المَطلَبُ الثَّالِثُ: مِن قواعِدِ أسْماءِ اللهِ أنَّ أسماءَه إن دَلَّت على وَصفٍ متعَدٍّ، تضَمَّنَت ثلاثةَ أمورٍ
أوَّلًا: ثُبوتُ ذلك الاسمِ لله عزَّ وجَلَّ.
ثانيًا: ثُبوتُ الصِّفةِ التي تضَمَّنَها للهِ تعالى.
ثالثا: ثبوتُ حُكمِها ومُقتَضاها.
مثالُ ذلك: (السَّميعُ) يتضَمَّنُ إثباتَ السَّميعِ اسمًا لله تعالى، وإثباتَ السَّمعِ صِفةً له، وإثباتَ حُكمِ ذلك ومُقتَضاه، وهو أنَّه يَسمَعُ السِّرَّ والنَّجوى، كما قال تعالى:
وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة:1] .
ومِمَّا يَدخُلُ في إثباتِ حُكمِها ومُقتَضاها استِدلالُ أهْلِ العِلْمِ على سُقوطِ الحَدِّ عن قُطَّاعِ الطَّريقِ بالتَّوبةِ، بقَولِه تعالى:
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [المائدة:34] ؛ وذلك لأنَّ مُقتَضى هذينِ الاسمَينِ (الغَفور) و(الرَّحيم) أن يكونَ اللهُ تعالى قد غَفَر لهم ذُنوبَهم، ورَحِمَهم بإسقاطِ الحَدِّ عنهم.
وإنْ دَلَّت أسْماءُ اللهِ تعالى على وَصفٍ غيرِ متعَدٍّ؛ فإنَّها تتضَمَّنُ أمرَينِ:
أولًا: ثبوتُ ذلك الاسمِ للهِ عزَّ وجَلَّ.
ثانيًا: ثُبوتُ الصِّفةِ التي تضَمَّنَها للهِ تعالى.
ومِثالُ ذلك: (الحَيُّ) فهو يتضَمَّنُ إثباتَ الحَيِّ اسمًا لله عزَّ وجَلَّ، ويتضَمَّنُ إثباتَ الحياةِ صِفةً له سُبحانَه
[1190] يُنظر: ((القواعد المثلى)) لابن عثيمين (ص: 10). .
قال
ابنُ القَيِّمِ: (أسماءُ الرَّبِّ تبارك وتعالى دالَّةٌ على صِفاتِ كَمالِه، فهي مُشتَقَّةٌ مِن الصِّفاتِ، فهي أسماءٌ، وهي أوصافٌ، وبذلك كانت حُسْنى؛ إذ لو كانت ألفاظًا لا معانيَ فيها لم تكُنْ حُسْنى، ولا كانت دالَّةً على مَدحٍ ولا كمالٍ، ولساغ وقوعُ أسماءِ الانتقامِ والغَضَبِ في مَقامِ الرَّحمةِ والإحسانِ، وبالعكس، فيقال: اللَّهُمَّ إني ظَلَمْتُ نَفْسي، فاغفِرْ لي؛ إنك أنت المنتَقِمُ! واللَّهُمَّ أعطِني؛ فإنَّك أنت الضَّارُّ المانِعُ! ونحو ذلك... لو لم تكن أسماؤُه مُشتَمِلةً على معانٍ وصِفاتٍ لم يَسُغْ أن يُخبَرَ عنه بأفعالِها، فلا يقالُ: يَسمَعُ ويرى، ويَعلَمُ ويَقدِرُ ويُريدُ؛ فإنَّ ثُبوتَ أحكامِ الصِّفاتِ فَرْعُ ثُبوتِها، فإذا انتفى أصلُ الصِّفةِ استحال ثُبوتُ حُكمِها)
[1191] يُنظر: ((مدارج السالكين)) (1/ 51 - 53). .
وقال
ابنُ باز: (الاسمُ هو اللَّفظُ المشتَمِلُ على الذَّاتِ والمعنى، يقال له: اسمٌ. أمَّا المعنى فقط يقالُ له: وَصفٌ. الرَّحمنُ: هذا يُسَمَّى عَلَمًا اسمًا؛ لأنَّه دالٌّ على الذَّاتِ وعلى الصِّفةِ، وهي الرَّحمةُ.
العَليمُ: اسمٌ؛ لأنَّه دالٌّ على الذَّاتِ وعلى العِلْم، السَّميعُ: اسمٌ؛ لأنَّه دالٌّ على الذَّاتِ وعلى السَّمعِ، البَصيرُ: اسمٌ دالٌّ على الذَّاتِ والبَصَرِ. هذه يقالُ لها: أسماءٌ. أمَّا الصِّفاتُ فالعِلْمُ صِفةٌ، والرَّحمةُ صِفةٌ، والقُدرةُ صِفةٌ، السَّمعُ صِفةٌ.
وهكذا يَجِبُ إمرارُ الجَميعِ كما جاءت، وإثباتُها لله، كما قال أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ، على الوَجهِ اللَّائِقِ بالله سُبحانَه، من غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ. صِفاتُ اللهِ تليقُ به، لا يُشابِهُ خَلْقَه في شيءٍ مِن صِفاتِه جَلَّ وعلا، كما قال سُبحانَه:
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 4] ، وقال:
فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ [النحل: 74] . وقال سُبحانَه:
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] )
[1192] يُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) (1/ 124). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (كُلُّ اسمٍ مِن أسْماءِ اللهِ فإنَّه يَدُلُّ على ذاتِ اللهِ، وعلى الصِّفةِ التي تضَمَّنَها، وعلى الأثَرِ المترَتِّبِ عليه إن كان متعَدِّيًا، ولا يَتِمُّ الإيمانُ بالاسمِ إلَّا بإثباتِ ذلك كُلِّه.
مِثالُ ذلك في غيرِ المتعَدِّي: «العَظيمُ» فلا يَتِمُّ الإيمانُ به حتى نؤمِنَ بإثباتِه اسمًا مِن أسْماءِ اللهِ دالًّا على ذاتِه تعالى، وعلى ما تضَمَّنَه من الصِّفةِ، وهي العَظَمةُ.
ومثالُ ذلك في المتعَدِّي: «الرَّحمنُ» فلا يَتِمُّ الإيمانُ به حتى نؤمِنَ بإثباتِه اسمًا مِن أسْماءِ اللهِ دالًّا على ذاتِه تعالى، وعلى ما تضَمَّنَه من الصِّفةِ، وهي الرَّحمةُ، وعلى ما ترَتَّبَ عليه من أثَرٍ، وهو أنَّه يَرحَمُ مَن يشاءُ)
[1193] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (5/ 13). .