المَطْلَبُ الثَّاني: قَلْبُ الواوِ والياءِ هَمْزةً
تُقلَبُ الواوُ والياءُ هَمْزةً وُجوبًا في أربعِ مَسائِلَ:المَسألةُ الأُوْلى: تُبدَلُ الهَمْزةُ مِنَ الواوِ والياءِ إذا تَطرَّفتا (كانتا لامَين أو زائِدَتين لِلإلْحاقِ) بعْدَ ألِفٍ زائِدةٍ، مِثْلُ: كِساء ورِداء؛ فالأصْلُ فيهما كِسَاو، ورِدَاي، لأنَّها مِنَ الكِسوة والرِّدْيَة، تَطرَّفتِ الواوُ والياءُ بعْدَ ألِفٍ زائِدةٍ، فقُلِبتا هَمْزةً، وقيل: إنَّ الواوَ والياءَ قُلِبتا ألِفًا أوَّلًا ثُمَّ قُلِبتِ الألِفُ هَمْزةً، و
ابنُ مالِكٍ يَرَى أنَّ الهَمْزةَ هُنا بدَلٌ مِنَ الواوِ والياءِ
[1589] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 88). .
فإنْ كانتِ الواوُ والياءُ غيرَ متَطرِّفتَين، فلا تُقلبان هَمْزةً، مِثْلُ: قاوَل وبايَع، وإداوة وهِداية، وإنْ كانتِ الألِفُ أصْلًا لا زائدةً فلا تُقلبانِ هَمْزةً، مِثْلُ: آية وراية.
تَنبيهٌ:إنْ كانتِ الواوُ والياءُ بعْدَهما تاءُ التَّأنِيثِ أو زيادَةُ التَّثْنيةِ (الألِف والنُّون أو الياء والنُّون):فإنْ كانتِ الكَلِمةُ بُنيتْ على تاءِ التَّأنِيثِ (تاءُ التَّأنِيثِ لازِمةٌ) أو زيادَةِ التَّثْنيةِ، فلا تُقلَبُ الواوُ والياءُ، مِثْلُ: هِراوةٍ وإداوةٍ وهِدايةٍ، وعقَلتُ البَعيرَ بثنايَينِ.
فإنْ لم تكنِ الكَلِمةُ بُنِيتْ عليها (تاءُ التَّأنِيثِ عارِضةٌ)، قُلِبت الواوُ والياءُ هَمْزةً، مِثْلُ: عَظاءَة، وصَلاءَة، وكِساءان ورِداءان
[1590] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 89). .
وتُشارِكُهما في هذه المَسألةِ الألِفُ، مِثْلُ: حَمْراءَ، فإنَّ أصْلَها: حَمْرَى بِالألِفِ المَقْصورةِ، ثُمَّ زِيدَتْ ألِفٌ قَبْلَ الآخِرِ لِلمَدِّ، فالْتَقى ألِفانِ، فأبدِلتِ الثَّانيةُ هَمْزةً، وهذا مَذْهبُ
سِيبَوَيهِ.
المَسألةُ الثَّانيةُ: أنْ تَقعَ الواوُ والياءُ عَينًا لاسمِ فاعلٍ لِفِعلٍ أُعِلَّت فيه، مِثْلُ: قائِل وبائِع، فإنْ لم يكنِ الفِعلُ مُعَلًّا، مِثْلُ: عوِرَ، فلا تُقلَبُ؛ تقولُ: عاوِر
[1591] يُنظر: ((الممتع الكبير) لابن عصفور (ص: 218). .
وتُقلَبُ الواوُ والياءُ هَمْزةً أيضًا إذا وقَعتا عَينًا في اسمِ فاعلٍ لا فعلَ له، مِثْلُ: جائِز، وهُو البُستانُ، ومُؤَنَّثُه جائِزةٌ، وهِيَ الخَشبةُ الَّتي في وَسَطِ السَّقفِ
[1592] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 89)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 695). .
المَسألةُ الثَّالِثةُ: أنْ تَقعَ الواوُ والياءُ بعدَ ألِفِ مَفاعِل، مِثْلُ: عَجوز وعَجائِز، وصَحيفة وصَحائِف، بِشرطِ:
- أنْ تكونَ الواوُ والياءُ مدَّتَين؛ ومِن ثَمَّ فإنَّ قَساوِر جَمْعُ قَسْوَرةٍ لا قَلْبَ فيه.
- أنْ تكونَ الواوُ والياءُ زائِدتَين؛ فلا قَلْبَ في: مَعايِش؛ جَمْعِ مَعِيشة؛ لأنَّ المدَّةَ هُنا أصْليَّةٌ، وشذَّ مُصيبةٌ ومَصائِبُ، ومَنارةٌ ومَنائرُ، ومَسِيلٌ -وهُو مَجْرى الماءِ- ومَسائِلُ؛ حيثُ جاء الإبْدالُ معَ أنَّ المدَّةَ في المُفْرَدِ أصْليَّةٌ (عَينُ الكَلِمةِ)، والَّذي سهَّل إبْدالَها تَشبيهُ هَمْزةِ الأصْليِّ بِالزَّائدِ.
تَنبيهاتٌ:القِياسُ في مَصائِب: مَصاوِب، وبِه قالتِ العَربُ، وقد علَّل
سِيبَوَيهِ هَمْزةَ مَصائِب بأنَّهم غلِطوا وتوهَّموا أنَّ (مُصيبة) بِوَزْنِ فَعِيلة
[1593] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 356). ، وذكَر
الزَّجاجُ أنَّ أصْلَها (مَصاوِب) وقُلِبتِ الواوُ المَكْسورةُ هَمْزةً
[1594] يُنظر: ((الممتع)) لابن عصفور (ص: 225). .
جاءت قِراءةٌ خارِجةٌ عن
نافعٍ في كَلِمةِ مَعايش في القُرآنِ بِالهَمْزِ إذْ قرَأها: (مَعَائِش)، على جِهَةِ الشُّذوذِ
[1595] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 97). .
وتُشارِكُهما في هذه المَسألةِ الألِفُ في مِثْلِ: قِلادَة وقَلائِد، ورِسالَة ورَسائِل.
المَسألةُ الرَّابِعةُ: أنْ تَقعَ إحْداهما ثانيَ حرْفَيْ لِينٍ بينَهما ألِفُ (مَفَاعِل)، بِشرطِ أنْ تَلي الواوُ أو الياءُ الطَّرَفَ، سَواءٌ أكان اللَّيِّنانِ ياءَيْن، مِثْلُ: نَيِّف ونَيائِف، أو كان اللَّيِّنانِ واوَيْنِ، مِثْلُ: أوَّل وأوَائِل، أو كان اللَّيِّنان واوًا وياءً، مِثْلُ: سَيِّد وسَيَائِد، فإنْ كانتِ الواوُ والياءُ بَعيدتَينِ عنِ الطَّرَفِ، فلا قَلْبَ، مِثْلُ: طَوَاوِيس.
أمَّا قَولُ جَنْدَلَ بنِ المُثنَّى الطُّهَوِيِّ مِنَ الرَّجَز:
حَنَى عِظامِي وأُرَاهُ ثاغِري
وكَحَّلَ العَينَيْنِ بِالعَواوِرِ
[1596] حَنَى عظامي: قَوَّسَها، يقصِدُ: الدَّهْرَ، وثاغري: ثَغَرَه: كَسَرَ أسنانَه، والعواوِرُ: الرَّمَدُ الشَّديدُ، يصِفُ الشَّاعِرُ ما لَقِيَه من الدَّهرِ لَمَّا كَبِرَت سِنُّه؛ فقد أحنى الدَّهرُ عِظامَه، وأصاب الرَّمَدُ عَينَه، وجعل الرَّمَدَ كُحلًا على سبيلِ المجازِ والاتِّساعِ. ينظر: ((شرح الشواهد الكبرى)) للعيني (4/ 2095). فقولُه: (العَواوِر) دُونَ قَلْبِ الواوِ هَمْزةً معَ أنَّ الألِفَ اكْتَنَفها واونِ؛ لأنَّ الأصْلَ فيها: (العَواوِير)، فلا تُقلَبُ الواوُ لِكونِها بَعيدةً عنِ الطَّرَفِ كـ(طَواوِيس).
وعلى العَكْسِ منه جاء قَولُ حَكيمِ بنِ مُعَيَّةَ الرَّبَعيِّ مِنَ الرَّجَز:
فيها عَيائيلُ أُسُودٌ ونُمُرْ
فأبدَل الهَمْزةَ ياءً في (عَيائِيل) وهِيَ بَعيدةٌ عنِ الطَّرَفِ؛ لأنَّ أصْلَه: (عَيَايِل) جَمْعُ عَيِّل، والياءُ زائِدةٌ للإشْباعِ؛ فلذلك قلَب الياءَ هَمْزةً رَغْمَ البُعْدِ عنِ الطَّرَفِ
[1597] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 696). .
وخالَف الأخْفَشُ
[1598] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 96). في ذلك فرأى تلك المَسألةَ خاصَّةً بِاكْتنافِ الواوَينِ فقطْ لِحَرْفِ اللِّينِ، أمَّا اكْتِنافُ الياءَينِ، مِثْلُ: (نَيائِف/ أصْلُها: نَيايِف)، والواوِ والياءِ، مِثْلُ: (سَيائد/ أصْلُها: سَياوِد)، فلا يَقلِبُ إلى الهَمْزةِ فيهما، والمَذْهبُ الأوَّلُ يُؤيِّدُه القِياسُ والسَّماعُ
[1599] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 693 - 698). .
فإنْ وقَعتِ الواوُ والياءُ بعْدَ ألِفٍ زائِدةٍ في اسمٍ مُفْرَدٍ مُوافِقٍ لـ(مَفَاعِل) في الحَرَكاتِ والسَّكَناتِ، فمَذْهبُ
سِيبَوَيهِ: أنْ يجريَ ذلك مَجرَى الجَمْعِ لأنَّه شَبيهٌ بِه، وهُو الرَّاجحُ، ومَذْهبُ
الزَّجاجِ والأخْفَشِ: لا يَجوزُ إبْدالُ الواوِ هَمْزةً؛ لأنَّ الاسمَ مُفْرَدٌ، والإبْدالُ ثابِتٌ في الجَمْعِ، فتقولُ في (فَواعِل) مِنَ القُوَّةِ على مَذْهبِ
سِيبَوَيهِ: قَوَاءٍ، وعلى مَذْهبِ
الزَّجاجِ: قَوَاوٍ
[1600] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 225)، ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 94، 95). .
وتُقلَبُ الواوُ هَمْزةً وُجوبًا في مَسألةٍ خاصَّةٍ بِالواوِ:إذا اجْتمَعَ واوانِ وكانتِ الأُوْلى منهما مُصدَّرةً (في أوَّلِ الكَلِمةِ)، والثَّانيةُ منهما:
- إمَّا مُتَحرِّكةٌ، مِثْلُ: (وَوَاصِل).
- أو سَاكِنةٌ مُتأصِّلةُ الواويَّةِ، (الوُوْلى) مُؤَنَّثُ الأوَّلِ.
فإنَّ الواوَ الأُوْلى تُبدَلُ هَمْزةً على جِهةِ اللُّزومِ؛ تقولُ: أَوَاصِلُ، والأُولى.
ولا تُقلَبُ الواوُ في، مِثْلُ: وُوْفِيَ، وُوْرِيَ؛ لأنَّ الواوَ الثَّانيةَ ساكِنةٌ لكنَّها ليست مُتأصِّلَةَ الواويَّةِ؛ لأنَّها مُنقلِبةٌ عن ألِفٍ زائِدةٍ (وافى، وارى)
[1601] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 698، 699). .
وتَختصُّ الواوُ بِموضِعَين آخَرَين تُقلَبُ فيهما الواوُ هَمْزةً جَوازًا، وهذان المَوضِعان هُما:المَوضِعُ الأوَّلُ: إنْ كانتِ الواوُ في كَلِمةٍ مَضْمومةٍ ضَمًّا لازِمًا
[1602] الضَّمُّ اللازمُ بخلافِ الضَّمِّ العارِضِ، فالضَّمُّ العارِضُ هو الضَّمَّةُ الَّتي لالتقاءِ السَّاكِنينِ؛ مثل: اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ [البقرة: 16] ، وضَمَّةُ الإعرابِ ضَمَّةٌ عارضةٌ أيضًا، فلا تُبدَلُ الواوُ في شيءٍ من ذلك. يُنظر: ((الشرح الملوكي)) لابن يعيش (ص: 271). ، مِثْلُ: وُجُوه، ووُعِدَ؛ تقولُ: أُجُوه، وأُعِدَ، وفي جَمْعِ نارٍ: أنْؤُر، ودار: أدْؤُر، وثَوب: أثْؤُب، بِشرطِ:
- أنْ تكونَ الضَّمَّةُ لازِمةً غيرَ عارِضةٍ، فإنْ كانتْ ضمَّةً عارِضةً للإعرابِ، مِثْلُ: هذا غَزْوٌ، أو لالْتقاءِ السَّاكِنينِ، مِثْلُ:
اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ [البَقَرة: 16] ، فلا تُقلَبُ هَمْزةً.
- وألَّا تكونَ الواوُ غيرَ مُشدَّدةٍ، مِثْلُ: تَعوُّذَ، فلا يَجوزُ قَلْبُ الواوِ هَمْزةً.
- وألَّا تكونَ الواوُ مَوْصوفةً بِما يُوجِبُ إعْلالَها
[1603] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 221 - 223). .
المَوضِعُ الثَّاني: إنْ كانتِ الواوُ مَكْسورةً فإنَّها تُبدَلُ هَمْزةً إنْ كانتِ الواوُ في أوَّلِ الكَلِمةِ فقطْ، يقولون في: وِسَادَة: إِسادَة، وقُرِئ قولُه تعالى:
ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ [يوسف: 76] : (إِعَاءِ)، وفي وِفَادة: إِفادَة، وأنشَد
سِيبَوَيهِ لِابنِ مُقْبِلٍ: البَسيط
أمَّا الإِفادةُ فاسْتولَتْ ركائِبُنا
عِندَ الجَبابيرِ بِالبأساءِ والنَّعَمِ
[1604] الإفادة: الوِفادةُ، وهي الوفودُ على السُّلطانِ، واستولت: رجَعَت، والجبابيرُ: مُفْرَدها الجبَّار، وهو المَلِكُ، يقول: إنَّنا نَفِدُ على السَّلاطينِ؛ فتارةً ننالُ من إنعامِهم، وتارةً نرجِعُ خائبينَ. ينظر: ((شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية)) لمحمد شراب (3/ 189). [1605] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 332). وقَلْبُ الواوِ المُصَدَّرةِ المَكْسورةِ هَمْزةً، وإنْ كان قد ورَد بِكَثْرةٍ عنِ العَربِ، غيرَ أنَّه أضْعفُ في القِياسِ وأقَلُّ في الاسْتعمالِ مِن همْزِ الواوِ إذا كانت مَضْمومةً، والبعضُ يَقْصُرُه على السَّماعِ، والجُمْهورُ على أنَّه مُطَّرِدٌ
[1606] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 331)، ((الشرح الملوكي)) لابن يعيش (ص: 274، 275)، ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 221، 222)، ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 93). .
تَنبيهٌ: إنْ كانتِ الواوُ مُصَدَّرةً مَفْتوحةً، فلا تُقلَبُ هَمْزةً إلَّا فيما ورَد بِه السَّماعُ
[1607] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 331). ، مِثْلُ: أجَم في وَجَم، وأَحَد في وَحَد، في أحَدَ عَشَرَ، وأحَدٍ وعِشْرينَ، ونحوِ ذلك مِنَ الأعْدادِ، أمَّا قولُهم: ما بِالدَّارِ أحَدٌ، فالهَمْزةُ هُنا أصْليَّةٌ؛ لأنَّها لِلعُمومِ لا لِلإفْرادِ، وامرأةٌ أناةٌ: وَنَاةٌ مِن الوَنْي وهُو الفُتورُ، وأسْماء في وَسْماء، مِنَ الوَسامَةِ
[1608] يُنظر: ((الشرح الملوكي)) لابن يعيش (ص: 276). .
وتَختصُّ الياءُ بِمَوضِعٍ تُقلَبُ فيه جَوازًا:تُقلَبُ الياءُ المَكْسورةُ الواقِعةُ بينَ ألِفٍ وياءِ النَّسَبِ هَمْزةً جَوازًا، فإذا قُلْتَ في النَّسَبِ إلى رايةٍ وغايةٍ: رايِيٌّ، وغايِيٌّ، فإنَّه يَجوزُ فيه الإبْدالُ؛ تقولُ: رائِيٌّ وغائِيٌّ بِالهَمْزة، وذلك فِرارًا مِنِ اجْتِماعِ الياءاتِ
[1609] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (1/ 259). .