المَطلَبُ الرَّابِعُ: من قواعِدِ أسْماءِ اللهِ أنَّ دَلالةَ أسمائِه على ذاتِه وصِفاتِه تكونُ بالمُطابَقةِ وبالتضَمُّنِ وبالالتِزامِ
مِثالُ ذلك: اسمُ (الخالق) فهو اسمٌ يَدُلُّ على ذاتِ اللهِ وعلى صِفةِ الخَلْقِ بالمطابَقةِ، ويدُلُّ على الذَّاتِ وَحْدَها، وعلى صِفةِ الخَلقِ وَحْدَها بالتضَمُّنِ، ويدُلُّ على صِفَتَيِ العِلْم والقُدرةِ بالالتزامِ؛ ولهذا لَمَّا ذكَرَ اللهُ خَلْقَ السَّمَواتِ والأرضِ قال:
لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12] .
واللَّازِمُ مِن قَولِ اللهِ تعالى وقَولِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إذا صَحَّ أن يكونَ لازِمًا، فهو حَقٌّ؛ فكلامُ اللهِ ورَسولِه حَقٌّ، ولازِمُ الحَقِّ حَقٌّ، ولأنَّ اللهَ تعالى عالمٌ بما يكونُ لازمًا مِن كلامِه وكلامِ رَسولِه؛ فيكونُ مُرادًا
[1194] يُنظر: ((القواعد المثلى)) لابن عثيمين (ص: 11). .
وأسْماءُ اللهِ تعالى دالَّةٌ على المسَمَّى، وهي غيرُ مخلوقةٍ، خِلافًا للجَهْميَّةِ الذين يَقولونَ: أسْماءُ اللهِ مخلوقةٌ، قالوا: لأنَّ الاسمَ غيرُ المسَمَّى، فأسْماءُ اللهِ غيرُه، وما كان غيرُه فهو مخلوقٌ
[1195] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (6/185). .
وبوَّب
البُخاريُّ في كتابِ التَّوحيدِ: بابُ السُّؤالِ بأسْماءِ اللهِ تعالى والاستِعاذةِ بها.
قال ابنُ بطَّالٍ: (غَرَضُه في هذا البابِ أن يُثبِتَ أنَّ الاسمَ هو المسَمَّى في اللهِ، على ما ذَهَب إليه أهلُ السُّنَّةِ... وممَّا يَدُلُّ على أنَّ اسمَ اللهِ هو هو: قَولُه سُبحانَه:
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة: 74] أي: سَبِّحْ رَبَّك العظيمَ، ونَزِّهْه بأسمائِه الحُسْنى، ولو كان اسمُه غيرَه لكان اللهُ أمَرَ نبيَّه بتنزيهِ معنًى هو غيرُ اللهِ، وهذا مُستحيلٌ)
[1196] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) (10/423). .
وقال
الشَّافعيُّ: (من حَلَف باسمٍ مِن أسْماءِ اللهِ فحَنَثَ، فعليه الكَفَّارةُ؛ لأنَّ اسمَ اللهِ غيرُ مخلوقٍ، ومن حَلَف بالكَعبةِ أو بالصَّفا والمروةِ، فليس عليه الكَفَّارةُ؛ لأنَّه مخلوقٌ، وذلك غيرُ مخلوقٍ)
[1197] يُنظر: ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للالكائي (2/236). .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (كُلُّ اسمٍ مِن أسْماءِ اللهِ فإنَّه يَستلزِمُ معنى الآخَرِ؛ فإنَّه يَدُلُّ على الذَّاتِ، والذَّاتُ تستلزِمُ معنى الاسمِ الآخَرِ، لكِنْ هذا باللُّزومِ، وأمَّا دَلالةُ كُلِّ اسمٍ على خاصيَّتِه وعلى الذَّاتِ بمَجموعِهما فبالمُطابقةِ، ودَلالتُها على أحَدِهما بالتضَمُّنِ)
[1198] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (10/ 254). .
وقال
ابنُ القَيِّمِ: (الاسمُ مِن أسمائِه له دَلالاتٌ؛ دلالةٌ على الذَّاتِ والصِّفةِ بالمطابقِة، ودَلالةٌ على أحَدِهما بالتضَمُّنِ، ودلالةٌ على الصِّفةِ الأُخرى باللُّزومِ)
[1199] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) (1/ 285). .
وقال أيضًا: (الاسمُ مِن أسمائِه تبارك وتعالى كما يَدُلُّ على الذَّاتِ والصِّفةِ التي اشتُقَّ منها بالمطابقةِ، فإنَّه يَدُلُّ عليه دَلالَتيِن أُخرَيَينِ بالتضَمُّنِ واللُّزومِ، فيدُلُّ على الصِّفةِ بمُفرَدِها بالتضَمُّنِ، وكذلك على الذَّاتِ المجَرَّدةِ عن الصِّفةِ، ويدُلُّ على الصِّفةِ الأخرى باللُّزومِ، فإنَّ اسمَ السَّميعِ يَدُلُّ على ذات الرَّبِّ وسَمْعِه بالمطابقةِ، وعلى الذَّاتِ وَحْدَها وعلى السَّمعِ وَحْدَه بالتضَمُّنِ، ويدُلُّ على اسمِ الحَيِّ وصِفةِ الحياةِ بالالتزامِ، وكذلك سائِرُ أسمائِه وصِفاتِه)
[1200] يُنظر: ((مدارج السالكين)) (1/ 54). .
وقال ابنُ أبي العِزِّ: (الاسمُ يُرادُ به المسَمَّى تارةً، ويرادُ به اللَّفظُ الدَّالُّ عليه أخرى؛ فإذا قُلتَ: قال اللهُ كذا، أو سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِده، ونحو ذلك، فهذا المرادُ به المسَمَّى نَفْسُه. وإذا قُلتَ: اللهُ اسمٌ عربيٌّ، والرحمنُ اسمٌ عربيٌّ، والرَّحيمُ مِن أسْماءِ اللهِ تعالى، ونحو ذلك، فالاسمُ هاهنا هو المرادُ لا المسمَّى، ولا يقالُ غَيرُه؛ لِما في لفظِ الغيرِ مِن الإجمالِ، فإن أُريدَ بالمغايَرةِ أنَّ اللَّفظَ غيرُ المعنى فحَقٌّ، وإن أريدَ أنَّ اللهَ سُبحانَه كان ولا اسمَ له، حتى خَلَق لنَفْسِه أسماءً، أو حتى سَمَّاه خَلْقُه بأسماءٍ مِن صُنْعِهم، فهذا من أعظَمِ الضَّلالِ والإلحادِ في أسْماءِ اللهِ تعالى)
[1201] يُنظر: ((شرح الطحاوية)) (1/102). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (كُلُّ اسمٍ مِن أسْماءِ اللهِ فهو مُتَضَمِّنٌ للصِّفةِ، فإذا كان متعَدِّيًا فهو يتضَمَّنُ الحُكمَ، وإن كان غيرَ متعَدٍّ لم يتضَمَّنْه، وربما يَدُلُّ على أكثَرَ مِن صفةٍ بدَلالةِ الالتزامِ؛ لأنَّ أنواعَ الدَّلالةِ ثلاثةٌ: مُطابَقةٌ، وتضَمُّنٌ، والتزامٌ؛ فـ «المطابَقة»: دلالةُ اللَّفظِ على جميعِ معناه. و«التضَمُّن»: دلالتُه على بعضِ معناه. و«الالتزام» دلالتُه على لازمٍ خارجٍ، مثلُ «الخالق» من أسماءِ اللهِ؛ دَلالتُه على الذَّاتِ والخَلْقِ: مُطابَقةٌ، ودلالتُه على الذَّاتِ وَحْدَها، أو على الخَلْقِ وَحْدَه: تضَمُّنٌ، ودَلالتُه على العِلْمِ والقُدرةِ: التِزامٌ، فلا يمكِنُ أن يكونَ خالِقًا إلَّا أن يكونَ عالِمًا قادِرًا؛ لأنَّه لا يَخلُقُ مَن لا يَقدِرُ، ولا يَخلُقُ من لا يَعلَمُ؛ فلا بُدَّ أن يكونَ عالِمًا قادِرًا؛ ولهذا قال تعالى:
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق: 12] فذَكَر العِلْمَ والقُدرةَ بعد أن ذَكَر أنَّه خَلَق، ولا يمكِنُ أن يكونَ هناك خَلقٌ إلَّا أن يَعلَم كيف يَخلُقُ، ويَقدِرُ على ذلك)
[1202] يُنظر: ((تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة)) (3/ 165). .
وقال أيضًا: (كُلُّ اسمٍ مِن أسْماءِ اللهِ فإنَّه يَدُلُّ على ذاتِ اللهِ، وعلى الصِّفةِ التي تضَمَّنَها، وعلى الأثَرِ المترَتِّبِ عليه إن كان متعَدِّيًا، ولا يَتِمُّ الإيمانُ بالاسمِ إلَّا بإثباتِ ذلك كُلِّه.
مثالُ ذلك في غير المتعَدِّي: العظيمُ، فلا يَتِمُّ الإيمانُ به حتَّى تؤمِنَ بإثباتِه اسمًا مِن أسْماءِ اللهِ دالًّا على ذاتِه تعالى وعلى ما تضَمَّنَه مِن الصِّفةِ، وهي العَظَمةُ.
ومِثالُ ذلك في المتعَدِّي: الرَّحمنُ ، فلا يَتِمُّ الإيمانُ به حتَّى تؤمِنَ بإثباتِه اسمًا مِن أسْماءِ اللهِ دالًّا على ذاتِه تعالى وعلى ما تضَمَّنَه مِن الصِّفةِ، وهي الرَّحمةُ، وعلى ما ترَتَّبَ عليه من أثَرٍ وهو أنَّه يَرحَمُ من يشاءُ)
[1203] يُنظر: ((تعليق مختصر على لمعة الاعتقاد)) (ص: 23). .