الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الخامِسُ: التَّعريفُ بالمُلتَقَطِ في وسائِلِ الاتِّصالِ الحَديثةِ


يجوزُ التَّعريفُ باللُّقَطةِ في وسائِلِ الاتِّصالِ الحَديثةِ، وبه صَدَرَتِ الفتوى مِنَ اللَّجنةِ الدَّائِمةِ للإفتاءِ بالسُّعوديَّةِ [1886] سُئِلتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ بما يَلي: عَرَضَت لنا مُنذُ بَدءِ تَشغيلِ حافِلاتِ الشَّرِكةِ داخِلَ المُدُنِ وفيما بينَ المُدُنِ بالمَملكةِ المَسألةُ التي نوجِزُها فيما يَلي: كثيرًا ما يَسهو بَعضُ الرُّكَّابِ عن مَنقولاتِهم، ومِنها النُّقودُ، ويَترُكونَها بالحافِلاتِ، وقد تَجمَّع لدينا الكثيرُ مِنَ الأشياءِ العائِدةِ للرُّكَّابِ، والتي تَمَّ العُثورُ عليها بالحافِلاتِ، وبَعضُ هذه الأشياءِ عَديمُ القيمةِ، هذا وقد أعَدَّتِ الشَّرِكةُ مَكانًا لحِفظِ الأشياءِ العائِدةِ للرُّكَّابِ والتي عُثِرَ عليها، ورَغمَ مُضيِّ عِدَّةِ أشهُرٍ لم يَتَقَدَّمْ أحَدٌ لتَسَلُّمِها. واقتَرَحَ بَعضُ القائِمينَ على تَشغيلِ الحافِلاتِ عِدَّةَ حُلولٍ لمُعالجةِ هذا الوَضعِ، إلَّا أنَّنا رَأينا عَرضَ المَوضوعِ على فضيلتِكُم لإفادَتِنا بالرَّأيِ عَمَّا يُتَّبعُ بشَأنِ المَنقولاتِ العائِدةِ للرُّكَّابِ، والتي يَتِمُّ العُثورُ عليها بالحافِلاتِ، سَواءٌ كانت نُقودًا أو مَنقولاتٍ مُتَقَوَّمةً أو عَديمةَ القيمةِ. شاكِرينَ ومُقَدِّرينِ لفضيلتِكُم تبصيرَنا بأمورِ شَريعَتِنا الغَرَّاءِ. فأجابَت: (إذا كان ما عُثِرَ عليه بالحافِلاتِ مِن أمتِعةٍ أو نُقودٍ شيئًا له قيمةٌ تَتَعَلَّقُ بمِثلِها النُّفوسُ ويُسأَلُ عنه، وجَبَ تَعريفُها بما تيَسَّرَ مِن وسائِلِ التَّعريفِ، كإعلاناتٍ تُلصَقُ بمَكاتِبِ الشَّرِكةِ وسيَّاراتِها، وكالنِّداءِ عِندَ أبوابِ المَساجِدِ القَريبةِ مِن مَكاتِبِها بَعدَ صَلاةِ الجُمُعةِ، وكالإعلانِ بالإذاعةِ أوِ الصُّحُفِ -إن تيَسَّر ذلك- والتِّليفِزيونِ، فإن جاءَ صاحِبُها وعَرَفها بأوصافِها أُعطِيَها، وإلَّا بيعَت بَعدَ مُضيِّ سَنةٍ، وكان ثَمَنُها مِلكًا للشَّرِكةِ، ولها أن تَتَصَدَّقَ بها في المَشاريعِ الخيريَّةِ، فإن جاءَ صاحِبُها فتُخبرُه الشَّرِكةُ بما فعَلَت، فإن أجازَ وإلَّا دَفَعَت له قيمَتُها. أمَّا ما لا قيمةَ له تَتَعَلَّقُ بها النُّفوسُ فلا يَحتاجُ إلى تَعريفٍ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (15/450). وجاءَ أيضًا في فتوى اللَّجنةِ الدَّائِمةِ: (مَن وجَدَ مَبلغًا مِنَ المالِ ساقِطًا في الشَّارِعِ، فإنَّه يَأخُذُه إن شاءَ، ويُعَرِّفُ على عَلاماتِه الفارِقةِ، ويُنادي عليه في مَجامِعِ النَّاسِ لمُدَّةِ سَنةٍ أو يُعلِنُ عنه في الصُّحُفِ، فإن جاءَ صاحِبُه وذَكرَ عَلاماتِه الفارِقةَ سَلَّمَه له). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية)) (11/229). ، وهو قَولُ ابنِ عُثَيمين [1887] قال ابنُ عُثَيمين: (والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: «عَرِّفْها»، فما دامَ الرَّسولُ أطلقَ فيَرجِعُ إلى العُرفِ، فتُعَرَّفُ في أقرَبِ وسيلةٍ يَحصُلُ بها مَعرِفةُ صاحِبِها، فلو عَرَّفها في الرَّاديو أوِ الصُّحُفِ فهو أبلغُ، لا سيَّما إذا وجَدتَها في طَريقٍ بينَ قَريَتينِ فلا تَدري أينَ تُعَرِّفُها، فأحسَنُ لهذه أن تُعَرَّفَ في الصُّحُفِ، أو في الإذاعةِ). ((شرح رياض الصالحين)) (3/84). .
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
عن زَيدِ بنِ خالدٍ الجُهَنيِّ رَضيَ اللهُ عنه: أنَّ رَجُلًا سَأل رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَنِ اللُّقَطةِ، فقال: ((عَرِّفْها سَنةً، ثُمَّ اعرِفْ وِكاءَها وعِفاصَها، ثُمَّ استَنفِقْ بها، فإن جاءَ رَبُّها فأدِّها إليه. فقال: يا رَسولَ اللهِ، فضالَّةُ الغَنَمِ؟ قال: خُذْها؛ فإنَّما هي لك أو لأخيك أو للذِّئبِ. فقال: يا رَسولَ اللهِ، فضالَّةُ الإبِلِ؟ قال فغَضِبَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى احمَرَّت وجْنَتاه -أوِ احمَرَّ وَجهُه- ثُمَّ قال: ما لك ولها؟ مَعَها حِذاؤُها وسِقاؤُها، حتَّى يَلقاها رَبُّها)) [1888] أخرجه البخاري (2428)، ومسلم (1722) واللفظ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((عَرِّفْها)) أطلقَ التَّعريفَ، فيَرجِعُ إلى العُرفِ، فتُعَرَّفُ في أقرَبِ وسيلةٍ يَحصُلُ بها مَعرِفةُ صاحِبِها، كالصُّحُفِ والإذاعةِ [1889] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (3/84). .

انظر أيضا: