المسألةُ الثالثةُ: (لا) الطَّلَبيَّةُ النَّاهية
وهي التي تدخُلُ على الفِعْلِ المضارعِ لغَرَضِ الدُّعاءِ أو الالتماسِ أو النَّهيِ
يُراد بها الدُّعاءُ إذا كانت الطَّالِبُ أقَلَّ درجةً من المطلوبِ منه، والالتماسُ إذا كان الطَّالِبُ مساويًا للمطلوبِ منه، والنَّهيُ إذا كان الطَّالِبُ أعلى درجةً من المطلوبِ منه. ، مِثالُ الأوَّلِ قولُه تعالى:
رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286] ، وتَقولُ: اللَّهُمَّ لا تعذِّبْنا بذُنوبِنا، ومِثالُ الثَّاني قولُ الصَّدِيق لصَدِيقِه: لا تُهمِلْ دُروسَك، ومِثالُ الثَّالِثِ قولُ الأبِ لابنِه: لا تَضرِبْ أخاك، ومنه قَولُه تعالى:
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء: 36] .
مثالٌ إعرابيٌّ:قَولُه تعالى:
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا [الإسراء: 37] .
لا: حرفُ نَهيٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ.
تمشِ: فِعلٌ مُضارعٌ مجزومٌ بـ(لا)، وعَلامةُ جَزمِه حَذفُ حَرفِ العِلَّةِ.
في: حَرفُ جَرٍّ مَبْنيٌّ على السُّكونِ.
الأرضِ: اسمٌ مَجرورٌ بـ(في)، وعَلامةُ جَرِّه الكسرةُ.
مرحًا: حالٌ منصوبةٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفتحةُ.
وتَدخُلُ على الفِعْل المضارعِ المُسنَدِ للمُخاطَبِ كما في الأمثِلةِ السَّابقةِ كثيرًا، ويَكثُرُ كذلك دخولُها على المُسنَدِ للغائِبِ، كقَولِه تعالى:
لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران: 28] ، وقَولِه تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ [الحجرات: 11] ، وتَقولُ: لا يَظلِمْ أحدٌ غَيرَه.
وتَدخُلُ على المضارعِ المُسنَدِ للمُخاطَبِ قليلًا، سواءٌ كان الفِعْلُ مَبْنيًّا للمفعولِ، نحْوُ قولِك: لا أُخْرَجْ ولا نُخْرَجْ، على البناءِ للمَجهولِ؛ لأنَّ النَّهيَ غيرُ واقعٍ على المتكلِّمِ حقيقةً، وإنما المعنى: لا يُخرِجني أو لا يُخرِجنا أحدٌ.
وتَدخُلُ على الفِعْل المُسنَدِ للمُتكَلِّمِ المَبْنيِّ للفاعِلِ قليلًا جدًّا، ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
إِذَا مَا خَرَجْنَا مِنْ دِمَشْقَ فَلَا نَعُدْ
لَهَا أَبَدًا مَا دَامَ فِيهَا الْجَرَاضِمُ
وقَولُ غَيرِه:
لَا أَعْرِفَنْ رَبْرَبًا حُورًا مَدَامِعُهَا
مُرَدَّفَاتٍ عَلَى أَحْنَاءِ أَكْوَارِ
فدخلت "لا" هنا على الفِعْلِ المضارع المُسنَد إلى المُتكَلِّمِ، لكنَّها لم تجزِمْه؛ لأنَّه بُني لدُخولِ نونِ التوكيدِ عليه، فهو مَبْنيٌّ في محلِّ جَزمٍ
يُنظَر: ((المساعد على تسهيل الفوائد)) لبهاء الدين ابن عقيل (3/ 126)، ((شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو)) لخالد الأزهري (2/ 393). .