المبحثُ الثَّاني: تَعريفُ الإمامةِ اصطِلاحًا
عَرَّفَ العُلماءُ الإمامةَ في الاصطِلاحِ بعِدَّةِ تَعريفاتٍ مُتَقارِبةِ المَعاني.
ومن هذه التعريفاتِ:1- قال
الماوَرديُّ: (الإمامةُ مَوضوعةٌ لخِلافةِ النُّبُوَّةِ في حِراسةِ الدِّينِ وسياسةِ الدُّنيا)
[1206] يُنظر: ((الأحكام السلطانية)) (ص: 15). .
2- قال
أبو المَعالي الجُوينيُّ: (الإمامةُ رياسةٌ تامَّةٌ، وزَعامةٌ عامَّةٌ تَتَعَلَّقُ بالخاصَّةِ والعامَّةِ في مُهمَّاتِ الدِّين والدُّنيا)
[1207] يُنظر: ((غياث الأمم في التياث الظلم)) (ص: 22). .
3- قال ابنُ تَيمِيَّةَ: (الإمامُ هو الَّذي يُؤتَمُّ به، وذلك على وَجهَينِ:
أحَدُهما: أن يَرجِعَ إليه في العِلمِ والدِّينِ بحَيثُ يُطاعُ باختيارِ المُطيعِ؛ لكَونِه عالِمًا بأمرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ آمِرًا به، فيُطيعُه المُطيعُ لذلك، وإن كان عاجِزًا عن إلزامِه الطَّاعةَ.
والثَّاني: أن يَكونَ صاحِبَ يَدٍ وسَيفٍ، بحَيثُ يُطاعُ طَوعًا وكَرْهًا؛ لكَونِه قادِرًا على إلزامِ المُطيعِ بالطَّاعةِ.
وقَولُه تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء: 59] قد فُسِّر بالأمراءِ بذَويِ القُدرةِ كأُمراءِ الحَربِ، وفُسِّر بأهلِ العِلمِ والدِّينِ، وكِلاهما حَقٌّ)
[1208] يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) (4/106). .
4- قال
ابنُ خَلدون عنِ الإمامةِ هي: (خِلافةٌ عن صاحِبِ الشَّرعِ في حِراسةِ الدِّينِ وسياسةِ الدُّنيا به)
[1209] يُنظر: ((تاريخ ابن خلدون)) (1/239). .
5- قال
ابنُ المِبْرَدِ الحَنبَليُّ: (الإمامُ: ما يُؤتَمُّ به، تارةً في الصَّلاةِ: وهو إمامُ الصَّلاةِ، وتارةً يَكونُ في الفَصلِ بَينَ النَّاسِ: وهو الخَليفةُ، وتارةً في العِباداتِ والأحكامِ: وهو إمامُ الفِقهِ.
وسُمِّيَ بذلك لتَقدُّمِه على غَيرِه؛ فإنَّ إمامَ الصَّلاةِ يَتَقدَّمُهم، وإمامَ الحُكمِ يُقدَّمُ على غَيرِه في هذا الأمرِ، وإن لم يَكُنِ التقدُّمُ حَقيقةً، وإمامُ الفِقهِ يُقدَّمُ قَولُه على قَولِ غَيرِه)
[1210] يُنظر: ((الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي)) (2/201). .
6- قال
صِدِّيق حَسَن خان: (إنَّ حَقيقةَ الإمامةِ الشَّرعيَّةِ النَّظَرُ في مَصالِحِ الأمَّةِ لدِينِهم ودُنياهم)
[1211] يُنظر: ((إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة)) (ص: 18). .
7- قال
ابنُ عُثَيمين: (الخِلافةُ مَنصِبٌ كبيرٌ ومَسئوليَّةٌ عَظيمةٌ، وهيَ تولِّي تَدبيرِ أُمورِ المُسلِمينَ بحَيثُ يَكونُ هو المَسؤولَ الأوَّلَ في ذلك، وهيَ فَرْضُ كِفايةٍ؛ لأنَّ أمورَ النَّاسِ لا تَقومُ إلَّا بها)
[1212] يُنظر: ((شرح لمعة الاعتقاد)) (ص: 156). .
وقال أيضًا: (الإمامةُ نَوعانِ: إمامةٌ في الدِّينِ، وإمامةٌ في التدبيرِ والتنظيمِ.
فمن إمامةِ الدِّينِ الإمامةُ في الصَّلاةِ؛ فإنَّ الإمامَ في الصَّلاةِ إمامَتُه إمامةُ دينٍ، ومَعَ ذلك فلَهُ نَوعٌ من التدبيرِ، حَيثُ إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمرَ بمُتابَعَتِه، ونَهى عن سَبْقِه والتخَلُّفِ عنه، فهذا نَوعُ تَدبيرٍ؛ لأنَّه مَثَلًا إذا كبَّرَ كبَّرْنا، وإذا رَكَعَ رَكَعْنا، وإذا سَجَدَ سَجَدْنا. وهكَذا.
وأمَّا إمامةُ التدبيرِ فتَشمَلُ الإمامَ الأعظَمَ ومَن دُونَه، والإمامُ الأعظَمُ هو الَّذي لَهُ الكَلِمةُ العُليا في البِلادِ؛ كالمُلوكِ ورُؤَساءِ الجُمهوريَّاتِ وما أشبَهَ ذلك، ومَن دونَه كالوُزراءِ والأمراءِ وما أشبَه ذلك، والأمَّةُ الإسلاميَّةُ بشَرٌ كغَيرِها من البَشَرِ، والبَشَرُ كائِنٌ من الأحياءِ، وكُلُّ حَيٍّ فلا بُدَّ لَهُ من رَئيسٍ)
[1213] يُنظر: ((شرح العقيدة السفارينية)) (1ص: 663). .