المَبْحَثُ الخامِسُ: مُطابقةُ الفاعِلِ لفِعْلِه من حيثُ التذكيرُ والتأنيثُ
من أحكامِ الفاعِلِ أنَّ عامِلَه -وهو الفِعْلُ أو شِبْهُه- يُؤنَّث ويذكَّر حسَبَ تأنيثِ الفاعِلِ وتذكيرِه، وعَلامةُ تأنيث الفِعْل في الماضي إضافةُ تاءِ التأنيثِ، مِثلُ: كتبَتْ، لَعِبَتْ، حضرَتْ، قامتْ، نامتْ...، أو نونِ النِّسوةِ للجَمعِ؛ كتَبْنَ، لَعِبْنَ، حضَرْنَ، قُمْنَ، نِمْنَ. وعلامةُ تأنيثِ المضارعِ أن يكونَ حَرفُ المضارعةِ تاءً؛ تَقولُ: تَكتُبُ، تَلعَبُ، تَحضُرُ، تَقومُ، تَنامُ...
لكِنَّ تلك المطابقةَ بين الفاعِلِ وفِعْلِه في التذكيرِ والتأنيثِ قد تكونُ واجبةً، وقد تكونُ جائزةً.
وجوبُ تأنيثِ الفِعْلِ:يجبُ تأنيثِ الفِعْلِ في مَوضِعَينِ:
1- إذا كان الفاعِلُ اسمًا ظاهرًا مُؤَنَّثا حقيقيًّا، لم يُفْصَل بينه وبين الفِعْلِ بفاصلٍ.
ومعنى المُؤَنَّثِ الحقيقيِّ هو كُلُّ ما له مُذَكَّرٌ من نوعه، كالمرأةِ والأتانِ وسعاد وفاطمة...، بخلاف المُؤَنَّث المجازيِّ، مِثلُ: الشَّمس، الوَرَقة، السَّاقية، السَّماء، الأرض...
فتَقولُ: جاءت فاطِمةُ، تكتُبُ خديجةُ دُروسَها، انطلقت الأتانُ في المرعى. فهنا وجب تأنيثُ الفِعْلِ؛ لأنَّ الفاعِلَ اسمٌ ظاهِرٌ مُؤَنَّثٌ حقيقيٌّ، ولم يُفصَلْ بينه وبين عامِلِه بفاصلٍ.
2- إذا كان الفاعِلُ ضميرًا مستترًا يعودُ على مُؤَنَّثٍ سابقٍ، سواءٌ أكان حقيقيًّا أم مجازيًّا؛ فتَقولُ: الطالباتُ حَضَرَت الدرْسَ، والسَّماءُ أمْطَرَت، ولا يجوزُ: حضَرَ وأمْطَرَ؛ لأنَّ الفاعِلَ ضميرٌ مُستَتِرٌ يعودُ على المُبتَدَأِ في الجُملتينِ، وهو الطَّالِبات والسَّماء.
جوازُ التأنيثِ والتذكيرِ:وذلك في مواضِعَ:
1- إذا كان بين الفِعْلِ والفاعِلِ المُؤَنَّثِ الحقيقيِّ فاصِلٌ، نَحوُ: زارتْنا اليومَ فاطمةُ، زارنا اليومَ فاطمةُ، أكَلَت الطعامَ هندٌ، أكَلَ الطعامَ هندٌ، فإذا كان الفاصِلُ «إلا»، وكان الفاعِلُ اسمًا ظاهرًا؛ كان الأشهَرُ الأفصحُ التذكيرَ، تَقولُ: ما جاء إلَّا عائشةُ؛ لأنَّها في تأويلِ: ما جاء أحدٌ إلَّا عائشةُ، ويجوز على قِلَّةٍ: ما جاءت إلَّا عائشةُ، وهي لغةٌ ضعيفةٌ أغلبُ ما جاء منها في الشِّعرِ. أمَّا إن كان الفاعِلُ ضميرًا جاز الأمرَان بلا تقديمِ أحَدِ الأمرينِ، تَقولُ: ما قام إلَّا هي، وما قامت إلَّا هي.
2- إذا كان الفاعِلُ مُؤَنَّثًا مجازيًّا، نَحوُ: طلَعَ الشمُس، طلَعَت الشمسُ.
3- إذا كان الفاعِلُ جمعَ تكسيرٍ: حضر الطُّلابُ وغاب الأساتذةُ، حضَرَت الطُّلابُ وغابت الأساتِذةُ.
4- إذا كان الفاعِلُ اسمًا مُؤَنَّثًا حقيقيًّا لكن قُصِدَ منه الجنسُ، تَقولُ: نِعْمَ المرأةُ تَرْعى أولادَها، نِعْمَتِ المرأةُ ترعى أولادَها.
5- إِذا كان الفاعِلُ عاقلًا مُذَكَّرًا مجموعًا بالألِف والتاءِ، تَقولُ: جاءَ الطَّلحاتُ، جاءَت الطَّلحاتُ.
6- إذا كان الفاعِلُ غيرَ عاقلٍ مجْموعًا بالألِفِ والتاءِ، تَقولُ: أغْرَتْني دُرَيهِماتٌ كثيرةٌ، وأغراني دُرَيهِماتٌ كثيرةٌ.
7- إذا كان الفاعِلُ مُلحَقًا بجمعٍ سالمٍ للمُذَكَّر أَو المُؤَنَّث: يقرأُ البَنونِ، تقرأُ البَنونِ، قرأَ البناتُ، قرأَت البناتُ.
8- إذا كان الفاعِلُ من أَسماءِ الجموع، مِثلُ: "قَوم، نِساء"، أو من أسماءِ الأَجناسِ الجَمعيَّةِ
اسمُ الجِنسِ الجَمعيُّ: هو كُلُّ جمع يُفرقُ بينه وبين مُفردِه بزيادةِ تاءِ تأنيثٍ في مُفرَدِه؛ مثل: شَجَر شَجَرة، بَقَر بَقَرة، أو بين جمعِه ومفرَدِه بزيادةِ ياء مُشدَّدةٍ في المفرَدِ؛ مثل: عَرَب عَرَبي، تُرْك تُرْكِي، رُوم رُومِي، أو العكس، مثل: كَمْأة كَمْء. يُنظَر: ((النحو الوافي)) (1/ 21، 22). مثل: "العرب، التُّرك، الرُّوم"، تَقولُ: حضر النساءُ، حضرت النساءُ، يأْبى العَرَبُ الضَّيمَ، تأْبى العَرَبُ الضَّيمَ. ومنه قوله تعالى:
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ [يوسف: 30] ، وقوله سبحانه:
قَالَتِ الْأَعْرَابُ [الحجرات: 14] يُنظَر: ((التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل)) لأبي حيان (6/ 188)، ((توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك)) لأبي حيان (2/ 588). .