المَطْلَبُ الثَّاني: تعريفُ العِبادةِ اصطِلاحًا
العِبادةُ في الاصطِلاحِ: اسمٌ جامِعٌ لكُلِّ ما يحِبُّه اللهُ ويَرْضاه مِنَ الأقوالِ والأعمالِ؛ الباطِنةِ والظَّاهِرةِ
[804] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (32/243)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (10/149)، ((مدارج السالكين)) لابن القيم (1/119 - 121). .
ومن هذا التَّعريفِ يتَّضِحُ أنَّ للعِبادةِ أربَعَ مَراتِبَ، هي: 1- قَولُ القَلبِ: وهو اعتِقادُ ما أخبَرَ اللهُ سُبحانَه به عن نَفْسِه وعن أسمائِه وصِفاتِه وأفعالِه، ومَلائِكتِه ولِقائِه، على لسانِ رُسُلِه عليهم السَّلامُ.
2- قَولُ اللِّسانِ: وهو الإخبارُ عنه بذلك، والدَّعوةُ إليه، والذَّبُّ عنه، وتَبيينُ بُطلانِ البِدَعِ المُخالِفةِ له، والقيامُ بذِكْرِه، وتبليغُ أوامِرِه.
3- عَمَلُ القَلْبِ: كالخَوفِ منه، والرَّجاءِ له، وإخلاصِ الدِّينِ له، وغَيرِ ذلك مِن أعمالِ القُلوبِ، والتي هي أفرَضُ مِن أعمالِ الجوارِحِ، ومُستَحَبُّها أحَبُّ إلى اللهِ مِن مُستَحَبِّها، وعَمَلُ الجَوارحِ بدُونِها إمَّا عديمُ المنفَعةِ أو قَليلُها.
4- عَمَلُ الجوارِحِ: كالصَّلاةِ والجِهادِ، والإحسانِ إلى الخَلْقِ
[805] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (10/149 - 155)، ((مدارج السالكين)) لابن القيم (1/119)، ((تطهير الاعتقاد)) للصنعاني (ص: 53 - 58). .
قال
محمَّدُ بنُ إبراهيمَ آل الشيخ : (العِبادةُ: مُشْتَقَّةٌ مِنَ التعَبُّدِ، وهو التذَلُّلُ والخُضوعُ. يُقالُ: طريقٌ مُعَبَّدٌ، أي: مُذَلَّلٌ قد وَطِئَتْه الأقدامُ، وسُمِّيَت وظائِفُ الشَّرعِ على المكَلَّفينَ عِباداتٍ؛ لأنَّهم يَفعَلونَها خاضِعينَ ذليلينَ.
وفي الشَّرعِ لها تعاريفُ عندَ العُلَماءِ؛ أحَدُها: ما عَرَّفَها به
شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ بقَولِه: العِبادةُ: اسمٌ جامِعٌ لكُلِّ ما يُحِبُّه اللهُ ويَرْضاه مِنَ الأقوالِ والأعمالِ؛ الظَّاهِرةِ والباطِنةِ.
ومنها ما عَرَّفه الفُقَهاءُ بقَولِهم: العِبادةُ: ما أُمِرَ به شَرعًا من غيرِ اطِّرادٍ عُرْفيٍّ، ولا اقتِضاءٍ عَقليٍّ)
[806] يُنظر: ((شرح كشف الشبهات)) (ص: 21). .
وقال
ابنُ باز : (الواجِبُ على جميعِ أهلِ الأرضِ مِنَ المكَلَّفينَ أن يَعبُدوا اللهَ وَحْدَه، وأن يقولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأن يَشهَدوا أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ، وأنْ يَخُصُّوا اللهَ بدُعائِهم وخَوْفِهم، ورَجائِهم واستِغاثتِهم، وصَوْمِهم وصَلاتِهم، وسائِرِ عباداتِهم، وهكذا طوافُهم بالكَعبةِ؛ يطَوفونَ بالكَعبةِ تقَرُّبًا إلى اللهِ وعِبادةً له وَحْدَه سُبحانَه وتعالى، وأن يَحذَروا دعوةَ غَيرِ اللهِ بأصحابِ القُبورِ أو بالأصنامِ أو الأنبياءِ أو غيرِ ذلك، فالعِبادةُ حَقُّ اللهِ وَحْدَه، لا يجوزُ لأحَدٍ أن يَصرِفَها لغَيرِه سُبحانَه وتعالى، والعِبادةُ: اسمٌ جامِعٌ لكُلِّ ما يحِبُّه اللهُ ويرضاه مِنَ الأقوالِ والأعمالِ؛ الظَّاهِرةِ والباطِنةِ، الصَّلاةُ عِبادةٌ، والصَّومُ عِبادةٌ، والصَّدَقةُ عِبادةٌ، والحَجُّ عِبادةٌ، وخَوفُ اللهِ عِبادةٌ، ورجاؤه عِبادةٌ، والنَّذْرُ عِبادةٌ، والذَّبحُ عِبادةٌ)
[807] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (28/ 180). .
وقال
ابنُ باز أيضًا: (فَسَّر العُلَماءُ -رحمهم اللهُ- العِبادةَ بمعانٍ مُتقارِبةٍ، مِن أجمَعِها ما ذكَرَه
شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ رحمه الله؛ إذ يقولُ: العِبادةُ: اسمٌ جامِعٌ لكُلِّ ما يُحِبُّه اللهُ ويَرْضاه مِنَ الأقوالِ والأعمالِ؛ الظَّاهِرةِ والباطِنةِ. وهذا يَدُلُّ على أنَّ العِبادةَ تَقتَضي: الانقيادَ التَّامَّ لله تعالى؛ أمرًا ونَهيًا واعتِقادًا وقَولًا وعَمَلًا، وأن تكونَ حياةُ المرءِ قائِمةً على شَريعةِ اللهِ، يُحِلُّ ما أحَلَّ اللهُ، ويُحَرِّمُ ما حَرَّمَ اللهُ، ويَخضَعُ في سُلوكِه وأعمالِه وتصَرُّفاتِه كُلِّها لشَرعِ اللهِ، متجَرِّدًا من حُظوظِ نَفْسِه ونوازِعِ هَواه؛ لِيَستويَ في هذا الفَردُ والجماعةُ، والرَّجُلُ والمرأةُ، فلا يكونُ عابِدًا لله مَن خَضَع لرَبِّه في بَعضِ جوانِبِ حَياتِه، وخَضَع للمَخلوقينَ في جوانِبَ أُخرى، وهذا المعنى يؤكِّدُه قَولُ اللهِ تعالى:
فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: 65] ، وقَولُه سُبحانَه وتعالى:
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة: 50] )
[808] يُنظر: ((وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه)) (ص: 5). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش