومَئِذٍ: اللهمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ )) [4069] أخرجه مطولًا البخاري (806) واللَّفظُ له، ومسلم (182). .
قال الكَرمانيُّ: (قَولُه:
((ظَهْرانَي)) بفَتحِ الظَّاءِ وسُكونِ الهاءِ وفَتحِ النُّونِ، أي: بينَ ظَهرَيها، والألفُ والنُّونُ زيدَتا للمُبالَغةِ... وفيه إثباتُ الصِّراطِ، وهو جِسرٌ على مَتنِ جَهنَّمَ أدَقُّ من الشَّعرِ وأحَدُّ من السَّيفِ، يَمُرُّ عليه النَّاسُ كُلُّهم. قَولُه:
((لا يَتَكَلَّمُ)) أي: لشِدَّةِ الأهوالِ، والمُرادُ لا يَتَكَلَّمُ في حالِ الإجازةِ)
[4070] يُنظر: ((الكواكب الدراري)) (5/ 162). .
وقال
القَسطلانيُّ: (
((بينَ ظَهرانَيْ جَهَنَّمَ)) بفَتحِ الظَّاءِ وسُكونِ الهاءِ وفَتحِ النُّونِ، أي ظَهْرَي، فزيدَتِ الألفُ والنُّونُ للمُبالَغةِ، أي على وسَطِ جَهَنَّمَ
((فأكونُ أوَّلَ مَن يَجوزُ)) بالواوِ، وفي بَعضِ النُّسَخِ: يُجيزُ، بالياءِ مَعَ ضَمِّ أوَّلِه، وهيَ لُغةٌ في: جازَ. يُقالُ: جازَ بمَعنًى، أي: يَقطَعُ مَسافةَ الصِّراطِ.
((مِنَ الرُّسُلِ)) عليهمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ
((بأمَّتِه، ولا يَتَكَلَّمُ)) لشِدَّةِ الهولِ
((يومَئِذٍ)) أي: حالَ الإجازةِ على الصِّراطِ
((أحَدٌ إلَّا الرُّسُلُ، وكَلامُ الرُّسُلِ يومَئِذٍ)) على الصِّراطِ:
((اللهَمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ)) شَفقةً منهم على الخَلقِ ورَحمةً)
[4071] يُنظر: ((إرشاد الساري)) (2/ 115). .
وقال
علي القاري: (
((يُضرَبُ الصِّراطُ)) أي: يُمَدُّ
((بينَ ظَهْرانَي جَهَنَّمَ)) أي: بينَ طَرَفَيها، فيوافِقُ رِوايةَ: على مَتنِها وظَهْرِها وفَوقَها،
((فأكونُ أوَّلَ مَن يَجوزُ من الرُّسُلِ بأمَّتِه)): الباءُ للتَّعديةِ، أي: مَن يُجاوِزُهم عنها
((ولا يَتَكَلَّمُ يَومَئِذٍ)) أي: في ذلك المَقامِ
((إلَّا الرُّسُلُ)) [4072] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (8/ 3554). .
وقال
حافِظٌ الحَكَميُّ: (قد ظَهَرَت فضيلَتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في لَيلةِ
الإسراءِ والمِعراجِ بتَقَدُّمِه عليهم إمامًا، وعُلوِّه فوقَ الجَميعِ مَقامًا حَتَّى جاوَزَ السَّبعَ الطِّباقَ إلى سِدْرةِ المُنتَهى إلى حَيثُ شاءَ اللهُ عزَّ وجَلَّ، واختَصَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأشياءَ أُخَرَ في سَماحةِ شَريعَتِه، ووَضعِ الآصارِ عن أمَّتِه، وكَونِه أكثَرَهم تابِعًا، وكَذلك يَبدو فضلُه في الآخِرةِ بكَونِه أوَّلَ مَن تَنشَقُّ عنه الأرضُ، وأوَّلَ شافِعٍ، وأوَّلَ مُشَفَّعٍ، وأوَّلَ مَن يَستَفتِحُ بابَ الجَنةِ، وأوَّلُ مَن يَدخُلُها من الأمَمِ أمَّتُه... وهو وأمَّتُه أوَّلُ مَن يَجوزُ الصِّراطَ، وهم ثُلُثَا أهلِ الجَنةِ؛ لِما جاءَ أنَّهم ثَمانونَ صَفًّا، وغَيرُهم من الأمَمِ أربَعونَ صَفًّا، وهذه عِدَّةُ صُفوفِ أهلِ الجَنةِ مِائةٌ وعِشرونَ صَفًّا، ويَشفَعُ الواحِدُ من أمَّتِه في مِثلِ رَبَيعةَ ومُضَرَ، وله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الوَسيلةُ، وهيَ أعلى دَرَجةٍ في الجَنةِ، ليس فوقَها إلَّا عَرْشُ الرَّحمَنِ عزَّ وجَلَّ، وليست هيَ لأحَدٍ غَيرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وغَير ذلك من مَقاماتِه العَلِيَّةِ التي لا يَنالُها غَيرُه ولا يُدرِكُها سِواه، وهذا مَقامٌ يَطولُ ذِكرُه ولا يُقدَرُ قَدْرُه، ولا يُحيطُ بغايَتِه إلَّا الذي اصطَفاه له، وأكرَمَه به. جَعَلنا اللهُ عزَّ وجَلَّ مِمَّنِ اقتَدى به واهتَدى بهَدْيِه، وكان هواه تَبَعًا لِما جاءَ به. آمين)
[4073] يُنظر: ((معارج القبول)) (3/ 1122). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (أوَّلُ مَن يَعبُرُ الصِّراطَ من الأنبياءِ مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومنَ الأمَّمِ أمَّتُه)
[4074] يُنظر: ((شرح لمعة الاعتقاد)) (ص: 128). .
وأوَّلُ النَّاسِ إجازةً هم فُقَراءُ المَهاجِرينَ.عن ثَوبانَ رَضِيَ الله عنه أنَّ حَبرًا من اليَهودِ سَألَ النَّبيَّ صَلى اللهُ عليه وآلَه وسَلَّم: أينَ يَكونُ النَّاسُ يَومَ تُبَدَّلُ الأرضُ غَيرَ الأرضِ والسَّمَواتُ؟ قال:
((هَم في الظُّلْمةِ دونَ الجِسرِ)). قال: فمَن أوَّلُ النَّاسِ إجازةً؟ قال:
((فُقَراءُ المُهاجِرينَ)) [4075] أخرجه مسلم (315) مطولًا. .
قال
النَّوَويُّ: (
((هَم في الظُّلْمةِ دونَ الجِسرِ)) هو بفَتحِ الجيمِ وكَسرِها لُغَتانِ مَشهورَتانِ، والمُرادُ به هنا الصِّراطُ. قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((فمَن أوَّلُ النَّاسِ إجازةً)) هو بكَسرِ الهَمزةِ وبِالزَّاي، ومَعناه جَوازًا وعُبورًا)
[4076] يُنظر: ((شرح مسلم)) (3/ 227). .
وعن أبي هُريرةَ وحُذَيفةَ بنِ اليَمانِ رَضِيَ الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((ونَبِيُّكم قائِمٌ على الصِّراطِ يَقولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ)) [4077] أخرجه مسلم (195). .
قال ابنُ عَلَّان: (
((ونَبيُّكم)) لكَمالِ شَفقَتِه ومَزيدِ عِنايَتِه بنا مَعْشَرَ أمَّتِه
((قائِمٌ على الصِّراطِ)) لتَنجوَ به أمَّتُه من المَخاوِفِ وتُصرَفَ به عنها أنواعُ المَكارِه والمَتالِفِ
((يَقولُ)) لِما في المُرورِ على الصِّراطِ من الأحوالِ وزلِّ بَعضِ الأقدامِ، وهو حالٌ بناءً على مَجيئِه من المُبتَدَأِ، وهو ما عليه
سَيبويه، أو خَبَرٌ بالجُملةِ بَعدَ الخَبَرِ بالمُفرَدِ، ويَجوزُ أن يَكونَ استِئنافًا بَيانيًّا جَوابًا لسُؤالٍ تَقديرُه: ما يَكونُ منه حالَ قيامِه يومَئِذٍ؟ فأجيبَ بقَولِه: يَقولُ:
((رَبِّ)) حُذِفَ حَرفُ النِّداءِ؛ لأنَّ المَقامَ لعِظَمِ هولِه مَقامُ الإيجازِ. وفي رِوايةٍ ل
مُسلِمٍ في حَديثٍ آخَرَ في المَعنى
((ودَعوى الرُّسُلِ يومَئِذٍ اللَّهمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ))، ولَعَلَّه تارَةً يَقولُ: رَبِّ، وتارةً يَقولُ: اللهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. وفي نُسخةٍ: رَبِّ سَلِّمْ بإعادةِ لَفظِ رَبِّ... وسَلِّمْ بفَتحِ أوَّلِه المُهمَلِ وتَشديدِ اللامِ المكسورةِ)
[4078] يُنظر: ((دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين)) (2/ 502). .
وقال المظهريُّ: (قَولُه:
((اللهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ))،
((سَلِّمْ)): أمرٌ مُخاطَبٌ مِن التَّسليمِ، وهو جَعلُ الشَّخصِ سالِمًا من الآفةِ، و
((سَلِّمْ)) الثَّاني: تَأكيدُ الأوَّلِ، يَعني: اللهمَّ اجعَلْ أمَّتي سالِمينَ من ضَرَرِ الصِّراطِ والوُقوعِ في النَّارِ)
[4079] يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (5/ 514). .
وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((ودَعوى الرُّسُلِ يومَئِذٍ: اللهمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ)) [4080] أخرجه البخاري (7437)، ومسلم (182) مطولًا. .
قال
النَّوَويُّ: (هذا من كمالِ شَفقَتِهم ورَحمَتِهم للخَلقِ، وفيه أنَّ الدَّعَواتِ تَكونُ بحَسَبِ المُواطِنِ، فيُدعى في كُلِّ مَوطِنٍ بما يَليقُ به. واللهُ أعلَمُ)
[4081] يُنظر: ((شرح مسلم)) (3/ 20). .