الفَصْلُ السَّادِسُ: النَّسَبُ إلى ما حُذِف منه
النَّسَبُ إلى مَحْذوفِ الفاءِ:فإنْ كانتِ اللَّامُ صَحيحةً، فلا تُرَدُّ فاؤُه في النَّسَبِ، مِثْلُ: عِدَة وسَعَة: النَّسَبُ إليها: عِدِيٌّ، وسَعِيٌّ.
وإنْ كانت اللَّامُ حرْفَ عِلَّةٍ، وجَب رَدُّ الفاءِ في النَّسَبِ، مِثْلُ: شِيَةٍ ودِيَةٍ، ففي النَّسَبِ إليها: (وِشَوِيٌّ، وِدَوِيٌّ) على مَذْهبِ
سِيبَوَيهِ في إبْقاءِ الحَرَكةِ بعْدَ رَدِّ المَحْذوفِ، فتُفْتَحُ عَينُ الكَلِمةِ، وتُقلَبُ الياءُ واوًا
[1360] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (3/ 369، 370). ، و(وِشْيِيٌّ، وِدْييٌّ) على مَذْهبِ الأخْفَشِ بِسُكونِ عَينِ الكَلِمةِ، رَدًّا إلى الأصْلِ، فتَبقَى الياءُ كما هِيَ، وكِلاهما صَوابٌ
[1361] يُنظر: ((المقتضب)) للمبرد (3/ 156، 157)، ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (2/ 62)، ((الارتشاف)) لأبي حيان (2/ 619). .
النَّسَبُ إلى مَحْذوفِ العَينِ:وهو قَليلٌ في كَلامِهم، فإنْ كانتِ اللَّامُ صَحيحةً ولم يَكنْ مُضعَّفًا، فلا يُردُّ المَحْذوفُ، مِثْلُ: سَهٍ ومُذْ مُسمًّى بِهما؛ ففي النَّسَبِ إليهما: سَهِيٌّ، ومُذِيٌّ، لا سَتَهِيٌّ ومُنْذِيٌّ، بِردِّ العَينِ المَحْذوفةِ (التَّاءِ والنُّونِ).
فإنْ كان مُضعَّفًا، مِثْلُ: رُبَ مُخفَّفِ (رُبَّ) إذا سُمِّي بِه، فإنَّه يُجبَرُ بِردِّ المَحْذوفِ، فيُقالُ في النَّسَبِ: رُبِّيٌّ، ولا خِلافَ هاهُنا في إبْقاءِ العَينِ ساكِنةً؛ فكلٌّ مِن
سِيبَوَيهِ والأخْفَشِ يَتَّفقانِ على رَدِّ العَينِ لِأصْلِها مِنَ السُّكونِ؛ دَفْعًا لِلثِّقَلِ.
وإنْ كان مُعتَلَّ اللَّامِ، فإنَّه يُجبَرُ أيضًا بِردِّ المَحْذوفِ، مِثْلُ: المُرِي (اسمُ فاعِلِ أرَى)، ويَرَى (مُضارِع) أعْلَامًا؛ ففي النَّسَبِ إليهما: المُرْئِيُّ، واليَرْئِيُّ، بفتْحِ الرَّاءِ على مَذْهبِ
سِيبَوَيهِ في إبْقاءِ الحَرَكةِ بعْدَ ردِّ المَحْذوفِ، أو سُكونِ الرَّاءِ على مَذْهبِ الأَخْفَشِ في عَدَمِ إبْقاءِ الحَرَكةِ
[1362] يُنظر: ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (2/ 62)، ((الارتشاف)) لأبي حيان (2/ 620)، ((شذا العرف)) للحملاوي (ص: 188). .
النَّسَبُ إلى مَحْذوفِ اللَّامِ:فإنْ كانتِ العَينُ حَرْفَ عِلَّةٍ: فيَجبُ رَدُّ اللَّامِ، مِثْلُ: ذُو مالٍ مُسمًّى بِه، وشَاة (أصْلُها: شَوْهة) تقولُ في النَّسَبِ: (ذَوَوِيٌّ)، و(شاهِيٌّ) على مَذْهبِ
سِيبَوَيهِ؛ لأنَّه يُبقِي الحَرَكةَ فتَبقَى الألِفُ
[1363] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (3/ 367). أو (شَوْهِيٌّ) على مَذْهبِ الأَخْفَشِ؛ لأنَّه يُسكِّنُ الواوَ ولا يَقْلِبُها ألِفًا
[1364] ينظر رأيُ الأخفَشِ في: ((المساعد)) لابن عقيل (3/ 373). .
فإنْ لم تَكنِ العَينُ حَرفَ عِلَّةٍ:فإنْ رُدَّتِ اللَّامُ في التَّثْنيةِ وجَمْعِ التَّصحيحِ، وجَب الرَّدُّ في النَّسَبِ، مِثْلُ: أبٍ وأخٍ وعِضَة وسَنَة، تقولُ فيها: أَبَوان، وأَخَوان، وعِضَوات، وسَنَوات، فرُدَّتِ اللَّامُ في التَّثْنيةِ وجَمْعِ التَّصحيحِ، فتُرَدُّ في النَّسَبِ، تقولُ: أَبَوِيٌّ، وأَخَوِيٌّ، وعِضَوِيٌّ، وسَنَوِيٌّ أو عِضَهِيٌّ وسَنَهِيٌّ؛ لأنَّ أصْلَ اللَّامِ في عِضَة وسَنَة إمَّا الواوُ وإمَّا الهاءُ.
فإنْ لم تُردَّ اللَّامُ في التَّثْنيةِ وجَمْعِ التَّصحيحِ، جاز في النَّسَبِ الأمرانِ: الردُّ وعَدَمُ الرَّدِّ، مِثْلُ: حِر -وهُو الفَرْجُ- شَفَة، غَد، ثُبَة
[1365] اختُلف في (ثُبَة) فسِيبَوَيه يرى أنَّها محذوفةُ اللَّامِ، وهي من ثَبَيتُ، أي: جمَعْتُ، والزَّجَّاج يرى أنَّها محذوفةُ العينِ، مِن ثابَ، فيجوز الرَّدُّ وعَدَمُه. ينظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (2/ 621). وهِيَ الفِرْقةُ مِنَ النَّاسِ: أصْلُها: حِرْحٌ، وشَفَهَة، وغَدَوٌ، وثُبْيٌ، والنَّسَبُ إليها:
بِالرَّدِّ إلى الأصْلِ: حِرَحِيٌّ، وشَفَهِيٌّ وغَدَوِيٌّ، وثُبَوِيٌّ.
بِعَدَمِ الرَّدِّ: حِرِيٌّ، وشَفِيٌّ، وغَدِيٌّ، وثُبِيٌّ.
يَدٌ ومائةٌ ودَمٌ ولُغةٌ: أصْلُها: (يَدْيٌ، ومِئيٌ، ودَمَوٌ
[1366] هناك خِلافٌ في أصْلِ (دَمٌ) فسيبَوَيه يرى أنَّه (فعْل) والمبرِّدُ يرى أنَّه (فَعَل). ينظر: ((الكتاب)) لسيبويه (3/ 358)، ((المقتضب)) للمبرد (3/ 153). -أو دَمْيٌ- ولُغَو) فالنَّسَبُ إليها:
بِرَدِّ اللَّامِ: يَدَوِيٌّ، ودَمَوِيٌّ، ومِئَوِيٌّ، ولُغَوِيٌّ.
مِنْ غيرِ رَدِّ المَحْذوفِ: يَدِيٌّ
[1367] الأخفَشُ يقولُ في (يد): (يَديٌّ، ويَدييٌّ). ينظر: ((المقتضب)) للمبرد (3/ 152). ودَمِيٌّ، ومئِيٌّ، ولُغِيٌّ.
فإنْ حُذِفتِ اللَّامُ وعُوِّض عنها:بِهَمْزةِ الوَصْلِ كما في: ابْن، واسْم، واسْت، واثْنان، فأنتَ بِالخِيارِ بينَ رَدِّ اللَّامِ أو عَدَمِ الرَّدِّ، فإنْ ردَدتَ اللَّامَ حَذْفتَ الهَمْزةَ: (بَنَوِيٌّ، وسَمَوِيٌّ
[1368] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 603، 604). ، وسَتَهِيٌّ، وثَنَوِيٌّ)، وإنْ ثَبَتتِ الهَمْزةُ حُذِفتِ اللَّامُ (ابْنِيٌّ، واسْمِيٌّ، واسْتِيٌّ، واثْنِيٌّ)
[1369] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (2/ 624). .
بِتاءِ تَأنيثٍ لا تَنْقلِبُ هاءً في الوَقْفِ، مِثْلُ: بِنْت وأُخْت؛ ففي النَّسَبِ تُحذَفُ التَّاءُ؛ تقولُ: بَنَوِيٌّ وأخَوِيٌّ، خِلافًا لِيُونُسَ الَّذي رأى أنَّ التَّاءَ ليست لِلتَّأنيثِ فأثْبَتَها؛ يقولُ: بِنْتِيٌّ وأخْتِيٌّ، وقدِ احْتجَّ بِأنَّها ليست لِلتَّأنيثِ؛ لأنَّ ما قبلَها ساكِنٌ صَحيحٌ، وتاءُ التَّأنِيثِ إن كان ما قبلَها صَحيحًا وجَب فتْحُه، مِثْلُ: قَصْعَة، ولأنَّها لا تُبدَلُ في الوَقْفِ هاءً: رَحْمَهْ، ونِعْمَهْ، وما ذَكَرَه يُونُسُ مُسلَّمٌ بِه، لكنَّهم عامَلوها مُعامَلةَ تاءِ التَّأنِيثِ بِدليلِ أنَّها تُجمَعُ بِالألفِ والتَّاءِ، فيُقالُ: بَنات وأَخَوات، وتُحذَفُ التَّاءُ الأصْليَّةُ
[1370] سَمَويٌّ: السينُ فيها ثلاثةُ أوجهٍ: الكَسْرُ والضَّمُّ؛ لِقَولِهم: سِمٌ، وسُمٌ، وجاء الفَتحُ أيضًا. يُنظر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (3/ 467)، ((شرح شافية ابن الحاجب)) للرضي الاستراباذي (2/ 67). .
ويُمكِنُ إجْمالُ قواعِدِ النَّسَبِ إلى المَحْذوفِ فيما يَلي:- إنْ كان مَحْذوفَ الفاءِ أو مَحْذوفَ العَينِ، ففي الرَّدِّ نوعانِ: ردٌّ واجِبٌ: وذلك إنْ كانتِ اللَّامُ مُعتَلَّةً، مِثْلُ: شِية ويَرَى، عَلَمًا، وردٌّ مُمْتَنِعٌ: وذلك إن كانت اللَّامُ صحيحةً، مِثْلُ: عِدَة وسَعَة.
- فإنْ كان مَحْذوفَ اللَّامِ، ففي الرَّدِّ نوعان: رَدٌّ واجِبٌ: وهُو ما تُردُّ فيه اللَّامُ في التَّثْنيةِ، (مِثْلُ: أبٍ وأخٍ)، وجَمْعِ التَّصحيحِ، (مِثْلُ: أُخْت وبِنْت وسَنة)، وما كانت عَينُه مُعتَلَّةً، (مِثْلُ: شاة وذو)، وردٌّ جائِزٌ: وهُو ما عدا الواجِبَ، مِثْلُ: يَد ودَم وشَفَة
[1371] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 601 – 608). .
النَّسَبُ إلى الثُّنائيِّ الوَضْعِ:فإنْ كان مُعتَلًّا ضَعَّفتَ ثانيَه، ثُمَّ تُجري عليه قَواعِدَ النَّسَبِ، تقولُ في (لو وكي ولا) مُسمًّى بِهما: لوٌّ وكَيٌّ ولاءٌ، وفي النَّسَبِ: لوِّيٌّ (مِثْلُ: دوٍّ/ دَوِّيٌّ) وكيوِيٌّ (مِثْلُ: حيٍّ/ حَيَوِيٌّ) ولائِيٌّ أو لاوِيٌّ (مِثْلُ: كساء/ كسائِيٌّ وكساوِيٌّ).
فإنْ كان صَحيحًا فأنتَ بِالخِيارِ بينَ أنْ تَنسُبَ له على لفْظِه أو تُضعِّفَه قَبْلَ النَّسَب، مِثْلُ: كم، ففي النَّسَبِ: كَمِيٌّ بِالتَّخفيفِ، وكَمِّيٌّ بالتَّضعيفِ
[1372] يُنظر: ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (2/ 60 وما بعدها)، ((الارتشاف)) لأبي حيان (2/ 604)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 607)، ((شذا العرف)) للحملاوي (ص: 189). .