الفَرعُ الثَّالِثُ: مواضِعُ حَذفِ همزةِ الوَصلِ
تُحذَفُ همزةُ الوصلِ في المواطِنِ الآتيةِ:1- تُحذَفُ مِن كَلِمةِ (اسم) في البَسملةِ الكامِلةِ (بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ)، أمَّا في غيرِها مِثل: (باسمِ اللهِ)، أو (باسمك اللَّهمَّ)، أو (باسمِ ربِّك)؛ فلا تُحذَفُ
[8] يُنظَر: ((المطالع النصرية)) للهوريني (ص: 104، 340، 341). .
2- تُحذَفُ من الأسماءِ والأفعالِ إذا جاء قبْلَها همزةُ استفهامٍ، مثل: (أَبْنُكَ محمدٌ أم أحمدُ؟)،
أَطَّلَعَ الْغَيْبَ [مريم: 78] ،
أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ [الصافات: 153] .
3- تُحذَفُ مِن (أل) بعْدَ: لام الابتداء
[9] هي لامٌ مفتوحةٌ تدخل على المبتدأ لتأكيدِ الجملةِ. ، واللَّام المزحْلَقة
[10] اللامُ المزحْلَقةُ: هي لامُ الابتداءِ، لكنها تَزحْلَقَت (تحرَّكت)، ودخَلَت على الخبر. ، ولام الجَرِّ، مثل: لَلصِّدْقُ مَنْجاةٌ ولَلْكَذِبُ هَلاكٌ، وإنَّ الإسلامَ لَلأمْرُ الحقُّ، و
لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [الروم: 4] .
4- إذا دخلت الواوُ أو الفاءُ على فِعلٍ يَبتدئُ بهمزةِ وصْلٍ بعْدَها هَمزةٌ ساكنةٌ هي عَينُ الفِعل، مثل: (اؤمُرْ: وأْمُرْ، فأْمُرْ بالمعروفِ - ائْتِ: وَأْتِ، فَأْتِ الكريمَ تَنَلْ مِن خيرِه)
[11] يُنظَر: ((قواعد الإملاء)) مجمع دمشق (ص: 3). .
5- الكلامُ على همزةِ الوَصل ِمِن كَلِمةِ (ابن):
تُحذَف همزةُ الوصلِ من كَلِمة (ابن) بثلاثة شُروطٍ: إذا جاءت صِفةً، مُفرَدةً، بيْن عَلَمَيْن الثَّاني أبٌ للأول، مثل: إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ أبو العرَبِ، محمَّدُ بنُ عبْدِ الله خاتمُ الأنبياءِ، عبدُ الرحمنِ بنُ أبي بَكرٍ صَحابيٌّ جَليلٌ، عبدُ اللهِ بنُ الفاروقِ فارسٌ مِغْوارٌ.
ويُقصَد بالعَلَم هنا العَلَمُ المفرَد، والعلم المركَّب، والكُنية، واللَّقَب، كما في الأمثلةِ السَّابقةِ.
وتُثبَت ألِفُ الوصلِ في كَلِمةِ (ابن) -ولو كانت بيْن علَمين- في الحالات الآتية:
إذا كانت (ابن) خَبرًا عن العَلَم الذي قبلها، مثل:
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ [التوبة: 30] ، وفي الآيةِ عِلَّةٌ أُخرى، وهي أنَّ الثانيَ ليس أبًا للأوَّل؛ فاللهُ سُبحانَه ليس أبًا لعُزيرٍ ولا لعِيسى عليه السَّلامُ، و(إنَّ خالدًا ابنُ الوليدِ)، و(هل تَيمٌ ابنُ مُرَّةَ؟).
- أو فُصِل بينها وبين العَلَم بفاصلٍ؛ كقولك: زيدٌ الفاضلُ ابنُ عمرو.
- أو جاءت مُثنًّى، مثل: الحسنُ والحسينُ ابْنَا علِيٍّ سيِّدَا شبابِ أهلِ الجنَّةِ.
- أو جاءت في أوَّلِ السَّطرِ.
- واختُلِف في إثباتِ ألفِ (ابن) إذا نُسِبَ الأوَّلُ إلى جدِّه أو أمِّه.
فمِثالُ المنسوبِ إلى جدِّه: محمدُ بنُ (ابنُ) عبدِ المطَّلِبِ؛ فأبو النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اسمُه عبدُ اللهِ، و
محمَّدُ، بنُ (ابنُ) شهابٍ الزُّهْرِيُّ، فأبوه اسمُه مسلمٌ، وشِهابٌ جَدُّه. و
أحمدُ بنُ (ابنُ) حَجَرٍ العَسْقَلانيُّ، فأبوه اسمُه عليُّ بنُ محمَّدِ بنِ حَجَر.
ومثالُ المنسوبِ إلى أمِّه: عيسى بنُ (ابنُ) مريمَ، وعبدُ اللهِ بنُ (ابنُ) أُمِّ مَكْتُومٍ، و
محمَّدُ بنُ (ابنُ) الحَنَفيَّةِ، وإسماعيلُ بنُ (ابنُ) عُلَيَّةَ، والرمَّاحُ بنُ (ابنُ) ميَّادةَ، ومُعاذُ بنُ (ابنُ) عَفْراء.
قال الهوريني: «كُلُّ مَن نُسِب إلى مَن اشتَهَر به من أُمٍّ أَو جدٍّ يُحذَف وُجوبًا تنوينُه لفظًا، وألفُ (ابنٍ) خَطًّا»
[12] ((المطالع النصرية)) للهوريني (ص: 353). . فجعل إثباتَ الهمزةِ أو حَذْفَها مربوطًا بالشُّهرةِ، وهل اشتهر الإنسانُ بهذه التسميةِ أم لا؟
وقال
النوويُّ في
((شرح مسلم)) مبيِّنًا الصوابَ في كتابةِ اسمِ أحَدِ الأعلامِ:
((إنَّ المقدادَ بنَ عمرٍو ابنَ الأسودِ [13] المقدادُ بنُ عمرِو بنِ ثَعلبةَ بنِ مالكِ بنِ ربيعةَ، هذا نسَبُه الحقيقيُّ، وكان الأسودُ بنُ عبدِ يغوثَ بنِ وَهبِ بنِ عبدِ مَنافِ بنِ زهرةَ قد تبنَّاه في الجاهليَّةِ؛ فنُسِب إليه وصار به أشهَرَ وأعرَفَ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (2/ 101، 102). ، قد يُغلَطُ في ضَبطِه وقراءتِه، والصوابُ فيه أن يُقرَأ (عمرٍو) مجرورًا منوَّنًا، و(ابنَ الأسودِ) بنَصْبِ النون، ويُكتَب بالألِف؛ لأنه صفةٌ للمقدادِ، وهو منصوبٌ فيُنصَبُ، وليس (ابن) هاهنا واقعًا بين عَلَمَين متناسِلَين؛ فلهذا قلنا: تتعيَّن كتابتُه بالألِف، ولو قُرِئَ (بنِ الأسودِ) بجرِّ (بْن) لفَسَدَ المعنى، وصار (عمرِو بنِ الأسودِ)، وذلك غلطٌ صريحٌ، ولهذا الاسمِ نظائرُ؛ منها: عبدُ اللهِ بنُ عَمرٍو ابنُ أمِّ مكتومٍ ... وعبدُ اللهِ بن أُبَيٍّ ابنُ سَلُولَ، وعبدُ اللهِ بنِ مالكٍ ابنُ بُحَينةَ، ومحمَّدُ بنُ عليٍّ ابنُ الحَنَفيَّةِ، وإسماعيلُ بنُ إبراهيمَ ابنُ عُلَيَّةَ، وإسحاقُ بنُ إبراهيمَ ابنُ راهَوَيهِ، ومحمَّدُ بنُ يَزيدَ ابنُ ماجَهْ؛ فكُلُّ هؤلاء ليس الأبُ فيهم ابنًا لِمَن بعْده، فيتعيَّن أن يُكتَب (ابن) بالألِفِ، وأن يُعرَبَ بإعرابِ الابن المذكور أوَّلًا؛ فأمُّ مكتومٍ زوجةُ عمرٍو، وسَلولُ زَوجةُ أُبَيٍّ ... وبُحينةُ زَوجةُ مالكٍ، وأمُّ عبدِ اللهِ، وكذلك الحَنَفية زوجةُ علِيٍّ رضي الله عنه، وعُلَيَّةُ زوجةُ إبراهيمَ، وراهوَيْه هو إبراهيمُ والدُ إسحاقَ، وكذلك ماجه هو يَزيدُ؛ فهما لَقَبانِ. واللهُ أعلَمُ. ومرادُهم في هذا كُلِّه تعريفُ الشَّخصِ بوصْفَيه؛ ليَكمُل تعريفُه؛ فقد يكونُ الإنسانُ عارفًا بأحَدِ وصْفَيه دونَ الآخَرِ، فيَجمَعون بينهما ليَتِمَّ التعريفُ لكُلِّ أحدٍ)) [14] ((شرح النووي على مسلم)) (2/ 102، 103). .
وإذا جاءت (ابن) بعد (يا) النداءِ يجوزُ فيها الإثباتُ والحَذفُ، مثل: (يا بْنَ الأكرمِينَ، يا ابْنَ...).
ملحوظةٌ: كَلِمةُ (ابنة) فيها رأيانِ: أن تكونَ مِثلَ (ابن) في إثباتِ الهمزةِ وحذْفِها، أو أن تَثبُت الألِفُ دائمًا
[15] يُنظَر: ((المطالع النصرية)) للهوريني (ص: 346). .