الفُوناتيك Phonetics هو عِلمُ أصواتِ الكلامِ، والفُونولوجيا Phonology علمُ أصواتِ اللُّغةِ (لغةٍ بعَينِها)، والأوَّلُ أقرَبُ إلى علومِ الطَّبيعةِ منه إلى عِلمِ اللُّغةِ، إنَّه عندَهم ليس فرعًا من عِلمِ اللُّغةِ، إنَّه شيءٌ ثانويٌّ، ليس هدفًا في حَدِّ ذاتِه، وإن كان وسيلةً من وسائِلِ دراسةِ الأصواتِ على مستوى الفُنولوجيا. ولكِنَّ هذا الأخيرَ جزءٌ لا يتجَزَّأُ من عِلمِ اللُّغةِ "الفُوناتيك" إذَنْ عندَ هذه المدرسةِ -يقصِدُ مدرسةَ براج. وظيفتُه دراسةُ الأصواتِ المنطوقةِ بالفِعلِ في الكلامِ، فينظُرُ في حركاتِ أعضاءِ النُّطقِ وأوضاعِها، كما يلاحِظُ الذَّبذباتِ الهوائيَّةَ الناتجةَ مباشَرةً عن هذه الحرَكاتِ والأوضاعِ. أمَّا الفونولوجيا فلا يهتَمُّ بالأصواتِ بهذا الوَصفِ، وإنَّما عليه أن يَدرُسَ الفونيماتِ، وهي العناصِرُ المكَوِّنةُ للمعنى اللُّغَويِّ، وهي عناصِرُ غيرُ مادِّيَّةٍ، إنَّها عناصِرُ عقليَّةٌ، ويكونُ تحقيقُها المادِّيُّ بوساطةِ الصَّوتِ الفِعليِّ أو النُّطقِ [385] يُنظَر: ((علم الأصوات)) لكمال بشر (ص65-69). .
الفوناتيك: Phonetics والفونولوجيا: Phonology يَبحَثُ كِلاهما في أصْواتِ اللُّغةِ، وإنِ اخْتَلفتْ أساليبُ البَحْثِ وجَوانِبُه في كلٍّ منْهما، ومُصْطلَحُ الفوناتيك يَعْني دِراسةَ الأصْواتِ المَنْطوقةِ دون النَّظرِ إلى قِيمِ هذه الأصْواتِ ومَعانيها في اللُّغةِ المُعيَّنةِ، أمَّا مُصْطلَحُ الفونولوجيا فهو يَبحَثُ عنِ الأصْواتِ مِن حيثُ وَظائِفُها في اللُّغةِ، ومِن حيثُ إخْضاعُ المادَّةِ الصَّوتيَّةِ للتَقْعيدِ.
ومِثالُ ذلك في الأصْواتِ العَربيَّةِ حَرْفُ الكافِ؛ فهو يُوصَفُ بأنَّه مِن أقْصى الحَنَكِ مَهْموسٌ، لكنَّ نُطْقَه يَخْتلِفُ اخْتِلافًا دَقيقًا باخْتِلافِ ما يُجاوِرُه مِن حَرَكاتٍ، وهذا الصَّوتُ المَهْموسُ قد يُجهَرُ أحْيانًا في بعضِ المَواقِعِ، مِثلُ كَلِمةِ (أكْبَر) في الكَلامِ غيرِ المُتأنِّي، أو كما هو في اللَّهْجةِ القاهِريَّةِ؛ حيثُ يَقْترِبُ مِنَ الجِيمِ (g)، وهذه الفُروقُ نُطْقيَّةٌ مَحْضةٌ لا تَرتَبطُ بوَظائِفِ الأصْواتِ، أمَّا الاخْتِلافُ الَّذي يُؤدِّي إلى اخْتِلافِ المَعاني، مِثلُ (كال – جال - قال) فهو اخْتِلافٌ في وَظائِفِ الأصْواتِ [386] يُنظَر: ((علم الأصوات)) لكمال بشر (ص65-69). .
وقدِ اخْتَلفتْ وِجهاتُ نَظرِ الغَربيِّين في التَّفريقِ بينَهما، فذهَب بعضُهم إلى أنَّ الفوناتيك خاصٌّ بدِراسةِ أصْواتِ الكَلامِ، وأنَّ الفونولوجيا هو المُختصُّ بأصْواتِ اللُّغةِ، وهذا رأيُ الآخِذين بمَبدَأِ دي سوسير الَّذي يَفصِلُ بَينَ الكَلامِ واللُّغةِ، وفرَّق آخَرون بينَهما تَفْريقًا مَنْهَجيًّا فخَصَّصوا الفوناتيك للدِّراسةِ الوَصْفيَّةِ، والفنولوجيا للدَّرسِ الصَّوتيِّ التَّاريخيِّ [387] يُنظَر: ((علم الأصوات)) لكمال بشر (ص10). .
وخَلَصَ الدُّكتورُ كمالُ بِشْرٍ إلى أنَّ الفوناتيك والوفنولوجيا خُطوتانِ مِن خُطُواتِ البَحْثِ اللُّغويِّ، كِلاهما مُرْتبِطٌ بصاحِبِه، وهما معًا يُكوِّنان مُسْتوًى مُهمًّا مِن مُسْتويات علمِ اللُّغةِ، ويُكوِّنان جُزءًا لا يَتجزَّأُ مِن عِلمِ اللُّغةِ؛ لأنَّ مادَّتَهما واحِدةٌ، وهي أصْواتُ اللُّغةِ، وهَدَفَهما واحِدٌ، وهو دِراسةُ هذه الأصْواتِ، والفَرْقُ بينَهما في المَنهَجِ والطَّريقةِ؛ ومِن ثَمَّ لا يَجوزُ الفَصْلُ بينَهما، أو عَزْلُ أحدِهما عنِ الآخَرِ [388] يُنظَر: ((علم الأصوات)) لكمال بشر (ص113). .
وأشارَ الدُّكتورُ مَحْمودُ السَّعرانِ أيضًا إلى هذا التَّكامُلِ بَينَ هذين النَّوعَين مِنَ الدِّراسةِ تحت مُسمَّى (عِلمِ الأصْواتِ اللُّغويَّةِ) [389] يُنظَر: ((علم اللغة مقدمة للقارئ العَربي)) لمحمود السعران (ص210). .