المَطلَب الثَّالثُ: التجَسُّسُ لصالِحِ الكُفَّارِ
قال اللهُ تعالى:
لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران: 28] .
قال
ابنُ جريرٍ: (هذا نهيٌ من اللهِ عَزَّ وجَلَّ المؤمنين أن يتَّخِذوا الكُفَّارَ أعوانًا وأنصارًا وظُهورًا؛ ولذلك كُسِرَ
يتَّخِذ لأنَّه في موضِعِ جَزمٍ بالنَّهيِ، ولكِنَّه كُسِرَ الذَّالُ منه للسَّاكِنِ الذي لَقشيَه وهي ساكنةٌ، ومعنى ذلك: لا تتَّخِذوا -أيُّها المؤمِنون- الكُفَّارَ ظَهرًا وأنصارًا، تُوالونَهم على دينِهم، وتظاهِرونَهم على المُسلِمين من دون المؤمنين، وتدُلُّونهم على عَوْراتِهم، فإنَّه من يفعَلْ ذلك فليس من اللهِ في شيءٍ، يعني بذلك: فقد بَرِئَ من اللهِ، وبَرِئَ اللهُ منه بارتدادِه عن دينِه، ودُخولِه في الكُفرِ)
[2937] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/315). .
وقال اللهُ سُبحانَه:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال: 27] .
قال
ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه للمؤمنين باللهِ ورسولِه من أصحابِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا أيُّها الذين صَدَّقوا اللهَ ورَسولَه
لَا تَخُونُوا اللهَ وخيانتُهم الله ورسولِه كانت بإظهارِ من أظهَرَ منهم لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والمؤمنين الإيمانَ في الظَّاهِرِ والنَّصيحةَ، وهو يَستَسِرُّ الكُفرَ والغِشَّ لهم في الباطِنِ، يَدُلُّون المُشرِكين على عَورتِهم، ويخبِرُونهم بما خَفِيَ عنهم من خَبَرِهم)
[2938] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/120). .
إنَّ من الأعمالِ المُحَرَّمةِ التي وقع خلافٌ في كُفرِ مُرتَكِبِها: التجَسُّسُ وكَشفُ السِّرِّ والدَّلالةُ على عوراتِ المُسلِمين لصالحِ الكُفَّارِ المحاربين.
فقال فريقٌ من العُلَماء: إنَّه كُفرٌ، ويُلحَق بالمظاهرة والموالاة المُكَفِّرة، وقال فريقٌ آخَرُ: إنَّه كبيرةٌ، وليس من المظاهَرة والمُوالاة المُكَفِّرة.
وسببُ الخِلافِ في ذلك الخِلافُ في حُكمِ فِعلِ حاطِبِ بنِ أبي بلتعةَ رَضِيَ اللهُ عنه عندما كشَفَ سِرَّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى المشركين، ولم يقُلْ أحدٌ من العُلَماءِ بكُفرِ حاطِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه
[2939] مَن قال: إنَّ الفِعلَ كُفرٌ، قال: إنَّ حاطِبًا لم يكفرْ لمانع التأويل، ومَن قال: إنه كبيرةٌ، فواضحٌ. .
