الموسوعة الفقهية

المَطلبُ الرَّابعُ: هَل القِصاصُ يُكَفِّرُ إثمَ القَتلِ؟


يُكَفِّرُ اللَّهُ إثمَ القَتلِ بالقِصاصِ أوِ العَفوِ بشَرطِ التَّوبةِ [251] قال ابنُ تَيميَّةَ: (فإنَّ حَقَّ المَظلومِ لا يَسقُطُ بمُجَرَّدِ الاستِغفارِ؛ لكِن تُقبَلُ تَوبةُ القاتِلِ وغَيرِه مِنَ الظَّلَمةِ، فيَغفِرُ اللهُ له بالتَّوبةِ الحَقَّ الذي له، وأمَّا حُقوقُ المَظلومينَ فإنَّ اللَّهَ يوفِّيهم إيَّاها إمَّا مِن حَسَناتِ الظَّالمِ، وإمَّا مِن عِندِه). ((مجموع الفتاوى)) (34/173). وقال ابنُ القَيِّمِ: (والتَّحقيقُ في المَسألةِ أنَّ القَتلَ يَتَعَلَّقُ به ثَلاثةُ حُقوقٍ: حَقٌّ للهِ، وحَقٌّ للمَقتولِ، وحَقٌّ للوليِّ، فإذا سَلَّمَ القاتِلُ نَفسَه طَوعًا واختيارًا إلى الوليِّ نَدَمًا على ما فعَل، وخَوفًا مِنَ اللهِ، وتَوبةً نَصوحًا؛ سَقَطَ حَقُّ اللهِ بالتَّوبةِ، وحَقُّ الوليِّ بالاستيفاءِ، أوِ الصُّلحِ أوِ العَفوِ، وبَقيَ حَقُّ المَقتولِ يُعَوِّضُه اللهُ عنه يَومَ القيامةِ عن عَبدِه التَّائِبِ المُحسِنِ، ويُصلحُ بَينَه وبَينَه، فلا يَبطُلُ حَقُّ هذا، ولا تَبطُلُ تَوبةُ هذا). ((الجواب الكافي)) (ص: 147). ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [252] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/3)، ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق للزيلعي)) (3/163). ، والمالِكيَّةِ [253] ((مواهب الجليل)) للحطاب (8/291). ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (12/273). ، والشَّافِعيَّةِ [254] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (8/375)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/2). ، والحَنابِلةِ [255] ((تصحيح الفروع)) للمرداوي (10/195)، ((الإنصاف)) للمرداوي (10/39،252)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/178). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة: 33] ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا [المائدة: 34] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اسمَ الإشارةِ يَعودُ إلى التَّقتيلِ أوِ التَّصليبِ أوِ النَّفيِ؛ فقد جَمَعَ اللَّهُ تعالى بَينَ عَذابِ الدُّنيا والآخِرةِ عليهم، وأسقَطَ عَذابَ الآخِرةِ بالتَّوبةِ، فإنَّ الاستِثناءَ عائِدٌ إليه؛ للإجماعِ على أنَّ التَّوبةَ لا تُسقِطُ الحَدَّ في الدُّنيا [256] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/3). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((... ومَن أصابَ مِن ذلك شَيئًا فعوقِبَ به في الدُّنيا فهو له كَفَّارةٌ ...)) [257] أخرجه البخاري (3892) واللفظ له، ومسلم (1709). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه يَجِبُ حَملُه على ما إذا تابَ في العُقوبةِ؛ لأنَّه هو الظَّاهرُ؛ لأنَّ الظَّاهرَ أنَّ ضَربَه أو رَجمَه يَكونُ مَعَه تَوبةٌ مِنه لذَوقِه مسَبَّبَ فِعلِه، فيُقَيَّدُ به جَمعًا بَينَ الأدِلَّةِ [258] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/3). .
ثالثًا: لأنَّ الكافِرَ تَصِحُّ تَوبَتُه، فالقاتِلُ أَولى [259] ((إعانة الطالبين)) للدمياطي (4/124). .
رابعًا: لأنَّ حَقَّ اللهِ يَسقُطُ بالتَّوبةِ، وحَقُّ الوَرَثةِ بالقِصاصِ أو بالعَفوِ [260] يُنظر: ((إعانة الطالبين)) للدمياطي (4/124). .
خامِسًا: لأنَّ تَوبةَ هذا المُذنِبِ تَسليمُ نَفسِه، ولا يُمكِنُ تَسليمُها إلى المَقتولِ، فأقامَ الشَّارِعُ وَلِيَّه مَقامَه، وجَعَل تَسليمَ النَّفسِ إليه كتَسليمِها إلى المَقتولِ، بمَنزِلةِ تَسليمِ المالِ الذي عليه لوارِثِه؛ فإنَّه يَقومُ مَقامَ تَسليمِه للمُوَرَّثِ [261] ((الجواب الكافي)) لابن القيم (ص 146). .

انظر أيضا: