المَبْحَثُ الثَّاني عشَرَ: التَّسْبيغُ أو تَشابُهُ الأطْرافِ
وهُو في الشِّعرِ: "أنَ يُعيدَ النَّاظِمُ قافيةَ البيتِ في أوَّلِ البيتِ الَّذي يَليه"، وفي النَّثرِ: "أنْ يُعيدُ النَّاثِرُ سَجْعةَ القَرينةِ الأُولى في أوَّلِ القَرينةِ الَّتي تَليها".
ومنه في القُرآنِ قولُه تعالى:
اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ [النور: 35] ؛ حيثُ ورَدت في نِهايةِ الجُملةِ الثَّانيةِ:
مِصْبَاحٌ، ثمَّ بدَأ بها في أوَّلِ الجُملةِ بعدَها، فقال:
الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ، ونِهايةُ هذه الجُملةِ
زُجَاجَةٍ جاءت في أوَّلِ الجُملةِ بعدَها فقال:
الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ.
وقولُه تعالى:
وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاس لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم: 6-7] ؛ ففاصِلةُ الآيةِ الأُولى:
يَعْلَمُونَ تَكرَّرتْ في أوَّلِ الآيةِ الَّتي بعدَها.
ومنه في الشِّعرِ قولُ ليلى الأخْيَليَّةِ في مدْحِ
الحجَّاجِ: الطويل
إذا نزَل
الحَجَّاجُ أرْضًا مَريضَةً
تَتبَّعَ أقْصى دائِها فشَفاها
شَفاها مِنَ الدَّاءِ العُضالِ الَّذي بِها
غُلامٌ إذا هزَّ القَناةَ سَقاها
سَقاها فروَّاها بشِرْبٍ سِجالُه
دِماءُ رِجالٍ يَحلُبون صَراها
فوقَعتْ كَلمةُ "شَفاها" قافِيةً للبيتِ الأوَّلِ، فتَكرَّرتْ في أوَّلِ البيتِ الثَّاني، ثمَّ كانت قافِيةُ البيتِ الثَّاني: "سقاها"، وهِي ما اسْتَهلَّتْ به الشَّاعِرةُ بيتَها الثَّالثَ.
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: الطويل
رمَتْني وسِتْرُ اللهِ بيني وبينَها
عَشيَّةَ آرامِ الكِناسِ رَميمُ
رَميمُ الَّتي قالت لجِيرانِ بيتِها
ضَمِنْتُ لكم ألَّا يَزالَ يَهيمُ
فكرَّر كَلمةَ "رَميم" في قافِيةِ البيتِ الأوَّلِ وبِدايةِ البيتِ الثَّاني.
وذهَب
أبو نُواسٍ إلى ما هو فوقَ هذا؛ حيثُ كرَّر قافِيةَ الصَّدْرِ في أوَّلِ العجُزِ، ثمَّ كرَّر قافِيةَ البيتِ في أوَّلِ البيتِ بعدَه فقال: المتقارب
خُزيْمةُ خيْرُ بَني خازِمِ
وخازِمُ خيْرُ بَني دارِمِ
ودارِمُ خيْرُ قُريْشٍ وما
مِثالُ تَميمٍ بَنو آدَمِ
فكَلمةُ "خازِم" وقَعتْ في آخِرِ صدْرِ البيتِ الأوَّلِ وأوَّلِ عجُزِه، وكَلمةُ "دارِم" في قافِيةِ البيتِ الأوَّلِ وأوَّلِ البيتِ الثَّاني
[489] ينظر: ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (7/ 181)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 321). .