النِّسْيَانُ (بمَعْنَى التَّرْكِ)
صفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ لله عزَّ وجلَّ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ:1- قولُه تَعالَى:
فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا [الأعراف: 51] .
2- قولُه سُبحانَه:
فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ [السجدة: 14] .
3- قولُه عَزَّ وجَلَّ:
نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة: 67] .
قال
ابنُ جريرٍ في تفسيرِ قَولِه تعالى:
نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ: (معناه: ترَكوا اللهَ أنْ يُطيعوه ويَتَّبعوا أمْرَه؛ فتَرَكَهم اللهُ مِن توفيقِه وهدايتِه ورحمتِه، وقدْ دلَّلْنَا فيما مضَى على أنَّ معنى النِّسيان: التَّركُ، بشواهدِه)
[3025] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/549). .
الدَّليلُ من السُّنَّةِ: حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في رُؤيةِ اللهِ يومَ القِيامَةِ، وفيه:
((...فيَلْقى العبدَ .. فيَقولُ: أفظَنَنْتَ أنَّك مُلاقِيَّ؟ فيَقولُ: لا، فيقولُ: فإنِّي أنساكَ كما نَسِيتَني ... )) [3026] أخرجه مسلم (2968). .
قال
أحمدُ: (أمَّا قَولُه:
الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا يَقولُ: نَتركُكم في النَّارِ؛
كَمَا نَسِيتُمْ، كما تركتُمُ العملَ للقاءِ يَومِكم هذا)
[3027] يُنظر: ((الرد على الزنادقة والجهميَّة)) (ص: 21). .
قال
ابنُ فارسٍ: (النِّسْيانُ: التَّركُ؛ قال اللهُ جَلَّ وعَزَّ:
نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)
[3028] يُنظر: ((مجمل اللغة)) (ص: 866). .
وقال ابنُ عَرفةَ: (النِّسيانُ يأتي بمعنى التَّركِ، قال
الآمديُّ: مَنعَ
المعتَزِلةُ إطلاقَ صِفةِ التَّركِ على اللهِ تعالى، وأجازها أهلُ السُّنَّةِ بقَولِه تعالى:
وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ)
[3029] يُنظر: ((تفسير ابن عرفة)) (3/ 279). .
وسُئِل
ابنُ عُثَيمين: هل يُوصَفُ اللهُ تعالى بالنِّسْيَانِ؟
فأجابَ: (للنِّسْيَانِ معنيان: أحدُهما: الذُّهولُ عن شيءٍ معلومٍ؛ مِثلُ قولِه تعالى:
رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) -وضرَب مجموعةً من الأمثلة لذلك- ثمَّ قال: (وعلى هذا؛ فلا يجوزُ وصفُ اللهِ بالنِّسْيَانِ بهذا المعنى على كُلِّ حالٍ.
والمعنى الثَّاني للنِّسْيَان: التَّرْكُ عن عِلمٍ وعَمْدٍ؛ مِثلُ قولِه تعالى:
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ... الآية... وهذا المعنى مِن النِّسْيَان ثابتٌ لله تعالى وعزَّ وجلَّ؛ قال اللهُ تعالى:
فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ، وقال تَعالى في المنافقين:
نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.
وفي «صحيح
مسلم» في «كِتاب الزُّهد والرَّقائق» عن أَبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه؛ قال: قالوا: يا رسولَ اللهِ، هل نرَى ربَّنا يومَ القِيامَةِ؟ فذكَر الحديثَ، وفيه:
((...فيَلْقى العبدَ .. فيَقولُ: أفظَنَنْتَ أنَّك مُلاقِيَّ؟ فيَقولُ: لا، فيقولُ: فإنِّي أنساكَ كما نَسِيتَني )) [3030] أخرجه مسلم (2968) .
وتَركُه سُبحانَه للشَّيءِ صِفةٌ مِن صِفاتِه الفِعليَّةِ الواقعةِ بمشيئتِه التابعةِ لحِكمتِه؛ قال اللهُ تعالى:
وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ، وقال تعالى:
وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ، وقال:
وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً، والنُّصوصُ في ثبوتِ التَّركِ وغيرِه من أفعالِه المتعلِّقة بمشيئتِه كثيرةٌ معلومةٌ، وهي دالَّةٌ على كمالِ قُدرتِه وسلطانِه.
وقيامُ هذه الْأَفعالِ به سُبحانَه لا يُماثِلُ قيامَها بالمخلوقينَ، وإنْ شارَكه في أَصلِ المعنى، كما هو معلومٌ عند أهلِ السُّنَّة)
[3031] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (3/54-56). .