الشُّكْرُ
صِفةٌ فعليَّةٌ للهِ عزَّ وجلَّ، ثابتةٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، و(الشَّاكر) و(الشَّكُور) من أسْمائِهِ تعالى.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ: 1- قوله تعالى:
وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ [البقرة: 158] .
2- قَولُه:
وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ [ التغابن: 17] .
الدَّليلُ من السُّنَّةِ: حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا في قِصَّةِ ساقي الكَلبِ ماءً، وفيه:
((... فنَزل البئرَ، فملأَ خُفَّه ماءً، ثم أمْسَكَه بفِيه حتى رَقِيَ، فسَقَى الكلبَ، فشَكَرَ اللهُ له، فغَفَرَ له ... )) [2342] أخرجه البخاري (2363)، ومسلم (2244). .
قال
الزَّجَّاجيُّ: (الشَّاكِرُ: اسمُ الفاعِلِ من شَكَر يَشكُرُ، فهو شاكِرٌ ومشكورٌ، والشُّكرُ: مُقابَلةُ المُنعِمِ على فِعْلِه بثناءٍ عليه، وقَبولٍ لنِعمَتِه، واعتِرافٍ بها، هذا أصلُه في اللُّغةِ، فلمَّا كان اللهُ عَزَّ وجَلَّ يجازي عبادَه على أفعالِهم ويُثيبُهم على أقَلِّ القليلِ منها، ولا يَضيعُ لَدَيه تبارك وتعالى لهم عَمَلُ عامِلٍ؛ كان شاكِرًا لذلك لهم، أي: مُقابِلًا له بالجزاءِ والثَّوابِ؛ لأنَّ مَن لم يَشكُرْ مِن الآدميِّينَ فِعلَ المنعِمِ عليه، فقد كَفَر، واللهُ عَزَّ وجَلَّ تتضاعَفُ لديه الحَسَناتُ، ولا يَضيعُ عِندَه أجرُ العامِلينَ؛ فتأويلُ الشُّكرِ منه عَزَّ وجَلَّ هو المجازاةُ على أفعالِ المطيعينَ)
[2343] يُنظر: ((اشتقاق أسماء الله)) (ص: 87). .
وقال
الزَّجَّاجيُّ أيضًا: (قد تأتي الصِّفَةُ بالفِعلِ للهِ عزَّ وجلَّ ولعَبدِه، فيُقال: العبدُ شَكورٌ للهِ أي: يَشكُرُ نعمتَه، واللهُ عزَّ وجلَّ شكورٌ للعَبدِ، أي: يَشكُرُ له عَمَلَه، أي: يُجازيه على عَمَلِه، والعبدُ توَّابٌ إلى اللهِ مِن ذنبِه، واللهُ توَّابٌ عليه، أي: يَقبَلُ توبتَه ويَعفُو عنه)
[2344] يُنظر: ((اشتقاق أسماء الله)) (ص: 152). .
وقال
الخطَّابيُّ: (الشَّكورُ: هو الذي يَشكُرُ اليَسيرَ مِنَ الطَّاعةِ فيُثيبُ عليه الكثيرَ مِنَ الثَّوابِ، ويُعطي الجزيلَ مِنَ النِّعمةِ، فيَرضى باليسيرِ مِنَ الشُّكرِ. كقَولِه سُبحانَه:
إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر: 34] . ومعنى الشُّكرِ المضافِ إليه: الرِّضا بيسيرِ الطَّاعةِ مِنَ العَبدِ والقَبولُ له، وإعظامُ الثَّوابِ عليه، واللهُ أعلَمُ. وقد يحتَمِلُ أن يكونَ معنى الثَّناءِ على اللهِ جَلَّ وعَزَّ بالشَّكورِ ترغيبَ الخَلقِ في الطَّاعةِ قَلَّت أو كَثُرَت؛ لئلَّا يَستَقِلُّوا القليلَ مِنَ العَمَلِ، فلا يَترُكوا اليَسيرَ مِن جُملتِه إذا أعْوَزَهم الكثيرُ منه)
[2345] يُنظر: ((شأن الدعاء)) (ص: 65). .
وقال
البيهقيُّ: (الشَّكورُ: هو الذي يَشكُرُ اليَسيرَ مِنَ الطَّاعةِ، ويُعطي عليه الكثيرَ مِنَ المثوبةِ، وشُكرُه قد يكونُ بمعنى ثنائِه على عَبْدِه، فيَرجِعُ معناه إلى صِفةِ الكلامِ التي هي صِفةٌ قائِمةٌ بذاتِه)
[2346] يُنظر: ((الاعتقاد)) (ص: 59). .
وقال
السَّمعانيُّ: (الشُّكرُ مِن اللهِ قَبولُ العَمَلِ)
[2347] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (1/ 495). .
وقال
السَّمعانيُّ أيضًا: (الفَرقُ بيْن الشَّاكِرِ والشَّكورِ: أنَّ الشَّكورَ هو الذي يتكَرَّرُ منه الشُّكرُ، والشَّاكِرَ: الذي يَشكُرُ مَرَّةً. وقيل: هما واحِدٌ)
[2348] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (4/ 322). ويُنظر: ((تفسير الماوردي)) (4/ 440). .
وقال
البَغَويُّ: (اللهُ شاكِرٌ مُجازٍ لعَبْدِه بعَمَلِه، عليمٌ بنِيَّتِه، والشُّكرُ من اللهِ تعالى أن يُعطِيَ لعَبدِه فَوقَ ما يَستَحِقُّ، يَشكُرُ اليَسيرَ ويُعطي الكثيرَ)
[2349] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (1/ 193). .
وقال
ابنُ منظورٍ: (الشَّكُور: من صِفاتِ اللهِ جلَّ اسْمُه، معناه: أنَّه يزكو عندَه القليلُ من أعمالِ العِبادِ، فيُضاعِفُ لهم الجزاءَ، وشُكْرُه لعِبادِه: مغفرَةٌ لهم)
[2350] يُنظر: ((لسان العرب)) (4/2305). .
وتَفسيرُ شُكْرِ اللهِ لعِبادِه بالمَغفرةِ والمُجازاةِ قد يُفهَمُ منه صَرْفُه عن الحقيقةِ، وهذا غيرُ صَحيحٍ.
قال
ابنُ القَيِّم: (أمَّا شُكرُ الرَّبِّ تعالى فله شأنٌ آخرُ، كشَأنِ صبرِه، فهو أَوْلى بصِفةِ الشُّكْرِ مِن كُلِّ شَكُورٍ، بل هو الشَّكُورُ على الحقيقةِ؛ فإنَّه يُعطي العبدَ، ويوفِّقُه لِمَا يشكُرُه عليه)
[2351] يُنظر: ((عدة الصابرين)) (ص: 414). . إلى آخِر كلامِه، وهو نفيسٌ جدًّا.
وقال
السَّعْديُّ: (اللهُ شاكِرٌ عليمٌ، يُعطي المتحَمِّلينَ لأجْلِه الأثقالَ الدَّائِبينَ في الأعمالِ جَزيلَ الثَّوابِ وواسِعَ الإحسانِ، ومَن تَرَك شيئًا للهِ أعطاه اللهُ خيرًا منه)
[2352] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 212). .