فعن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: بعثني رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنا و
الزُّبَيرُ، والمقدادُ بنُ الأسوَدِ، قال:
((انطَلِقوا حتى تأتوا روضةَ خاخٍ؛ فإنَّ بها ظعينةً ومعها كتابٌ فخذوه منها ))، فانطلَقْنا تعادى بنا خيلُنا حتى انتَهَينا إلى الرَّوضةِ، فإذا نحن بالظَّعينةِ، فقُلْنا: أخرجي الكتابَ، فقالت: ما معي من كتابٍ، فقُلْنا: لتُخرِجِنَّ الكتابَ أو لنُلقِيَنَّ الثيابَ، فأخرجَتْه من عقاصِها، فأتينا به رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا فيه: مِن حاطِبِ بنِ أبي بلتعةَ إلى أناسٍ من المشركين مِن أهلِ مكَّةَ يخبِرُهم ببعضِ أمرِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((يا حاطِبُ، ما هذا؟ ))، قال: يا رَسولَ اللهِ، لا تعجَلْ عليَّ، إنِّي كنتُ امرَأً مُلصَقًا في قريشٍ، ولم أكُنْ من أنفُسِها، وكان من معك من المهاجرين لهم قراباتٌ بمكَّةَ يحمون بها أهليهم وأموالَهم، فأحببتُ إذْ فاتني ذلك من النَّسَبِ فيهم أن أتخِذَ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلتُ كُفرًا ولا ارتدادًا، ولا رضًا بالكُفرِ بعد الإسلامِ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لقد صدَقَكم))، قال عُمَرُ: يا رسولَ اللهِ، دَعْني أضرِبْ عُنُقَ هذا المنافِقِ، قال:
((إنَّه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعلَّ اللهَ أن يكونَ قد اطَّلع على أهلِ بَدرٍ فقال: اعمَلوا ما شئتمُ، فقد غفرتُ لكم )) [2940] أخرجه البخاري (3007) واللَّفظُ له، ومسلم (2494). .
وقد أورد
البخاريُّ في صحيحِه قِصَّةَ حاطِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه في كِتابِ استتابةِ المُرتَدِّين والمعاندين وقتالِهم، باب ما جاء في المتأوِّلين.
وهذه بعضُ أقوالِ العُلَماءِ في حُكمِ الجاسُوسِ:قال
القاضي أبو يوسُفَ: (سألتَ يا
أميرَ المؤمنين يعني
هارونَ الرَّشيدَ عن الجواسيسِ يوجَدون وهم من أهلِ الذِّمَّةِ أو أهلِ الحَربِ أو من المُسلِمين؛ فإن كانوا من أهلِ الحَربِ أو من أهلِ الذِّمَّةِ ممَّن يؤدِّي الجزيةَ من اليهودِ والنَّصارى والمجوسِ، فاضرِبْ أعناقَهم، وإن كانوا من أهلِ الإسلامِ مَعروفين فأوجِعْهم عُقوبةً، وأطِلْ حَبْسَهم حتى يُحدِثوا توبةً)
[2941] يُنظر: ((الخراج)) (ص: 207). .
وقال
مُحمَّدُ بنُ الحَسَنِ الشيباني: (إذا وجد المُسلِمون رجلًا ممن يدَّعي الإسلامَ عَينًا للمُشرِكين على المُسلِمين يكتُبُ إليهم بعوراتِهم، فأقَرَّ بذلك طوعًا؛ فإنَّه لا يُقتَلُ، ولكِنَّ الإمامَ يُوجِعُه عُقوبةً)
[2942] يُنظر: ((شرح السير الكبير)) للسرخسي (ص: 2040). .
وسُئِلَ
الشَّافعي: (أرأيتَ المُسلِمَ يكتُبُ إلى المُشرِكين من أهلِ الحَربِ بأنَّ المُسلِمين يريدون غَزْوَهم، أو بالعَورةِ من عوراتِهم، هل يُحِلُّ ذلك دَمَه ويكونُ في ذلك دلالةٌ على ممالأةِ المشركين؟ قال
الشافعيُّ رحمه الله تعالى: لا يحِلُّ دَمُ من ثبتت له حُرمةُ الإسلامِ إلَّا أن يَقتُلَ، أو يزنيَ بعد إحصانٍ، أو يَكفُرَ كُفرًا بَيِّنًا بعد إيمانٍ، ثم يَثبُتَ على الكُفرِ، وليس الدَّلالةُ على عورةِ مُسلِمٍ، ولا تأييدُ كافرٍ بأن يُحذَّرَ أنَّ المُسلِمين يريدون منه غِرَّةً لِيَحذَرَها، أو يتقَدَّم في نكايةِ المُسلِمين- بكُفرٍ بَيِّنٍ)
[2943] يُنظر: ((الأم)) (5/609). .
وقال
الجصَّاص: (ظاهِرُ ما فعله حاطِبٌ لا يوجِبُ
الرِّدَّةَ؛ وذلك لأنَّه ظَنَّ أنَّ ذلك جائزٌ له؛ ليدفَعَ به عن وَلَدِه ومالِه، كما يدفَعُ عن نَفْسِه بمثله عند التَّقِيَّةِ، ويستبيحُ إظهارَ كَلِمةِ الكُفرِ، ومِثلُ هذا الظَّنِّ إذا صدر عنه الكِتابُ الذي كتَبَه، فإنَّه لا يوجِبُ الإكفارَ، ولو كان ذلك يوجِبُ الإكفارَ لاستتابه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا لم يستَتِبْه وصَدَّقَه على ما قال، عُلِمَ أنَّه ما كان مُرتَدًّا. وإنَّما قال عُمَرُ: ائذَنْ لي فأضرِبَ عُنُقَه؛ لأنَّه ظَنَّ أنَّه فِعْلَه عن غيرِ تأويلٍ،... وفي هذه الآيةِ دَلالةٌ على أنَّ الخوفَ على المالِ والوَلَدِ لا يُبيحُ التقِيَّةَ في إظهارِ الكُفرِ، وأنَّه لا يكونُ بمنزلةِ الخَوفِ على نَفْسِه؛ لأنَّ اللهَ نهى المؤمنين عن مِثلِ ما فعل حاطِبٌ مع خَوفِه على أهلِه ومالِه)
[2944] يُنظر: ((أحكام القرآن)) (3/582). .
وقال
أبو يعلى: (في هذه القِصَّةِ دَلالةٌ على أنَّ الخوفَ على المالِ والوَلَدِ لا يُبيحُ التقِيَّةَ في إظهارِ الكُفرِ، كما يُبيحُ في الخَوفِ على النَّفسِ، ويُبَيِّنُ ذلك أنَّ اللهَ تعالى فرَضَ الهِجرةَ، ولم يَعذِرْهم في التخَلُّفِ؛ لأجْلِ أموالهم وأولادِهم. وإنَّما ظَنَّ حاطِبٌ أنَّ ذلك يجوزُ له ليدفَعَ به عن وَلَدِه، كما يجوزُ له أن يدفَعَ عن نَفْسِه بمِثلِ ذلك عند التقِيَّةِ، وإنَّما قال عُمَرُ: دَعْني أضرِبْ عُنُقَ هذا المُنافِقِ؛ لأنَّه ظَنَّ أنَّه فعل ذلك عن غيرِ تأويلٍ)
[2945] يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (4/268). .
وقال
ابنُ حجر: (وقد نَقَل
الطَّحاويُّ الإجماعَ على أنَّ الجاسوسَ المُسلِمَ لا يُباحُ دَمُه، وقال الشافعيَّةُ والأكثَرُ: يُعَزَّرُ، وإن كان من أهلِ الهَيئاتِ يُعفى عنه، وكذا قال الأوزاعيُّ و
أبو حنيفةَ: يُوجَعُ عُقوبةً، ويُطالُ حَبْسُه)
[2946] يُنظر: ((فتح الباري)) (12/310). ونَقْلُ الإجماع غيرُ مُسلَّم؛ فالخِلافُ حاصِلٌ قبل الطحاوي. .
وقال
ابنُ تيميَّةَ: (وأمَّا المعَيَّنُ فقد يرتَفِعُ عنه الوَعيدُ؛ لتوبةٍ صَحيحةٍ، أو حَسَناتٍ ماحيةٍ، أو مصائِبَ مُكَفِّرةٍ، أو شفاعةٍ مَقبولةٍ، أو غيرِ ذلك من الأسبابِ التي ضَرَرُها يرفَعُ العقوبةَ عن المذنِبِ،... وكذلك حاطِبُ بنُ أبي بلتعةَ فَعَل ما فعل،... فهذه السَّيِّئةُ العظيمةُ غَفَرها اللهُ له بشُهودِ بَدرٍ؛ فدَلَّ ذلك على أنَّ الحَسَنةَ العظيمةَ يَغفِرُ اللهُ بها السَّيِّئةَ العظيمةَ،... والعبدُ إذا اجتمع له سيِّئاتٌ وحسَناتٌ فإنَّه وإنِ استحَقَّ العِقابَ على سيئاتِه، فإنَّ اللهَ يُثيبُه على حَسَناتِه، ولا يُحبِطُ حَسَناتِ المؤمِنِ لأجْلِ ما صدر منه)
[2947] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (35/67). .
وقال
ابنُ القيم في كلامِه عن الجاسوس المُسلِم وقِصَّةِ حاطبٍ: (قال
الشَّافعيُّ و
أبو حنيفةَ: لا يُقتَلُ. وهو ظاهِرُ مَذهَبِ
أحمدَ،... وفيها: أنَّ الكبيرةَ العظيمةَ ممَّا دون الشِّركِ قد تكفَّرُ بالحَسَنةِ الكبيرةِ الماحية، كما وقع الجَسُّ من حاطبٍ مُكَفِّرًا بشُهودِه بدرًا، فإنَّ ما اشتَمَلت عليه هذه الحسنةُ العظيمةُ من المصلحةِ وتضَمَّنَتْه من محبَّةِ اللهِ لها ورِضاه بها وفَرَحِه بها ومباهاتِه للملائكةِ بفاعِلِها: أعظَمُ مما اشتملت عليه سيئةُ الجَسِّ من المفسدةِ وتضَمَّنَتْه من بُغضِ اللهِ لها، فغَلَب الأقوى على الأضعَفِ، فأزاله وأبطَلَ مُقتضاه)
[2948] يُنظر: ((زاد المعاد)) (3/372). .
وقال الخرشي: (يجوزُ قَتْلُ الجاسوسِ، وهو مرادُه بالعينِ هنا، وهو الذي يطَّلِعُ على عَوراتِ المُسلِمين، وينقُلُ أخبارَهم للعَدُوِّ، فالجاسوسُ رَسولُ الشَّرِّ، ضِدُّ النَّاموسِ؛ فإنَّه رسولُ الخَيرِ،... والمشهورُ أنَّ المُسلِمَ إذا تَبَيَّن أنَّه عَينٌ للعَدُوِّ فإنَّه يكونُ حُكمُه حينئذٍ حُكمَ الزِّنديقِ أي: فيُقتَلُ إن ظهر عليه، ولا تُقبَلُ توبتُه، وهو قولُ ابنِ القاسِمِ وسحنون)
[2949] يُنظر: ((شرح مختصر خليل)) (3/119). .
وقال
ابنُ عاشور: (قال ابنُ القاسِمِ: ذلك زَندَقةٌ لا توبةَ فيه، أي: لا يُستتابُ، ويُقتَلُ كالزِّنديقِ، وهو الذي يُظهِرُ الإسلامَ ويُسِرُّ الكُفرَ، إذا اطُّلِع عليه، وقال ابنُ وهب: رِدَّةٌ ويُستتابُ)
[2950] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/219). .
وقال
ابنُ باز: (الظَّاهِرُ: الشُّبهةُ منعت من تكفيرِه وقَتْلِه؛ الشُّبهةُ كَونُه من أهلِ بَدرٍ، وكَونُه تأوَّلَ، فاجتمع له التأويلُ، والحديثُ الصَّحيحُ:
((اعمَلوا ما شِئتُم فقد غفَرْتُ لكم)) [2951] أخرجه البخاري (3007)، ومسلم (2494) مطولًا من حَديثِ علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فصار شبهةً في قَتْلِه وكُفرِه جميعًا، وإلَّا لا شك أنَّ التجَسُّسَ تولٍّ للمشركين، رِدَّةٌ يوجِبُ القَتْلَ)
[2952] يُنظر: ((سبل السلام شرح نواقض الإسلام)) (ص: 218). .
وقال
ابنُ باز: (الأصلُ أنَّ الجاسوسَ يُقتَلُ، فمن تجَسَّس فقد يكونُ صالحًا متأَوِّلًا، فهذه زلَّةٌ تَشفَعُ له ولا يُقتَلُ)
[2953] يُنظر: ((الحلل الإبريزية)) (4/ 348). .
وقال
ابنُ عثيمين: (الجاسُوسُ وإن كان مُسلِمًا يجِبُ أن يُقتَلَ إذا تجَسَّس للعَدُوِّ، والدَّليلُ على ذلك أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا اطَّلع على الجاسوسِ الذي تجسَّس لقُرَيشٍ وهو حاطِبُ بنُ أبي بلتعةَ رَضِيَ اللهُ عنه وعَلِمَ به، استأذن أميرُ المؤمنين عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه أن يقتُلَه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((«إنَّه من أهلِ بَدرٍ، وما يدريك أنَّ اللهَ اطَّلع على أهلِ بَدرٍ، فقال: اعمَلوا ما شِئْتُم؛ فقد غَفَرْتُ لكم ))، فجعل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الجاسوسيَّةَ مُبيحةً للدَّمِ، لكِنْ وُجِد مانعٌ، وهو كونُه من أهلِ بَدرٍ، وهذه العِلَّةُ لا تُوجَدُ في عهدنا الآن، فإذا وُجِد إنسانٌ جاسوسٌ يَكتُبُ بأخبارنا إلى العَدُوِّ، أو ينقُلُها مُشافهةً، أو ينقُلُها عَبْرَ الأشرطةِ، فإنَّه يجِبُ أن يُقتَلَ حتى لو تاب؛ لأنَّ ذلك كالحَدِّ لدَفْعِ شَرِّه، ورَدْعِ أمثالِه عن ذلك)
[2954] يُنظر: ((الشرح الممتع)) (8/ 87). .
وقال أيضًا: (يجِبُ على وَليِّ الأمرِ إذا أدرك جاسوسًا يكتُبُ إلى أعدائِنا بأخبارنا أن يقتُلَه ولو كان مُسلِمًا؛ لأنَّه عاث في الأرضِ فَسادًا، فقَتْلُ الجاسوسِ ولو كان مُسلِمًا واجِبٌ على ولي الأمرِ؛ لعِظَمِ فَسادِه)
[2955] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) (2/ 72). .
وقال أيضًا: (الصَّحيحُ أنَّه يجوزُ قَتْلُ الجاسوسِ الذي ينقُلُ أخبارَ المُسلِمين إلى أعدائِهم، ولو كان مُسلِمًا؛ لأنَّ جريمتَه عظيمةٌ، وفِعْلَه هذا موالاةٌ للكُفَّارِ في الغالِبِ، ودليلُ ذلك قِصَّةُ حاطِبِ بنِ أبي بلتعةَ، فهي تدُلُّ على أنَّ قَتْلَ الجاسوسِ جائزٌ، وأنَّه لولا المانِعُ في قِصَّةِ حاطِبٍ لقَتَلَه، وأمَّا توبتُه فإنَّه إذا تاب، تاب اللهُ عليه، كغيرِ الجاسوسيَّةِ مِن الذُّنوبِ، ... ثم إن كانت توبتُه قبل أن يُقبَضَ عليه فإنَّها تمنَعُه من القَتلِ، وإذا رأى الأميرُ المصلحةَ في عَدَمِ قَتْلِه فلا يَقتُلْه؛ لأنَّ قَتْلَه من أجْلِ القَضاءِ على مَفسَدَتِه، فإذا كان في قَتْلِه مَفسَدةٌ أعظَمُ مِن إبقائِه، فلا يقتُلْه، فالمقصودُ حُصولُ المصالحِ ودَرءُ المفاسِدِ)
[2956] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (25/ 389). .