الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّالِثُ: حُكمُ الصُّلحِ


الصُّلحُ مَندوبٌ إليه [6] وهو جائزٌ بإجماعِ العُلَماءِ. يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/366)، ((المغني)) لابن قدامة (4/357)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/177)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/390). ، نَصَّ عليه المالِكيَّةُ [7] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/353)، ((منح الجليل)) لعليش (6/136)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/231). ، وهو وَجهٌ عندَ الشَّافِعيَّةِ [8] ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/366). ، وهو قَولُ ابنِ القَيِّمِ [9] قال ابنُ القَيِّمِ: (وقد نَدَبَ اللهُ سُبحانَه وتَعالى إلى الصُّلحِ بَينَ الطَّائِفتَينِ في الدِّماءِ، فقال: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات: 9] ، ونَدَبَ الزَّوجَينِ إلى الصُّلحِ عِندَ التَّنازُعِ في حُقوقِهما، فقال: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء: 128] ، وقال تعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 114] ، وأصلَح النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بَينَ بَني عَمرِو بنِ عَوفٍ لما وقَعَ بَينَهم، ولمَّا تنازَع كَعبُ بنُ مالكٍ وابنُ أبي حَدْرَدٍ في دَينٍ على ابنِ أبي حَدْرَدٍ، أصلَحَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأنِ استَوضَعَ مِن دَينِ كَعبِ الشَّطرَ، وأمَر غَريمَه بقَضاءِ الشَّطرِ). ((إعلام الموقعين)) (1/84). وقال أيضًا: (فإنَّ اللهَ سُبحانَه وتَعالى نَدبَ إلى الإصلاحِ بَينَ النَّاسِ، وأخبَرَ أنَّ الصُّلحَ خَيرٌ، وقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات: 10] ، وقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ تَعالى عليه وآلِه وسَلَّمَ: «الصُّلحُ بَينَ المُسلِمينَ جائِزٌ إلَّا صُلحًا أحَلَّ حَرامًا أو حَرَّمَ حَلالًا»). ((إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان)) (2/26). ، والعَينيِّ مِنَ الحَنَفيَّةِ [10] قال العَينيُّ: (وقَول اللهِ تعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 114]، ... ذَكَرَ هذه الآيةَ في بَيانِ فَضلِ الإصلاحِ بَينَ النَّاسِ، وأنَّ الصُّلحَ أمرٌ مَندوبٌ إليه، وفيه قَطعُ النِّزاعِ والخُصوماتِ). ((عمدة القاري)) (13/265). وقال أيضًا: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات: 9] ... إلى أنَّ الصُّلحَ أمرٌ مَشروعٌ ومَندوبٌ إليه). ((عمدة القاري)) (13/282). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
1- قَولُه تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء: 128] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في هذه الآيةِ بَيانٌ على أنَّ الصُّلحَ نِهايةٌ في الخَيريَّةِ [11] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (20/116). .
2- قَولُه تبارك وتعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 114] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قَولِه: ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ أشارَ بهذه الآيةِ إلى بَيانِ فَضلِ الإصلاحِ بَينَ النَّاسِ، وأنَّ الصُّلحَ مَندوبٌ إليه [12] يُنظر: ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) للقسطلاني (4/416). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((كُلُّ سُلامى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقةٌ كُلَّ يَومِ تَطلُعُ فيه الشَّمسُ؛ يَعدِلُ بَينَ النَّاسِ صَدَقةٌ)) [13] أخرجه البخاري (2707) واللفظ له، ومسلم (1009). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ القَصدَ بالحُكمِ بالعَدلِ هو فصلُ الخُصومةِ، والصُّلحُ فيه فَصلُ الخُصومةِ، أو أنَّ النَّاسَ ليس كُلُّهم حُكَّامًا؛ فالعَدلُ مِنَ الحُكَّامِ الحُكمُ، ومِن غَيرِهمُ الإصلاحُ بَينَ النَّاسِ [14] يُنظر: ((اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح)) لمحمد بن عبد الدائم العسقلاني (8/265). .
ثالثًا: لأنَّ فيه رَفعَ الخُصوماتِ وقَطعَ النِّزاعِ؛ فهو مِن بابِ المَعروفِ الذي نَدَبَ الشَّرعُ إليه [15] يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (13/265). .

انظر أيضا: