الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الأوَّلُ: التَّصَرُّفُ في بَدَلِ الصُّلحِ قَبلَ القَبضِ


لا يَجوزُ التَّصَرُّفُ في بَدَلِ الصُّلحِ المُعَيَّنِ قَبلَ القَبضِ مُطلَقًا، وهو مُقتَضى [187] لَم يَنُصَّ الشَّافِعيَّةُ على الصُّلحِ، وإنَّما نَصُّوا في البَيعِ، لَكِنَّ الصُّلحَ يُعتَبَرُ بَيعًا؛ فما جازَ في البَيعِ يَجوزُ فيه، وما رُدَّ في البَيعِ رُدَّ فيه. يُنظر: ((الأم)) للشافعي (3/232). مَذهَبِ الشَّافِعيَّةِ [188] ((فتح العزيز)) للرافعي (8/414)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (4/414). ، وقَولُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ وزُفَرَ مِنَ الحَنَفيَّةِ [189] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/79)، ((العناية)) للبابرتي (6/512). ، وروايةٌ عن أحمَدَ [190] ((المغني)) لابن قدامة (4/86). ويُنظر: ((حاشية ابن القيم على سنن أبي داود)) (9/277). ، واختاره ابنُ تَيميَّةَ [191] قال ابنُ تيميَّةَ: (مَنِ اشتَرى شَيئًا، لَم يَبِعْه قَبلَ قَبضِه، سَواءٌ المَكيلُ والمَوزونُ وغَيرُهما. وهو رِوايةٌ عَن أحمَدَ اختارَها ابنُ عَقيلٍ، ومَذهَبُ الشَّافِعيِّ، ورُوِيَ عَنِ ابنِ العَبَّاسِ رَضيَ اللهُ عنهما، وسَواءٌ كان المَبيعُ مِن ضَمانِ المُشتَري أو لا، وعلى ذلك تَدُلُّ أُصولُ أحمدَ). ((الفتاوى الكبرى)) (5/391). ، وابنُ القَيِّمِ [192] قال ابنُ القَيِّمِ: (لا يَجوزُ بَيعُ شَيءٍ مِنَ المَبيعاتِ قَبلَ قَبضِه بحالٍ، وهذا مَذهَبُ ابنِ عَبَّاسٍ، ومُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، وهو إحدى الرِّواياتِ عَن أحمَدَ. وهذا القَولُ هو الصَّحيحُ الذي نَختارُه). ((حاشية ابن القيم على سنن أبي داود)) (9/277). ، وابنُ عُثَيمين [193] قال ابنُ عُثَيمين: (كُلُّ مَبيعٍ لا يَجوزُ بَيعُه إلَّا بَعدَ القَبضِ). ((الشرح الممتع)) (8/379). وقال أيضًا: (الصَّحيحُ أنَّ كُلَّ شَيءٍ لا يُباعُ حَتَّى يُقبَضَ). ((الشرح الممتع)) (8/372). .
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
عَن حَكيمِ بنِ حِزامٍ رَضيَ اللهُ عنه قال: ((قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي أشتَري بُيوعًا، فما يَحِلُّ لي مِنها، وما يَحرُمُ عليَّ؟ قال: فإذا اشتَرَيتَ بَيعًا فلا تَبِعْه حَتَّى تَقبِضَه)) [194] أخرجه أحمد (15316) واللفظ له، وابن حبان (4983)، والبيهقي (10997). صحَّحه ابنُ حبان، وابنُ حزم في ((المحلى)) (8/108)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (342)، وصحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (15316)، وجوَّد إسنادَه ابنُ باز في ((مجموع الفتاوى)) (19/115). والحَديثُ رُوِيَ بلَفظِ: ابتَعتُ طَعامًا مِن طَعامِ الصَّدَقةِ، فرَبِحتُ فيه قَبلَ أن أقبِضَه، فأتَيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فذَكَرتُ ذلك له، فقال: ((لا تَبِعْه حَتَّى تَقبِضَه)). أخرجه النسائي (4603) واللفظ له، وابن حبان (4985)، والطبراني (3/197) (3110). صحَّحه ابنُ حبان، وابن حزم في ((المحلى)) (8/108)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (4603)، وصحَّح إسنادَه على شرطِ مسلمٍ: شعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (4985). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قَولَه: ((بَيعًا))، وفي رِوايةٍ ((شَيئًا)) نَكِرةٌ في سياقِ الشَّرطِ، فتُفيدُ العُمومَ [195] يُنظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (3/164)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (8/372). ، والصُّلحُ بَيعٌ، ما جازَ في البَيعِ جازَ فيه، وما رُدَّ في البَيعِ رُدَّ فيه [196]  يُنظر: ((الأم)) للشافعي (3/232). .

انظر أيضا: