المَبحَثُ الخامِسُ: كَثرةُ أهلِ النَّارِ
قال اللهُ تعالى:
وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف: 103] .
قال
السَّعْديُّ: (يَقُولُ تعالى لِنَبيه مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ على إيمانِهم
بِمُؤْمِنِينَ فإنَّ مَدارِكَهم ومَقاصِدَهم قَد أصبَحَت فاسِدةً، فلا يَنفَعُهم حِرصُ النَّاصِحينَ عليهم ولَو عُدِمَتِ المَوانِعُ، بأن كانُوا يُعَلِمُونَهم ويَدعُونَهم إلى ما فيه الخيرُ لَهم، ودَفْعُ الشَّرِّ عَنهم، مِن غيرِ أجرٍ ولا عِوَضٍ، ولَو أقامُوا لَهم مِنَ الشَّواهدِ والآياتِ الدَّالَّاتِ على صِدْقِهم ما أقامُوا)
[5143] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 406). .
وقال
ابنُ باز: (مَن آمَنَ باللهِ ورُسُلِه مِن هذه الأُمَّةِ ومِن بني إسرائيلَ مِنَ اليَهودِ والنَّصارى ومِن غيرِهم مِنَ الأُمَمِ كُلِّهم إلى الجَنَّةِ، كُلُّ مَن تابعَ الرُّسُلَ مِن أوَّلِهم إلى آخِرِهم، فهو إلى الجَنَّةِ، ومَن عَصاهم وخالَفَهم فهو إلى النَّارِ، ولا شَكَّ أنَّ أكثَرَ الخَلقِ إلى النَّارِ، والأقَلَّ مِنهم إلى الجَنَّةِ، كَما قال جَلَّ وعلا:
وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ، وقال جَلَّ وعلا:
وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [5144] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (28/ 43). . وقال اللهُ سُبحانَه ل
إبليسَ:
لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ [ص: 85] .
قال
السَّعْديُّ: (هذا قَسَمٌ مِنه تعالى أنَّ النَّارَ دارَ العُصاةِ لا بُدَّ أن يَملَأها مِن
إبليسَ وأتباعِه مِنَ
الجِنِّ والإنسِ)
[5145] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 285). .
وعَن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((يَقُولُ اللهُ تعالى: يا آدَمُ، فيَقُولُ: لَبَّيكَ وسَعْدَيكَ، والخيرُ في يَديكَ، فيَقُولُ: أَخرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قال: وما بَعثُ النَّارِ؟ قال: مِن كُلِّ ألفٍ تِسعَمِئةٍ وتِسعةً وتِسعينَ، فعِندَه يَشيبُ الصَّغيرُ، وتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَملٍ حَمْلَها، وتَرى النَّاسَ سُكارى وما هم بسُكارى، ولَكِنَّ عَذابَ اللهِ شَديدٌ )). قالُوا: يا رَسولَ اللهِ، وأيُّنا ذَلِكَ الواحِدُ؟ قال:
((أبشِرُوا؛ فإنَّ مِنكم رَجُلًا، ومَن يَأجُوجَ ومَأجُوجَ ألفًا. ثُمَّ قال: والَّذي نَفسي بيَدِه، إنِّي أرجُو أن تَكُونُوا رُبعَ أهلِ الجَنَّةِ ))، فكَبَّرْنا، فقال:
((أرجُو أن تَكُونُوا ثُلُثَ أهلِ الجَنَّةِ))، فكَبَّرْنا، فقال:
((أرجُو أن تَكُونُوا نِصفَ أهلِ الجَنَّةِ))، فكَبَّرْنا
[5146] أخرجه مطولًا البخاري (3348) واللَّفظُ له، ومسلم (222). .
قال
ابنُ باز: (هذا مِصْداقٌ لِقَولِه تعالى:
وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف: 103] )
[5147] يُنظر: ((الحلل الإبريزية)) (3/ 66). .
قال
ابنُ عُثيمين: (إنَّ أكثَرَ عِبادِ اللهِ لا يُنَفِّذُ أمرَ اللهِ؛ لِقَولِه تعالى:
فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ، وهذا أمرٌ يَشهَدُ به الحالُ. قال اللهُ تعالى:
وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ [سَبَأ: 13] ؛ وقال تعالى:
وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام: 116] ، وثَبَتَ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ بَعْثَ النَّارِ مِن بني آدَمَ تِسعُمِائةٍ وتِسعةٌ وتِسعُونَ مِنَ الألفِ؛ فالطَّائِعُ قَليلٌ، والمُعانِدُ كَثيرٌ)
[5148] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/ 223). .
قال
ابنُ رَجَبٍ: (هذه الأحاديثُ وما في مَعناها تَدُلُّ على أنَّ أكثَرَ بني آدَم مِن أهلِ النَّارِ، وتَدُلُّ أيضًا على أنَّ أتباعَ الرُّسُلِ قَليلٌ بالنِّسبةِ إلى غيرِهم، وغيرُ أتباعِ الرُّسُلِ كُلُّهم في النَّارِ إلَّا مَنْ لَم تَبلُغْه الدَّعوةُ أو لَم يَتَمَكَّن مِن فَهْمِها على ما جاءَ فيه مِنَ الِاختِلافِ، والمُنتَسِبُونَ إلى أتباعِ الرُّسُلِ كَثيرٌ مِنهم مَن تَمَسَّكَ بدينٍ مَنسُوخٍ، وكِتابٍ مُبَدَّلٍ، وهم أيضًا مِن أهلِ النَّارِ كَما قال تعالى:
وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [هود: 17] . وأمَّا المُنتَسِبُونَ إلى الكِتابِ المُحكَمِ والشَّريعةِ المُؤيَّدةِ والدِّينِ الحَقِّ فكَثيرٌ مِنهم مِن أهلِ النَّارِ أيضًا، وهمُ المُنافِقُونَ الَّذينَ هم في الدَّرْكِ الأسفَلِ مِنَ النَّارِ، وأمَّا المُنتَسِبُونَ إليه ظاهرًا وباطِنًا فكَثيرٌ مِنهم فُتِنَ بالشُّبُهاتِ، وهم أهلُ البِدَعِ والضَّلالِ، وقَد ورَدتِ الأحاديثُ على أنَّ هذه الأمَّةَ سَتَفتَرِقُ على بضعٍ وسَبعينَ فِرقةً كُلُّها في النَّارِ إلَّا فِرْقةً واحِدةً، وكَثيرٌ مِنها أيضًا فُتِن بالشَّهواتِ المُحَرَّمةِ المُتَوعَّدِ عليها بالنَّارِ وإن لَم يَقتَضِ ذَلِكَ الخُلُودَ فيها، فلَم يَنْجُ مِنَ الوعيدِ بالنَّارِ، ولَم يَستَحِقَّ الوَعْدَ المُطلَقَ بالجَنَّةِ مِن هذه الأُمَّةِ إلَّا فرقةٌ واحِدةٌ، وهو ما كانَ على ما كانَ عليه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّم وأصحابُه ظاهرًا وباطِنًا، وسَلِمَ مِن فتنةِ الشَّهَواتِ والشُّبُهاتِ، وهَؤُلاءِ قَليلٌ جِدًّا لا سيَّما في الأزمانِ المُتَأخِّرةِ)
[5149] يُنظر: ((التخويف من النار)) (ص: 265). .
وقال السَّفارينيُّ: (يَدخُلُ النَّارَ مِن ذَرِّيَّةِ آدَمَ خَلقٌ أكثَرُ مِنَ الجَنَّةِ، والَّذينَ يَدخُلُونَ النَّارَ مِن أمَّةِ مُحَمَّدٍ أكثَرُ مِنَ الَّذينَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ مِنهم باعتِبارِ الدُّخُولِ الأوَّلِ)
[5150] يُنظر: ((البحور الزاخرة)) (3/ 1479). .
وأكثَرُ مَن يَدخُلُ النَّارَ النِّساءُ.عَن
عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في خُطبةِ الكُسُوفِ:
((وأُريتُ النَّارَ، فلَم أرَ مَنظَرًا كاليَومِ قَطُّ أفظَعَ، ورَأيتُ أكثَرَ أهلِها النِّساءَ، قالُوا: بمَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قال: بكُفْرِهنَّ، قيلَ: يَكْفُرْنَ باللهِ؟ قال: يَكْفُرْنَ العَشيرَ، ويَكْفُرْنَ الإحسانَ، لَو أحسَنْتَ إلى إحداهُنَّ الدَّهرَ كُلَّه، ثُمَّ رَأَتْ مِنكَ شيئًا، قالت: ما رَأيتُ مِنكَ خيرًا قَطُّ )) [5151] أخرجه مطولًا البخاري (1052) واللَّفظُ له، ومسلم (907). .
قال ابنُ بطالٍ: (بيَّنَ لَهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه أرادَ كُفْرَهنَّ حَقَّ أزواجِهنَّ، وذَلِكَ لا مَحالةَ يَنقُصُ مِن إيمانِهم، ودَلَّ ذَلِكَ أنَّ إيمانَهنَّ يَزيدُ بشُكرِهنَّ العَشيرَ وبأفعالِ البِرِّ كُلِّها)
[5152] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) (1/ 89). .
وقال أبُو العَبَّاس القُرطُبيُّ في تَعريفِ الكُفْرِ شَرعًا: (هو جَحدُ المَعلُومِ مِنه ضَرُورةً شَرعيَّةً، وهذا هو الَّذي جَرى به العُرْفُ الشَّرعيُّ، وقَد جاءَ فيه الكُفْرُ بمَعنى جَحدِ المُنعِمِ، وتَرْكِ الشُّكرِ على النِّعَمِ، وتَرْكِ القيامِ بالحُقُوقِ؛ ومِنه قَولُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لِلنِّساءِ: يَكْفُرْنَ الإحسانَ، ويَكْفُرْنَ العَشيرَ، أي: يَجْحَدْنَ حُقُوقَ الأزواجِ وإحسانَهم؛ ومِن هاهنا صَحَّ أن يُقاَل: كُفرٌ دُونَ كُفرٍ، وظُلمٌ دُونَ ظُلمٍ)
[5153] يُنظر: ((المفهم)) (1/ 253). .
وقال المظهَريُّ: (
((تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ)) وأصلُ اللَّعنِ: الإبعادُ مِنَ الخيرِ، ويُستَعمَلُ في الشَّتمِ والكَلامِ القَبيحِ لِأحَدٍ، يَعني: عادَتُكُنَّ كَثرةُ الشَّتمِ وإيذاءُ النَّاسِ باللِّسانِ. قَولُه:
((وتَكْفُرْنَ العَشيرَ))، كَفر يَكفرُ كُفرانًا: إذا جَحَدَ وأنكَرَ النِّعمةَ وتَرَكَ أداءَ شُكْرِها.
((العَشيرُ)): المُعاشِرُ، وهو المَخالِطُ، والعِشْرةُ: اسمٌ مِنَ المُعاشَرةِ، وهي المُخالَطةُ، والمُرادُ بـ
((العَشيرِ)) هنا: الزَّوجُ، يَعني: تَكفُرْنَ حَقَّ أزواجِكُنَّ ولا تُؤَدِّينَ حَقَّ إنعامِهم عَليكُنَّ، ومَن لَم يَشْكُرِ النَّاسَ لَم يَشْكُرِ اللهَ، ومَن لَم يَشكُرِ اللهَ تعالى يَستَحِقُّ العَذابَ)
[5154] يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (1/ 100). .
وقال
ابنُ باز: (يَعني: جَحَدَت إحسانَه، فيُريدُ بكُفرانِ العَشيرِ عَدَمَ القيامِ بحَقِّ الزَّوجِ، وكَثرةَ السَّبِّ والشَّتمِ، وأنَّ هذا مِن أسبابِ النَّارِ، ومِن أسبابِ دُخُولِ النَّارِ، وأنَّ الصَّدَقةَ والِاستِقامةَ مِن أسبابِ الوِقايةِ مِنَ النَّارِ، فيَنبَغي الإكثارُ مِنَ الصَّدَقةِ والِاستِغفارِ والأعمالِ الصَّالِحةِ؛ لِأنَّها مِن أسبابِ الوِقايةِ مِن عَذابِ اللَّهِ)
[5155] يُنظر: ((الإفهام)) (ص: 315). .
وعَن
عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((يا مَعْشرَ النِّساءِ، تَصَدَّقْنَ وأكثِرْنَ الِاستِغفارَ، فإنِّي رَأيتُكُنَّ أكثَرَ أهلِ النَّارِ، فقالتِ امرَأةٌ مِنهنَّ جَزْلةٌ [5156] قال أبو العباسِ القُرطبيُّ: (الجزالةُ: الشَّهامةُ والجِدَّة مع العَقلِ والرِّفقِ، قال ابنُ دُرَيد: الجزالةُ: الوَقارُ والعَقلُ، وأصلُ الجزالةِ: العِظَمُ مِن كُلِّ شَيءٍ، ومنه: عطاءٌ جَزْلٌ) ((المفهم)) (1/ 269). : وما لَنا يا رَسولَ اللهِ، أكثَرَ أهلِ النَّارِ؟ قال: تُكْثِرْنَ اللَّعنَ، وتَكْفُرْنَ العَشيرَ )) [5157] أخرجه مسلم (79) مطولًا. .
قال أبُو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (هذا نِداءٌ لِجَميعِ نِساءِ العالَمِ إلى يَومِ القيامةِ، وإرشادٌ لَهنَّ إلى ما سيُخَلِّصُهن مِنَ النَّارِ، وهو الصَّدَقةُ مُطلَقًا؛ واجِبُها وتَطَوُّعُها... وقَولُه:
((رَأيتُكُنَّ أكثَرَ أهلِ النَّارِ)) أي: اطَّلَع على نِساءٍ آدَميَّاتٍ مِن نَوعِ المُخاطَباتِ، لا أنفُسِ المُخاطَباتِ، كَما قال في الرِّوايةِ الأُخرى: اطَّلَعتُ على النَّارِ، فرَأيتُ أكثَرَ أهلِها النِّساءَ. فلَمَّا سَمِعَ النِّساءُ ذَلِكَ عَلِمْنَ أنَّ ذَلِكَ كانَ لِسَبَبِ ذَنْبٍ سَبَقَ لَهنَّ، فبادَرت هذه المَرأةُ لِجَزالَتِها وشِدَّةِ حِرصِها على ما يُخَلِّصُ مِن هذا الأمرِ العَظيمِ، فسَألَتْ عَن ذَلِكَ، فقالت: وما لَنا أكثَرَ أهلِ النَّارِ؟ فأجابَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: تُكْثِرْنَ اللَّعنَ، وتَكْفُرْنَ العَشيرَ، أي: يَدُورُ اللَّعنُ على ألسِنتِهنَّ كَثيرًا لِمَن لا يَجُوزُ لَعْنُه، وكانَ ذَلِكَ عادةً جاريةً في نِساءِ العَرَبِ، كَما قَد غَلَبَت بَعدَ ذَلِكَ على النِّساءِ والرِّجالِ، حَتَّى إنَّهم إذا استَحسَنُوا شيئًا رُبَّما لَعَنُوه، فيَقُولُونَ: ما أشعَرَه! لَعَنه اللَّهُ!)
[5158] يُنظر: ((المفهم)) (1/ 268). .
قال
ابنُ كَثيرٍ: (فأمَّا الحَديثُ الَّذي أخرجه
مُسلِمٌ في صَحيحِه: حَدَّثَني عَمرٌو النَّاقِدُ، ويَعقُوبُ بنُ إبراهيمَ الدَّورَقيُّ جَميعًا، عَنِ ابنِ عُلَيَّةَ، واللَّفظُ ليَعقُوبَ، قال: حَدَّثنا ابنُ عُليَّةَ، حَدَّثنا أيُّوبُ عَن مُحَمَّدٍ قال: إمَّا تَفاخَرُوا وإمَّا تَذاكَرُوا: الرَّجالُ أكثَرُ في الجَنَّةِ أمِ النِّساءُ؟ فقال أبُو هُرَيرةَ: أَولَم يَقُلْ أبُو القاسِمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنَّ أوَّلَ زُمْرةٍ تَدخُلُ الجَنَّةَ على صُورةِ القَمَرِ ليلةَ البَدْرِ، والَّتي تَليها على أضوَأِ كَوكَبٍ دُرِّيٍّ في السَّماءِ، لِكُلِّ امرِئَ مِنهم زَوجَتانِ اثنَتانِ، يُرى مُخُّ سُوقِهما مِن وراءِ اللَّحمِ ))، وما في الجَنَّةِ أعزَبُ؟
[5159] أخرجه مسلم (2743). . وفي الصَّحيحينِ مِن رِوايةِ همامٍ عَن أبي هُرَيرةَ نَحوُه
[5160] لفظ الحديث: عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أوَّلُ زُمرةٍ تَلِجُ الجنَّةَ صورتُهم على صورةِ القَمَرِ ليلةَ البَدْرِ، لا يبصُقون فيها، ولا يمتَخِطون، ولا يتغوَّطون، آنيتُهم فيها الذَّهَبُ، أمشاطُهم من الذَّهَبِ والفِضَّة، ومجامِرُهم الألوةُ، ورَشْحُهم المِسْكُ، ولكُلِّ واحدٍ منهم زوجتان، يُرى مخُّ سُوقِهما من وراء اللَّحمِ؛ مِنَ الحُسنِ، لا اختلافَ بينهم ولا تباغُضَ، قلوبُهم قلبٌ واحِدٌ، يُسَبِّحون اللهَ بُكرةً وعَشِيًّا)). أخرجه البخاري (3245) واللفظ له، ومسلم (2834). ، فالمُرادُ مِن هذا أنَّ هاتينِ مِن بَناتِ آدَمَ، ولَه غيرُهما مِنَ
الحُورِ العِينِ ما شاءَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ... وهذه الأحاديثُ لا تُعارِضُ ما ثَبَتَ في الصَّحيحينِ:
((واطَّلَعْتُ في النَّارِ فرَأيتُ أكثَرَ أهلِها النِّساءَ))؛ إذ قَد يَكُنَّ أكثَرَ أهلِ الجَنَّةِ، وأكثَرَ أهلِ النَّارِ، أو قَد يَكُنَّ أكثَرَ أهلِ النَّارِ ثُمَّ يَخرُجُ مَن يَخرُجُ مِنهنَّ مِنَ النَّارِ بالشَّفاعاتِ، فيَصِرْنَ إلى الجَنَّةِ، حَتَّى يَكُنَّ أكثَرَ أهلِها. واللهُ أعلَمُ)
[5161] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (20/ 340). .
قال
ابنُ رَجَبٍ: (فأمَّا عُصاةُ المُوحِّدينَ فأكثَرُ مَن يَدخُلُ النَّارَ مِنهمُ النِّساءَ... وفي صَحيحِ
مُسلِمٍ عَن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إنَّ أقَلَّ ساكِنيِ الجَنَّةِ النِّساءُ)) [5162] أخرجه مسلم (2738). وأخرجه البخاري (3241) بلفظ: (( ... واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء)) [5163] يُنظر: ((مجموع رسائل ابن رجب)) (4/ 372-375). .
وقال
ابنُ باز: (أكثَرُ أهلِ الجَنَّةِ النِّساءُ مِن نِساءِ الدُّنيا والحُورِ، وأكثَرُ أهلِ النَّارِ النِّساءُ مِن نِساءِ أهلِ الدُّنيا، وأقَلُّ أهلِ الجَنَّةِ مَن لَه زَوجَتانِ، والزِّيادةُ على حَسَبِ فَضلِ اللَّهِ)
[5164] يُنظر: ((الحلل الإبريزية)) (4/ 271). .