الموسوعة الفقهية

المسألةُ الثالثة: كَفَّارةُ القَتلِ الخَطَأِ في الجِنايةِ على الجَنينِ


أولًا: كَفَّارةُ القَتلِ الخَطَأِ في الجِنايةِ على الجَنينِ إذا خَرَجَ حَيًّا
تَجِبُ الكَفَّارةُ على مَن قَتَل جَنينًا خَطَأً إذا خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ ماتَ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء: 92] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الجَنينَ إن كان مِن مُؤمِنَينِ أو أحَدُ أبَوَيه، فهو مَحكومٌ بإيمانِه تَبَعًا، يَرِثُه ورَثَتُه المُؤمِنونَ، ولا يَرِثُ الكافِرُ مِنه شَيئًا، وإن كان مِن أهلِ الذِّمَّةِ فهو مِن قَومٍ بَينَنا وبَينَهم ميثاقٌ [93] ((المغني)) لابن قدامة (8/417). .
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عَبدِ البَرِّ [94] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (أجمَعَ الفُقَهاءُ أنَّ الجَنينَ إذا خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ ماتَ وكانت فيه الدِّيةُ أنَّ فيه الكَفَّارةَ مَعَ الدِّيةِ). ((التمهيد)) (6/486). ، والقُرطُبيُّ [95] قال القُرطُبيُّ: (لا خِلافَ بَينَ العُلماءِ أنَّ الجَنينَ إذا خَرَجَ حَيًّا فيه الكَفَّارةُ مَعَ الدِّيةِ). ((تفسير القرطبي)) (5/323). .
ثالثًا: لأنَّه نَفسٌ مَضمونٌ بالدِّيةِ، فوجَبَت فيه الرَّقَبةُ كالكَبيرِ، وتَركُ ذِكرِ الكَفَّارةِ لا يَمنَعُ وُجوبَها [96] ((المغني)) لابن قدامة (8/417). .
ثانيًا: كَفَّارةُ القَتلِ الخَطَأِ في الجِنايةِ على الجَنينِ إذا خَرَجَ مَيِّتًا
تَجِبُ الكَفَّارةُ في القَتلِ الخَطَأِ في إسقاطِ الجنينِ الذي تَبَيَّن فيه خَلقُ الإنسانِ -وهو ما أتَمَّ أربعةَ أشهُرٍ- دونَ ما سِواه [97] استَحَبَّ المالكيَّةُ الكَفَّارةَ. يُنظر: ((الشرح الكبير)) للدردير (4/287)، ((منح الجليل)) لعليش (9/155). ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ [98] الشَّافِعيَّةُ اشتَرَطوا أن يكونَ الجَنينُ مَضمونًا بغُرَّةٍ، وهو الذي بان فيه شيءٌ مِن صُورةِ الآدَميِّ، إمَّا يَدٌ أو رِجلٌ أو عَينٌ، أو شَهِد أربعُ نِسوةٍ مِن القوابِلِ الثِّقاتِ، وقالوا: فيه تخطيطُ الآدَميِّ، إلَّا أنَّه خَفِي. ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/46)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/539،108). ويُنظر: ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) (11/496)، ((النجم الوهاج شرح المنهاج)) لأبي البقاء الدميري (10/586). ، والحَنابلةِ [99] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (9/26)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/329)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/66). ، وقَولُ طائِفةٍ مِنَ السَّلفِ [100] قال ابنُ قُدامةَ: (إذا ضَرَبَ بَطنَ امرَأةٍ فألقَت جَنينًا مَيِّتًا، فعليه الكَفَّارةُ. وبه قال الحَسَنُ، وعَطاءٌ، والزُّهريُّ، والنَّخعيُّ، والحَكَمُ، وحَمَّادٌ، ومالِكٌ، والشَّافِعيُّ، وإسحاقُ). ((المغني)) (8/515). ، وهو قَولُ ابنِ حَزمٍ [101] قال ابنُ حَزمٍ: (مَن ضَرَبَ حامِلًا فأسقَطَت جَنينًا، فإن كان قَبلَ الأربَعةِ الأشهُرِ قَبلَ تَمامِها، فلا كَفَّارةَ في ذلك، لكِنَّ الغُرَّةَ واجِبةٌ فقَط؛ لأنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَكَم بذلك، ولم يَقتُلْ أحَدًا، لكِن أسقَطَها جَنينًا فقَط. وإذ لم يَقتُلْ أحَدًا -لا خَطَأً ولا عَمدًا- فلا كَفَّارةَ في ذلك؛ إذ لا كَفَّارةَ إلَّا في قَتلِ الخَطَأِ، ولا يُقتَلُ إلَّا ذو رُوحٍ، وهذا لم يُنفَخْ فيه الرُّوحُ بَعدُ. وإن كان بَعدَ تَمامِ الأربَعةِ الأشهُرِ، وتُيُقِّنَت حَرَكَتُه بلا شَكٍّ، وشَهِدَ بذلك أربَعُ قَوابِلَ عُدولٌ، فإنَّ فيه غُرَّةً؛ عَبدٌ أو أمَةٌ فقَط؛ لأنَّه جَنينٌ قُتِل، فهذه هيَ ديَتُه، والكَفَّارةُ واجِبةٌ بعِتقِ رَقَبةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ [النساء: 92] ؛ لأنَّه قَتَل مُؤمِنًا خَطَأً). ((المحلى)) (11/237). ، وابنِ بازٍ [102] سُئِل ابنُ بازٍ عَمَّن شَرِبَتِ الخَلَّ ونَزَل جَنينُها مَيِّتًا، فأجابَ: (يُسأَلُ الأطِبَّاءُ المُختَصُّونَ عن هذا الشَّيءِ، فإذا كانوا يَرَونَ أنَّ شُربَ الخَلِّ يُسقِطُ الجَنينَ، فهذا حُكمُه حُكمُ القَتلِ خَطَأً، فعليها الدِّيةُ والكَفَّارةُ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (22/329). ، وابنِ عُثَيمين [103] قال ابنُ عُثَيمين: (لا شَكَّ أنَّ المَرأةَ الحامِلَ التي صامَت، والصَّومُ يَشُقُّ عليها، أنَّها أخطَأَت، وأنَّها خالفتِ الرُّخصةَ التي رَخَّصَ اللَّهُ لها فيها، وإذا تَبَيَّنَ أنَّ مَوتَ الجَنينِ مِن هذا الفِعلِ فإنَّها تَكونُ ضامِنةً له، ويَجِبُ عليها الكَفَّارةُ أيضًا، وهيَ عِتقُ رَقَبةٍ، فإن لم تَجِدْ فصِيامُ شَهرَينِ مُتَتابعَينِ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/157). ، وبه أفتَت اللَّجنةُ الدَّائِمةُ [104] سُئِلتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ عن حُكمِ مَن تَسَبَّبَت في قَتلِ جَنينِها؟ فأجابَت: (يَجِبُ على هذه المَرأةِ كَفَّارةُ قَتلِ الخَطَأِ؛ لتَسَبُّبِها في قَتلِ جَنينِها خَطَأً، وكَفَّارةُ قَتلِ الخَطَأِ هيَ عِتقُ رَقَبةٍ مُؤمِنةٍ، فإن لم تَجِدْها أو لم تَستَطِعْ فإنَّها تَصومُ شَهرَينِ مُتَتابعَينِ سِتِّينَ يَومًا؛ كَفَّارةً لفِعلِها، وتَبرِئةً لذِمَّتِها). ((فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الأولى)) (21/382). ؛ وذلك لأنَّه آدَميٌّ مَحقونُ الدَّمِ لحُرمَتِه، فضُمِن بالكَفَّارةِ كغَيرِه [105] ((المهذب)) للشيرازي (3/248). .

انظر أيضا: