الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّالثُ: دِيَةُ مَن قَتَل نَفسَه


لا دِيةَ على مَن قَتَل نَفسَه، ويَكونُ هَدرًا، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [870] ((العناية)) للبابرتي (10/231). ، والمالِكيَّةِ [871] ((التاج والإكليل)) للمواق (6/268)، ((كفاية الطالب الرباني مع حاشية العدوي)) (2/308). ، والشَّافِعيَّةِ [872] ((روضة الطالبين)) للنووي (9/362)، ((حاشية الشرواني على تحفة المحتاج)) (9/25). ، والحَنابلةِ [873] ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/13). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [874] قال العِمرانيُّ: (وإن قَتَل الرَّجُلُ نَفسَه أو جَنى على طَرَفِه عَمدًا.. كان ذلك هَدرًا، وهو إجماعٌ). ((البيان)) (11/590). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء: 92] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه لم يَقُلْ: مَن قَتَل نَفسَه خَطَأً، وإنَّما جَعَل العَقلَ فيما أصابَ به إنسانٌ إنسانًا، ولم يَذكُرْ ما أصابَ به نَفسَه [875] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (8/520). .
2- قَولُه تعالى: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء: 92] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أُريدَ بها إذا قَتَل غَيرَه، بدَليلِ قَولِه: وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء: 92] ، وقاتِلُ نَفسِه لا تَجِبُ فيه دِيةٌ، بدَليلِ قَتلِ عامِرِ بنِ الأكوَعِ [876] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (8/515). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن سَلَمةَ بنِ الأكوَعِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((خَرَجنا مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى خَيبَرَ، فسِرنا ليلًا، فقال رَجُلٌ مِنَ القَومِ لعامِرٍ: يا عامِرُ، ألَا تُسمِعُنا مِن هُنَيهاتِك؟ وكان عامِرٌ رَجُلًا شاعِرًا، فنَزَل يَحدو بالقَومِ... فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن هذا السَّائِقُ؟ قالوا: عامِرُ بنُ الأكوَعِ، قال: يَرحَمُه اللهُ! قال رَجُلٌ مِنَ القَومِ: وجَبَت يا نَبيَّ اللهِ، لولا أمتَعتَنا به! فأتَينا خَيبَرَ فحاصَرناهم حتَّى أصابَتنا مَخمَصةٌ شَديدةٌ، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تعالى فتَحَها عليهم، فلمَّا أمسى النَّاسُ مَساءَ اليَومِ الذي فُتِحَت عليهم أوقَدوا نيرانًا كَثيرةً، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما هذه النِّيرانُ؟ على أيِّ شَيءٍ توقِدونَ؟ قالوا: على لحمٍ، قال: على أيِّ لحمٍ؟ قالوا: لحمُ حُمُرِ الإنسيَّةِ، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أهريقوها واكسِروها، قال رَجُلٌ: يا رَسولَ اللهِ، أو نُهريقُها ونَغسِلُها؟ قال: أوْ ذاكَ، فلمَّا تَصافَّ القَومُ كان سَيفُ عامِرٍ قَصيرًا فتَناوَل به ساقَ يَهوديٍّ ليَضرِبَه، ويَرجِعُ ذُبابُ سَيفِه، فأصابَ عَينَ رُكبةِ عامِرٍ، فماتَ مِنه)) [877] أخرجه البخاري (4196) واللفظ له، ومسلم (1802). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه لم يُنقَلْ أنَّ عامِرَ بنَ الأكوَعِ وُدِيَ، ولو وجَبَت لبَيَّنها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولنُقِل ظاهِرًا [878] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/13). .
ثالثًا: لأنَّ الدِّيةَ مِن حُقوقِه، فسَقَطَ عنه [879] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (12/357). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (8/514). .
رابعًا: لأنَّ أَرشَ العَمدِ في مالِ الجاني، والإنسانُ لا يَثبُتُ له مالٌ على نَفسِه [880] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (11/590). .

انظر أيضا: