الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّالثُ: تَمَلُّكُ الماءِ المُحرَزِ وبَيعُه


يَجوزُ تَمَلُّكُ الماءِ المُحرَزِ [2455] هو ما حازَه صاحِبُه في آنيةٍ أو ظُروفٍ خاصَّةٍ، كالجِرارِ والصَّهاريجِ، والحياضِ والأنابيبِ، ومِنه مياهُ الشَّرِكاتِ في المُدُنِ المُتَخَصِّصةِ لتَأمينِ ماءِ الدُّورِ. يُنظر: ((الفقه الإسلامي وأدلته)) للزحيلي (6/4661). وبَيعُه بَعدَ حيازَتِه، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [2456] ((المبسوط)) للسرخسي (23/141)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (6/84). ، والمالِكيَّةِ [2457] ((الشرح الكبير)) للدردير (4/72)، ((منح الجليل)) لعليش (8/93). ، والشَّافِعيَّةِ -على الصَّحيحِ- [2458] ((روضة الطالبين)) للنووي (5/304)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/374). ، والحَنابِلةِ [2459] ((المبدع شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/22)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/160). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [2460] قال ابنُ المُنذِرِ: (أمَّا نَهيُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن بَيعِ الماءِ فظاهِرُه ظاهرٌ عامٌّ، والمُرادُ مِنه: مَنعُ بَعضِ المياهِ دونَ بَعضٍ، يَدُلُّ على نَهيِه عن بَيعِ فَضلِ الماءِ، ويَدُلُّ أيضًا على أنَّ ذلك مَعناه: إباحةُ كُلِّ مَن نحفظُ قَولَه مِن عُلماءِ الأمصارِ أن يَبيعَ الرَّجُلُ ما أخَذَه مِن مِثلِ النِّيلِ والفُراتِ في ظَرفٍ بثَمَنٍ مَعلومٍ، وغَيرُ جائِزٍ أن يُجمِعوا على خِلافِ سُنَّةِ رَسولِ اللهِ). ((الإشراف)) (6/47). وقال المازَريُّ: (اعلَمْ أنَّ مِنَ النَّاسِ مَن زَعَمَ أنَّ الإجماعَ قد حَصَل على أنَّ مَن أخَذَ مِن دِجلةَ ماءً في إنائِه، وحازَه دونَ النَّاسِ؛ أنَّ له بَيعَه، إلَّا قَولًا شاذًّا ذُكِرَ في ذلك لا يُعتَدُّ بخِلافِه عِندَه). ((المعلم بفوائد مسلم)) (2/288). وقال ابنُ قُدامةَ: (ما يَحوزُه مِنَ الماءِ في إنائِه، أو يَأخُذُه مِنَ الكَلأِ في حَبلِه، أو يَحوزُه في رَحلِه، أو يَأخُذُه مِنَ المَعادِنِ، فإنَّه يَملِكُه بذلك، بلا خِلافٍ بَينَ أهلِ العِلمِ). ((المغني)) (4/62). وقال ابنُ القَطَّانِ: (لا خِلافَ بَينَ العُلماءِ -إلَّا مَن شَذَّ مِمَّن لا يُعَدُّ خِلافُه خِلافًا- بأنَّ رَجُلًا لوِ اغتَرَف في إناءٍ ماءً مِن دِجلةَ؛ أنَّ له بَيعَه وشُربَه والانتِفاعَ به). ((الإقناع في مسائل الإجماع)) (2/223). وقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (أمَّا بَيعُ الماءِ فالمُسلمونَ مُجمِعونَ على أنَّ الإنسانَ إذا أخَذَ الماءَ مِنَ النِّيلِ مَثَلًا، فقد مَلَكَه، وأنَّ له بَيعَه). ((المفهم)) (4/441). وقال شَمسُ الدِّينِ ابنُ قُدامةَ: (ما يَحوزُه مِنَ الماءِ في إنائِه، أو يَأخُذُه مِنَ الكَلأِ في حَبلِه، أو يَحوزُه في رَحلِه، أو يَأخُذُه مِنَ المَعادِنِ، فإنَّه يَملِكُه بذلك، بلا خِلافٍ بَينَ أهلِ العِلمِ). ((الشرح الكبير)) (4/22). لكِنْ خالف في ذلك بَعضُ الشَّافِعيَّةِ وقالوا: لا يُملَكُ، وخالف أيضًا ابنُ حَزمٍ فقال: لا يُباعُ، ووصَف المازَريُّ وابنُ القَطَّانِ الخِلافَ بأنَّه شاذٌّ، وقال عنه النَّوويُّ: هذا غَلَطٌ ظاهِرٌ. قال النَّوويُّ: (أمَّا إذا أخَذَ الماءَ في إناءٍ مِنَ الماءِ المُباحِ فإنَّه يَملِكُه، هذا هو الصَّوابُ، وقد نَقَل بَعضُهمُ الإجماعَ عليه، وقال بَعضُ أصحابِنا: لا يَملِكُه بَل يَكونُ أخَصَّ به، وهذا غَلَطٌ ظاهِرٌ). ((شرح مسلم)) (10/229)، وقال ابنُ حَزمٍ: (ولا يَحِلُّ بَيعُ الماءِ بوَجهٍ مِنَ الوُجوهِ لا في ساقيةٍ ولا من نَهرٍ أو من عَينٍ، ولا مِن بئرٍ، ولا في بئرٍ، ولا في صِهريجٍ، ولا مَجموعًا في قِربةٍ ولا في إناءٍ). ((المحلى)) (7/488). ويُنظر: ((المعلم بفوائد مسلم)) للمازري (2/288)، ((الإقناع في مسائل الإجماع)) لابن القطان (2/223). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عنِ الزُّبَيرِ بنِ العَوَّامِ، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لأن يَأخُذَ أحَدُكُم أحبُلًا، فيَأخُذَ حُزمةً مِن حَطَبٍ فيَبيعَ، فيَكُفَّ اللهُ به وَجهَه: خَيرٌ مِن أن يَسألَ النَّاسَ، أُعطيَ أم مُنِعَ)) [2461] أخرجه البخاري (2373). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ ما يَحوزُه الشَّخصُ مِنَ المُباحِ فإنَّه يَملِكُه، ومَن مَلَكَ شَيئًا فله أن يَبيعَه [2462] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/62). .
ثانيًا: أنَّه قد جَرَت العادةُ في الأمصارِ وفي سائِرِ الأعصارِ مِن غَيرِ نَكيرِ أحَدٍ ببَيعِ المياهِ المَحروزةِ [2463] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/188)، ((المغني)) لابن قدامة (4/62). .
ثالثًا: لأنَّ المُحرِزَ قد مَلكَه، فخَرَجَ عن كَونِه مُباحًا، كالصَّيدِ إذا أحرَزَه لا يَجوزُ لأحَدٍ أن يَنتَفِعَ به إلَّا بإذنِه [2464] يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/242). .
رابعًا: قياسًا على مَنِ احتَطَبَ لم يَكُنْ لغَيرِه مُزاحَمتُه فيه [2465] يُنظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (5/304). .

انظر أيضا: