المسألة الأولى: الطَّلَبُ
إذا تقدَّم فعلٌ يدُلُّ على الطَّلَبِ من أمرٍ، أو نهيٍ، أو استفهامٍ، أو نحوِ ذلك، ثم جاء بَعْدَه فعلٌ غيرُ مُقترِنٍ بالفاءِ، مقْصودٌ به الجزاءُ؛ فإنه يُجزَمُ بذلك الطَّلَبِ؛ تَقولُ: زُرْني أزرْك، ليتَك تزورُنا نكرِمْك، هلَّا أتيتَنا تُحَدِّثْنا.
مثالٌ إعرابيٌّ: لا تقتربْ من الأسَدِ تسْلَمْ.
لا: حرف نهي مَبْنيٌّ على السُّكونِ.
تقترب: فِعلٌ مُضارعٌ مجزوم بـ(لا) الناهيةِ، وعَلامةُ جزمِه السُّكونُ.
من: حَرفُ جَرٍّ مَبْنيٌّ على السُّكونِ.
الأسَدِ: اسمٌ مَجرورٌ بـ(من)، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
تَسلَمْ: فِعلٌ مُضارعٌ مجزومٌ في جوابِ الطَّلَبِ، وعَلامةُ جَزمِه السُّكونُ.
ومنه قَولُه تعالى:
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ [الأنعام: 151] ؛ فالفِعْل (أتلُ) مجزومٌ في جوابِ فِعلِ أمرٍ، وعَلامةُ جزمِه حَذفُ حَرفِ العِلَّةِ.
ومنه قَولُ امرئِ القَيسِ:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ
بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
فجزم الفِعْل "نبكِ" في جَوابِ فِعلِ الأمرِ "قِفا".
ويُشترَطُ في الفِعْلِ أن يكونَ المرادُ منه الجزاءَ، فإن أُريد غيرُ الجزاءِ لم يُجزَمِ الفِعْلُ، كقَولِه تعالى:
فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى [طه: 77] ؛ فإنَّ الفِعْلَ "تخافُ" لم يُجزَم هنا؛ لأنَّ المرادَ منه الدَّلالةُ على الحالِ، أو استئنافِ الكلامِ بَعْدَه، فلم يُرَدْ به الجزاءُ، وقدْ قرأها
حمزةُ وحْدَه بالجَزمِ على إرادةِ الجزاءِ
يُنظَر: ((السبعة في القراءات)) لابن مجاهد (ص: 421)، ((الحجة في القراءات السبع)) لابن خالويه (ص: 245). .
ويجوزُ أيضًا أن يكونَ الطَّلَبُ بغيرِ الفِعْلِ، وهو أن يكونَ باسمٍ دلَّ على معنى الطَّلَبِ، كأسماءِ الأفعالِ، أو كان بفعلٍ في معنى الطَّلَبِ، وإن كان لا يجوزُ النَّصبُ فيها مع الفاءِ لِما قُلْنا من اشتراطِ الطَّلَبِ المحضِ بلَفظِ الفِعْلِ؛ فتَقولُ: حسْبُك يَنَمِ النَّاسُ، ونَزَالِ أنْزِلْ معك، وإن لم يجُزْ: حسْبُك فيَنامَ النَّاسُ، ونَزَالِ فأنزلَ معك.
ومنه قَولُه تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [الصف: 10 - 12] ، فجزم الفِعْلَ (يَغفِرْ) لوُقوعِه جوابًا لـ(تؤمِنون)، وهو مضارعٌ في معنى الأمرِ، أي: آمِنوا وجاهِدوا يَغفِرْ.
ويُشترَطُ في النَّهيِ الذي يَجزِمُ جَوابَ الطَّلَبِ أن يكونَ الشَّرْطُ المقدَّرُ مُوافِقًا للمطلوبِ، فيَصِح أن يَدُلَّ عليه.
وعلامةُ ذلك أن يَصِحَّ المعنى بتقديرِ دُخولِ (إنْ) على (لا) نحو: لا تقترِبْ من الأسَدِ تسْلَمْ؛ فللنَّهيِ هنا جَوابٌ مجزومٌ؛ لأنَّ المعنى يصِحُّ بقولك: إنْ لا تقتَرِبْ من الأسَدِ تسْلَمْ، بخلافِ قولِك: لا تقتَرِبْ من الأسدِ يأكُلُك، فإن الجزمَ فيه ممتنعٌ؛ لعدمِ صِحَّة المعنى بقولك: إنْ لا تَدْنُ من الأسَدِ يأكُلْك
يُنظَر: ((شرح ألفية ابن مالك)) لابن الناظم (ص: 486)، ((توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك)) للمرادي (3/ 1256). .