الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: حُلولُ الدَّينِ المُؤَجَّلِ إذا ماتَ المَدينُ مُفلِسًا


اختَلف الفُقَهاءُ في حُلولِ الدَّينِ المُؤَجَّلِ إذا ماتَ صاحِبُه مُفلِسًا، على قَولينِ:
القَولُ الأوَّلُ: مَن ماتَ مُفلِسًا حَلَّ الدَّينُ المُؤَجَّلُ بمَوتِه [860] وأمَّا (الدَّائِنُ) فلا يحِلُّ الدَّينُ المُؤجَّلُ بموتِه. ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [861] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/213)، ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (1/212). ، والمالِكيَّةِ -على المشهورِ عِندَهم- [862] اشتَرَطَ المالكيَّةُ شُروطًا لحُلولِ الدَّينِ المُؤَجَّلِ بمَوتِ المُفلسِ، وهي: ألَّا يَشتَرِطَ المُتَدايِنانِ عَدَمَ حُلولِ الدَّينِ بمَوتِ المَدينِ، وألَّا يَكونَ المَدينُ قد قَتَل الدَّائِنَ عَمدًا، وألَّا يَطلُبَ الغُرَماءُ جميعًا بَقاءَ دُيونِهم مُؤَجَّلةً. ((التاج والإكليل)) للمَوَّاق (6/600)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير)) (3/265). ، والشَّافِعيَّةِ [863] ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/147- 208)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (4/459). ويُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (2/124). ، وروايةٌ عن أحمدَ [864] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/299)، ((الإنصاف)) للمرداوي (5/307). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((نَفسُ المُؤمِنِ مُعلَّقةٌ بدَينِه حتَّى يُقضى عنه)) [865] أخرجه الترمذي (1078)، وابن ماجه (2413) واللفظ لهما، وأحمد (9679) باختلاف يسير. صحَّحه يحيى بن مَعين كما في ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (45/73)، وابن حبان في ((صحيحه)) (3061)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (2219)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (3/201)، وابن عبد البر في ((الاستذكار)) (4/101). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّنا لو تَرَكْنا دُيونَهم إلى حُلولِها مَنعْنا المَيِّتَ أن تَبرَأَ ذِمَّتُه [866] يُنظر: ((الأم)) للشافعي (3/216).
ثانيًا: لمَّا كان غُرَماءُ المَيِّتِ أحَقَّ بمالِه في حَياتِه منه، كانوا أحَقَّ بمالِه بَعدَ وفاتِه من ورَثَتِه [867] يُنظر: ((الأم)) للشافعي (3/216).
ثالثًا: لأنَّنا لو تَرَكْنا دُيونَهم إلى حُلولِها مَنَعْنا الوارِثَ أن يَأخُذَ الفَضلَ عن دَينِ غَريمِ أبيه [868] يُنظر: ((الأم)) للشافعي (3/216). .
رابعًا: لخَرابِ ذِمَّةِ المَيِّتِ وتَعَذُّرِ مُطالبَتِه [869] يُنظر: ((لمبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/399). .
خامِسًا: لأنَّ الدَّينَ لا يَنتَقِلُ لذِمَّةِ الورَثةِ؛ لأنَّهم لم يَلتَزِموا به، ولا رَضيَ صاحِبُ الدَّينِ بذِمَمِهم، وهي مُختَلِفةٌ مُتَبايِنةٌ [870] يُنظر: ((لمبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/399). .
القَولُ الثَّاني: مَن ماتَ مُفلِسًا لا يَحِلُّ الدَّينُ المُؤَجَّلُ بمَوتِه إذا وثَّقَ الورَثةُ أو غَيرُهم دَينَه برَهنٍ أو كَفيلٍ مَليءٍ، وإلَّا حَلَّ، وهو مَذهَبُ الحَنابلةِ [871] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/399)، ((الإنصاف)) للمرداوي (5/307). ؛ وذلك لأنَّ الأجَلَ حَقٌّ للمَيِّتِ، فوُرِثَ عنه كَسائِرِ حُقوقِه [872] يُنظر: ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/399). .

انظر أيضا: