المَطْلَبُ الثَّالِثُ: لِباسُ أهلِ النَّارِ
تُفَصَّلُ لِأهلِ النَّارِ حُلَلٌ مِنَ النَّارِ.
قال اللهُ تعالى:
فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ [الحج: 19] .
وكانَ إبراهيمُ التَّيمي إذا تَلا هذه الآيةَ يَقُولُ: سُبحانَ مَن قَطَّعٍ مِنَ النَّارِ ثيابًا!
[5191] يُنظر: ((تفسير ابن أبي حاتم)) (8/ 2481). ويُنظر: ((التخويف من النار)) لابن رجب (ص: 160). .
قال
السَّمعانيُّ : (قَولُه:
فالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ أي: نُحاسٍ مُذابٍ، ويُقالُ: سَمَّى النَّارَ الَّتي يُعَذَّبُونَ بها لِباسًا؛ لِأنَّها تُحيطُ بهم كَإحاطةِ اللِّباسِ، وقال بَعضُهم: يَلبَسُ أهلُ النَّارِ مُقَطَّعاتٍ مِنَ النَّارِ، وهذا أَولى الأقاويلِ)
[5192] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (3/ 429). .
وقال
البيضاويُّ : (
قُطِّعَتْ لَهُمْ قُدِّرَتْ لَهم على مَقاديرِ جُثَثِهم، وقُرِئَ بالتَّخفيفِ.
ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ نيرانٍ تُحيطُ بهم إحاطةَ الثِّيابِ)
[5193] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/ 68). .
وقال اللهُ سُبحانَه:
وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُمْ مِّنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ [إبراهيم: 48- 49] .
قال
ابنُ كَثيرٍ : (قَولُه:
سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ أي: ثيابُهمُ الَّتي يَلبَسُونَها عليهم مِن قَطِرانٍ، وهو الَّذي تُهْنَأُ به الإبلُ، أي: تُطلَى، قاله قَتادةٌ. وهو ألصَقُ شيءٍ بالنَّارِ... وكانَ
ابنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: القَطِرانُ هو: النُّحاسُ المُذابُ، ورُبَّما قَرَأها: «سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قِطْرٍ آنٍ» أي: مِن نُحاسٍ حارٍّ قَدِ انتَهى حَرُّه. وكَذا رُويَ عَن مُجاهِدٍ، وعِكرِمةَ، وسَعيدِ بنِ جُبَيرٍ، والحَسَنِ، وقَتادةَ)
[5194] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/ 522). .
وقال
السَّعْديُّ : (
سَرَابِيلُهُمْ أي: ثيابُهم
مِنْ قَطِرانٍ وذَلِكَ لِشِدَّةِ اشتِعالِ النَّارِ فيهم وحَرارَتِها ونَتْنِ ريحِها)
[5195] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 428). .
وعَن أبي مالِكٍ الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((النَّائِحةُ إذا لَم تَتُبْ قَبلَ مَوتِها، تُقامُ يَومَ القيامةِ وعليها سِربالٌ مِن قَطِرانٍ ودِرْعٌ مِن جَرَبٍ )) [5196] أخرجه مسلم (934) مطولًا. .
وفي لَفظٍ:
((النِّياحةُ مِن أمرِ الجاهليَّةِ، وإنَّ النَّائِحةَ إذا ماتَت ولَم تَتُبْ قَطَّعَ اللهُ لَها ثيابًا مِن قَطِرانٍ ودِرْعًا مِن لَهَبِ النَّارِ)) [5197] أخرجه ابن ماجه (1581)، والديلمي في ((الفردوس)) (6934). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1581)، وصحَّح إسنادَه البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (2/45). .
قال المظهريُّ: (
((النَّائِحةُ)) أي: المَرأةُ الَّتي تَعُدُّ خِصالَ الميِّتِ لِتُوقِعَ أقرِباءَ الميِّتِ وغيرَهم في البُكاءِ. السِّرْبالُ: القَميصُ. القَطِرانُ: دُهنٌ يُدهَنُ به الجَمَلُ الأجرَبُ. الدِّرْعُ: قَميصُ النِّساءِ. يَعني: النَّائِحةُ تَلبَسُ في المُصيبةِ قَميصًا أسودَ لِلمُصيبةِ، وتَخدِشُ وجهَها، وتَخدِشُ أيضًا قُلُوبَ الحاضِرينَ بما تَعُدُّ مِن خِصالِ الميِّتِ، فيُجازيها اللهُ تعالى يَومَ القيامةِ بأن يُلبِسَها لِباسًا مِن قَطِرانٍ، ولِباسًا مِن جَرَبٍ. ولِباسُ القَطِرانِ يَكُونُ أسودَ، ويَسرُعُ اشتِعالُ النَّارِ فيه)
[5198] يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (2/ 459). .
وقال
ابنُ عُثيمين : (النِّياحةُ تَشمَلُ ما إذا كانَت مِن رَجُلٍ أوِ امرَأةٍ، لَكِنَّ الغالِبَ وُقُوعُها مِنَ النِّساءِ؛ ولِهذا قال: «النَّائِحةُ إذا لَم تَتُبْ قَبلَ مَوتِها» أي: إن تابتَ قَبلَ المَوتِ تابَ اللهُ عليها، وظاهِرُ الحَديثِ أنَّ هذا الذَّنْبَ لا تُكَفِّرُه إلَّا التَّوبةُ، وأنَّ الحَسَناتِ لا تَمحُوه؛ لِأنَّه مِن كَبائِرِ الذَّنُوبِ، والكَبائِرُ لا تُمحى بالحَسَناتِ، فلا يَمحُوها إلَّا التَّوبةُ. قَولُه:
((تُقامُ يَومَ القيامةِ وعليها سِربالٌ مِن قَطِرانٍ)) أي: تُقامُ مِن قَبرِها، والسِّربالُ: الثَّوبُ السَّابغُ كالدِّرعِ، والقَطِرانُ مَعرُوفٌ، ويُسَمَّى الزِّفْتَ، وقيلَ: إنَّه النُّحاسُ المُذابُ.
قَولُه:
((ودِرعٌ مِن جَرَبٍ)) : الجَرَبُ: مَرَضٌ مَعرُوفٌ يَكُونُ في الجِلدِ، يُؤَرِّقُ الإنسانَ، ورُبَّما يَقتُلُ الحيَوانَ، والمَعنى: أنَّ كُلَّ جِلدِها يَكُونُ جَرَبًا بمَنزِلةِ الدِّرعِ، وإذا اجتَمَعَ قَطِرانٌ وجَربٌ زادَ البلاءُ؛ لِأنَّ الجَرَبَ أيُّ شيءٍ يَمَسُّه يَتَأثَّرُ به، فكيفَ ومَعَه قَطِرانٌ؟!
والحِكمةُ أنَّها لَمَّا لَم تُغَطِّ المُصيبةَ بالصَّبرِ غُطِّيَت بهذا الغِطاءِ؛ سِربالٍ مِن قَطِرانٍ ودِرعٍ مِن جَرَبٍ، فكانَتِ العُقُوبةُ مِن جِنسِ العَمَلِ)
[5199] يُنظر: ((القول المفيد)) (2/ 25). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش