المَطلَبُ الخامِسُ: الخَمْريَّاتُ
اعتاد الشُّعَراءُ ذِكرَ مجالِسِ الأحبَّةِ، ووَصفَ الخُمورِ ونحوِ ذلك، وهو أمرٌ لم يترُكْه الشُّعَراءُ العُثمانيُّون، بل تناولوه في شِعْرِهم كذلك، سواءٌ أكان الشَّاعِرُ يَشرَبُ الخَمرَ ويجلِسُ في مجالِسِها أم لا.
فمن ذلك قولُ مَنْجَك باشا
[170] يُنظَر: ((ديوان منجك باشا)) (ص: 227). : الكامل
وافى الرَّبيعُ فما عليك بِعَارِ
خَلعُ العِذارِ ولا ارْتشافُ عُقارِ
صَهباءُ ليس يجوزُ عندي مَزْجُها
إلَّا برِيقَةِ شادِنٍ مِعْطارِ
[171] الصَّهباءُ: الخَمرُ. يُنظَر: ((كتاب الألفاظ)) لابن السكيت (ص: 266). والشَّادِنُ: وَلَدُ الظَّبيةِ إذا استغنى عن أمِّه. يُنظَر: ((المحيط في اللغة)) للصاحب بن عباد (2/159). تَدَعُ الدُّجى صُبْحًا إذا هيَ أُبْرِزَتْ
فكأَنَّما اعْتُصِرتْ من الأنْوارِ
قُم هاتِها حيثُ الهَزَارُ قد اغْتَدى
في الأيْكِ مُنعكِفًا على التَّهْدَارِ
[172] الهَزارُ: العندليبُ، طائرٌ حَسَنُ الصَّوتِ. يُنظَر: ((المصباح المنير)) للفيومي (2/637). والتَّهدارُ: هَديلُ الحَمامِ. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (14/413). طَيرٌ أعاد الغُصنَ جُنْكًا رُكِّبَتْ
أوْتارُه مِن فِضَّةِ الأمْطارِ
[173] الجُنْك: الطُّنْبورُ، آلةٌ من آلاتِ الطَّرَبِ. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (27/100). وتبُثَّه رِيحُ الصَّبا ويَبُثُّها
ذِكْرَ الهوى مِن سالِفِ الأعْصارِ
فانْهَضْ لتغْتَنمَ الشَّبيبةَ قبلَ أن
يَرْمِي المشِيبُ الصَّفْوَ بالأكدارِ
واشرَبْ على وَرْدِ الرُّبى إن لم تَجِدْ
وَرْدَ الخُدودِ لقِلَّةِ الدِّينارِ
وانْصِبْ بفِكركَ في الهوى شَرَكَ المُنى
لوقُوعِ ظِلٍّ أو خَيالٍ سَارِي
هذا ولسْتُ أرى إذا فُقِد الذي
أهْوى جِنانَ الخُلدِ غيرَ النَّارِ
هيْهاتَ ما النَّايُ الرَّخِيمُ ونَشُوةُ الـ
خمرِ القديمِ ونَغْمَةُ الأوْتارِ
وحَنِينُ هيْنَمةِ الرِّياضِ عشِيَّةً
وتراسُلُ الأطْيارِ في الأسْحارِ
[174] الهينَمةُ: صَوتُ الدُّعاءِ الخَفيِّ. يُنظَر: ((العين)) للخليل بن أحمد (4/60). عِنْدي بأحْسَنَ من مُساجَلةِ الأَحِبَّ
ةِ بالصَّبابةِ في سَنا الأقْمارِ
من كلِّ معبودِ الجمالِ مُحَكَّمٍ
فيمَا يَشَا مُسْتَعْبِدِ الأحْرارِ
وقولُ ابنِ معتوقٍ
[175] يُنظَر: ((ديوان ابن معتوق)) (ص: 33). : الكامل
ما الرَّاحُ إلَّا رَوحُ كلِّ حزينِ
فأزِلْ بخَمرتِها خِمارَ البَينِ
واستَجْلِها مثلَ العَروسِ توقَّدَت
بِعُقُودِهَا وَتخلْخَلَتْ بِبُرِينِ
[176] البُرِين: جمع بُرَة: حلقةٌ من ذَهَبٍ وغيرِه تتَّخِذُها المرأةُ في أنفِها للزِّينةِ. يُنظَر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (1/331). واقطِفْ بثَغرِكَ وَرْدَ وَجنتِها على
خدِّ الشَّقيقِ ومَبسَمِ النَّسْرَينِ
[177] الشَّقيقُ: نباتٌ عُشبيٌّ أحمرُ يُعرَفُ بالشَّقارى. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (10/182). والنَّسْرَين: وردٌ أبيضُ طَيِّبُ الرَّائحةِ. يُنظَر: ((المخصص)) لابن سيده (3/266). والثِمْ عقيقةَ مَرشَفَيها راشِفًا
مِنْهَا ثَنَايَا اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ
رُوحٌ إِذَا في فيكَ غَابَتْ شَمْسُهَا
بَزَغَتْ مِنَ الْخَدَّيْنِ والْعَيْنَيْنِ
قَبَسٌ يغالِطُنا الدُّجى رَأْد الضُّحى
فيهَا وَيَصْدُقُ كَاذِبُ الْفَجْرَيْنِ
[178] رَأْد الضُّحى: رائِدُه، إذا انبسَطَت شَمسُه وارتفَع نهارُه. يُنظَر: ((العين)) للخليل بن أحمد (8/62). ما زفَّها السَّاقي بطائِرِ فضَّةٍ
إلَّا وحَلَّق واقِعَ النَّسرينِ
حَاكَتْ زُجاجَةُ كَأْسِهَا الْقِنْدِيلَ إِذْ
مِشكاتُها اتَّقدَت بلا زَيتونِ
تَبْدُو فَيَبْدُو الأُفْقُ خَدَّ عَشِيقَةٍ
وَاللَّيْلُ لِمَّةَ عَاشِقٍ مَفْتُونِ
مَبْنِيَّةٌ بِفَمِ النَّزِيفِ مَذَاقُهَا
كرُضَابِ ليلى في فمِ المجنونِ
[179] الرُّضابُ: ريقُ الفَمِ المرشوفُ. يُنظَر: ((المحكم والمحيط الأعظم)) لابن سيده (8/193). بِكرٌ إذا ما الماءُ أذهَبَ بَرْدَها
صَاغَ الْحَبَابُ لَهَا سِوَارَ لُجَيْنِ
[180] الحَبَاب: فقاقيعُ الماءِ. يُنظَر: ((الصحاح)) للجوهري (1/106). لو كان في حَوضِ الغَمامِ مَحَلُّها
لَجَرى العَقِيقُ مِنَ السَّحَابِ الْجُونِ
[181] الجُون: من المشتَرَكِ اللَّفظيِّ، يأتي بمعنى الأبيضِ والأسوَدِ. يُنظَر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (3/1303). أو لو أُريقَت فوقَ يَذبُلَ جَرعةٌ
منها لأصبَحَ مَعدِنَ الرَّاهونِ
[182] يَذْبُلُ: جبلٌ معروفٌ. يُنظَر: ((معجم متن اللغة)) لأحمد رضا (2/489). وَمُضَارِعٍ لِلْبَدْرِ مَاضٍ لَحْظُهُ
مُتَسَتِّرٌ فيهِ ضَمِيرُ فُنُونِ