الأَصَابعُ
صفةٌ ذاتيَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالسُّنَّة الصَّحيحةِ.
الدَّليلُ:1- حديثُ
عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه سمِعَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ:
((إنَّ قلوبَ بني آدَمَ كلَّها بينَ إِصبَعينِ مِن أَصَابعِ الرَّحمنِ... )) [1590] أخرجه مسلم (2654). .
2- حديثُ
عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال:
((جاء رجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أهلِ الكِتابِ، فقال: يا أبا القاسِمِ، إنَّ اللهَ يُمسِكُ السَّمواتِ على إِصبَعٍ، والأرَضينَ على إِصبَعٍ... إلى أن قال: فرأَيْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ضحِكَ حتَّى بَدَتْ نواجِذُه، ثمَّ قرَأَ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الزمر: 67] )) [1591] أخرجه البخاري (7415) ومسلم (2786). .
قال الشَّافعيُّ: (للهِ تبارَك وتعالى أسماءٌ وصِفاتٌ جاء بها كِتابُه، وأخبَرَ بها نبيُّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَّتَه... وأنَّ له إِصبَعًا بقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((ما مِن قلبٍ إلَّا وهو بينَ إِصبَعينِ مِن أصابعِ الرَّحمنِ عزَّ وجلَّ ))...)
[1592] يُنظر: ((طبقات الحنابلة)) لابن أبي يعلى (1/ 283). .
وقال
ابنُ قُتَيبةَ بعد أن ذكَرَ حديثَ
عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو السَّابقَ: (ونحنُ نقولُ: إنَّ هذا الحديثَ صحيحٌ، وإنَّ الَّذي ذهَبوا إليه في تأويلِ الإِصبَعِ لا يُشبِهُ الحديثَ؛ لأنَّه عليه السَّلامُ قال في دعائِه:
((يا مُقلِّبَ القلوبِ، ثبِّتْ قلبي على دِينِكَ))، فقالت له إحدى أزواجِه: أوَتخافُ يا رسولَ اللهِ على نفسِكَ؟ فقال:
((إنَّ قلبَ المُؤمنِ بينَ إِصبَعينِ مِن أصابعِ اللهِ عزَّ وجلَّ )) [1593] أخرجه أحمد (24604)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (7737) باختلاف يسير من حديث عائشة رضي الله عنها. ولفظ أحمد: أن عائشة قالت: (دعوات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكثر أن يدعو بها: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، قالت: فقلت: يا رسول الله، إنك تكثر تدعو بهذا الدعاء، فقال: إن قلب الآدمي بين أصبعين من أصابع الله عز وجل ) صححه ابن قتيبة في ((تأويل مختلف الحديث)) (395)، وابن تيمية في ((درء التعارض)) (9/34)، والألباني في تخريج ((كتاب السنة)) (233)، وصححه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (24604). ، فإنْ كان القلبُ عندهم بينَ نعمتينِ مِن نِعَمِ اللهِ تعالى، فهو محفوظٌ بتَيْنِكَ النِّعمتينِ؛ فلأيِّ شيءٍ دعا بالتَّثبيتِ؟ ولِمَ احتَجَّ على المرأةِ الَّتي قالت له: «أتخافُ على نفسِكَ؟» بما يُؤكِّدُ قولَها؟ وكان ينبغي ألَّا يخافَ إذا كان القلبُ محروسًا بنِعمتينِ.
فإنْ قال لنا: ما الإِصبَعُ عندَك هاهنا؟
قُلْنا: هو مِثلُ قولِه في الحديثِ الآخَرِ:
((يحمِلُ الأرضَ على إِصبَعٍ))، وكذا على إِصبَعينِ، ولا يجوزُ أن تكونَ الإِصبَعُ هاهنا نِعمةً، وكقولِه تعالى:
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: 67] ، ولم يجُزْ ذلك.
ولا نقولُ: إِصبَعٌ كأصابِعِنا، ولا يَدٌ كأيدينا، ولا قَبْضَةٌ كقَبضاتِنا؛ لأنَّ كُلَّ شيءٍ منه عزَّ وجلَّ لا يُشبِهُ شيئًا منَّا)
[1594] يُنظر: ((تأويل مختلف الحديث)) (ص: 302). .
وقال
ابنُ خُزَيمةَ: (بابُ إثباتِ الأَصَابعِ للهِ عزَّ وجلَّ)
[1595] يُنظر: كتاب ((التوحيد)) (1/179). ، وذكَرَ بأسانيدِه ما يُثبِتُ ذلك.
وقال
الآجُرِّيُّ: (بابُ الإيمانِ بأنَّ قلوبَ الخلائقِ بينَ إِصبَعينِ مِن أَصَابعِ الرَّبِّ عزَّ وجلَّ، بلا كَيْفٍ)
[1596] يُنظر: ((الشريعة)) (3/ 1156). .
وقال
أبو القاسِمِ الأصبهانيُّ: (مِن مَذهَبِ أهلِ السُّنَّةِ: الإيمانُ بجَميعِ ما ثبت عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في صِفةِ اللهِ تعالى، كحَديثِ:
((ما من قَلبٍ إلَّا وهو بيْن إِصبَعَينِ من أصابِعِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ)) [1597] أخرجه ابن ماجه (199)، وأحمد (17630) صححه ابن حبان (943)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (199)، وصحح إسناده على شرط الشيخين شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (17630)، وجوَّده بنحوِه العراقيُّ في ((تخريج الإحياء)) (3/56)، وذكر ثبوته ابن منده في ((الرد على الجهمية)) (87). .، والإيمانُ بما ورد في القرآنِ من صِفاتِ اللهِ تعالى، كاليَدِ، والإتيانِ، والمجيءِ، وإمرارُها على ما جاءت لا تُكَيَّفُ، ولا تُتَأوَّلُ)
[1598] يُنظر: ((الحجة في بيان المحجة)) (2/ 310). .
وقال
البَغَويُّ بعد ذِكرِ الحديثِ السَّابقِ: (الإِصبَعُ المذكورةُ في الحديثِ صفةٌ مِن صِفات اللهِ عزَّ وجلَّ)
[1599] يُنظر: ((شرح السنة)) (1/168). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (أخَذَ السَّلَفُ أهلُ السُّنَّةِ بظاهِرِ الحديثِ، وقالوا: إنَّ لله تعالى أصابِعَ حقيقةً، نُثبِتُها له كما أثبتها له رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا يَلزَمُ من كونِ قُلوبِ بني آدمَ بيْن إصبَعَينِ منها أن تكونَ مُماسَّةً لها حتَّى يقال: إنَّ الحديثَ مُوهِمٌ للحُلولِ، فيَجِبُ صَرفُه عن ظاهِرِه؛ فهذا السَّحابُ مُسَخَّرٌ بيْن السَّماءِ والأرضِ وهو لا يَمَسُّ السَّماءَ ولا الأرضَ. ويقالُ: بَدرٌ بيْن مكَّةَ والمدينةِ، مع تباعُدِ ما بينها وبينهما. فقلوبُ بني آدَمَ كُلُّها بيْن إصبعَينِ من أصابِعِ الرَّحمنِ حقيقةً، ولا يَلزَمُ من ذلك مماسَّةٌ ولا حلولٌ)
[1600] يُنظر: ((القواعد المثلى)) (ص: 51). .
وقال البرَّاكُ: (هذا الحديثُ يَستدِلُّ به أهلُ السُّنَّة على إثباتِ الأصابعِ للهِ عزَّ وجلَّ، وأنَّها مِن صفةِ يدَيْهِ؛ لأنَّ هذا هو المفهومُ مِن لفظِ الإصبَعِ في هذا السِّياقِ، وقد أقَرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اليهوديَّ على قولِه، كما فهِمَ
ابنُ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه بقَولِه: «فضحِكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تعجُّبًا وتصديقًا له»، ويؤيِّدُ ذلك قراءةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لقولِه تعالى:
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الزمر: 67] .
وقولُ أهلِ السُّنَّة في الأَصابعِ للهِ تعالى كقولِهم في اليدَينِ والوجهِ وغيرِ ذلك مِن الصِّفاتِ، وهو الإثباتُ مع نَفْيِ مُماثَلةِ المخلوقاتِ، ونَفْيِ العِلمِ بالكيفيَّةِ)
[1601] يُنظر: ((تعليقات الشيخ البَرَّاك على المُخالفات العَقَديَّة في فتح الباري)) (13/ 398). .
فأهلُ السُّنَّة والجماعةِ يُثبِتونَ للهِ تعالى أَصَابعَ تَليقُ به فـ
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] .