الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّالثُ: وقتُ أداءِ ديةِ القَتلِ الخَطَأِ


 تُؤَدَّى ديةُ القَتلِ الخَطَأِ في ثَلاثِ سِنينَ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1031] ((المبسوط)) للسرخسي (26/149)، ((الهداية)) للمرغيناني (4/506)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/178). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/256). ، والمالِكيَّةِ [1032] ((التاج والإكليل)) للمواق (6/265)، ((منح الجليل)) لعليش (9/136). ، والشَّافِعيَّةِ [1033] ((روضة الطالبين)) للنووي (9/256)، ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (5/13). ، والحَنابلةِ [1034] ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/5، 6)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/142). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [1035] قال الشَّافِعيُّ: (فالقَتلُ ثَلاثةُ وُجوهٍ: عَمدٌ مَحضٌ، وعَمدٌ خَطَأٌ، وخَطَأٌ مَحضٌ؛ فأمَّا الخَطَأُ فلا اختِلافَ بَينَ أحَدٍ عَلِمتُه في أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَضى فيه بالدِّيةِ في ثَلاثِ سِنينَ). ((الأم)) (6/120). وقال التِّرمذيُّ: (أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ الدِّيةَ تُؤخَذُ في ثَلاثِ سِنينَ، في كُلِّ سَنةٍ ثُلُثُ الدِّيةِ، ورَأوا أنَّ ديةَ الخَطَأِ على العاقِلةِ). ((سنن الترمذي)) (4/660). وقال ابنُ المُنذِرِ: (سَمِعتُ كُلَّ مَن لَقِيتُ مِن أهلِ العِلمِ، وعَوامِّ مَن بَلَغَنا عنهم مِمَّن مَضى يَقولونَ: يُقضى بها في ثَلاثِ سِنينَ). ((الأوسط)) (13/353). وقال الجَصَّاصُ: (لا خِلافَ بَينَ الفُقَهاءِ في وُجوبِ ديةِ الخَطَأِ في ثَلاثِ سِنينَ ... استَفاضَ ذلك عن عُمَرَ، ولم يُخالِفْه أحَدٌ مِنَ السَّلفِ، واتَّفقَ فُقَهاءُ الأمصارِ عليه، فصارَ إجماعًا لا يَسَعُ خِلافُه). ((أحكام القرآن)) (2/282). وقال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (هذا ما لا خِلافَ فيه بَينَ العُلماءِ؛ أنَّ الدِّيةَ في الخَطَأِ على العاقِلةِ في ثَلاثِ سِنينَ، على ما ورَدَ عن عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه، والذي سَمِعَ مالِكٌ: في أربَعِ سِنينَ، شُذوذٌ). ((الاستذكار)) (8/42). قال السَّرَخسيُّ: (ثَبَتَ باتِّفاقِ العُلماءِ التَّأجيلُ في جَميعِ الدِّيةِ إلى ثَلاثِ سِنينَ، وأنَّه يَستَوفي كُلَّ ثُلُثٍ في سَنةٍ). ((المبسوط)) (26/149). وقال الكاسانيُّ: (لا خِلافَ في أنَّ ديةَ الخَطَأِ تَجِبُ مُؤَجَّلةً على العاقِلةِ في ثَلاثِ سِنينَ؛ لإجماعِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم على ذلك؛ فإنَّه رُويَ أنَّ سَيِّدَنا عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه قَضى بذلك بمَحضَرٍ مِنَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، ولم يُنقَلْ أنَّه خالفَه أحَدٌ، فيَكونُ إجماعًا). ((بدائع الصنائع)) (7/256). وقال ابنُ رُشدٍ: (اتَّفقوا على أنَّ ديةَ الخَطَأِ مُؤَجَّلةٌ في ثَلاثِ سِنينَ). ((بداية المجتهد)) (4/196). وقال ابنُ قُدامةَ: (لا خِلافَ بَينَهم في أنَّها مُؤَجَّلةٌ في ثَلاثِ سِنينَ؛ فإنَّ عُمَرَ وعَليًّا -رَضِيَ اللهُ عنهما- جَعَلا ديةَ الخَطَأِ على العاقِلةِ في ثَلاثِ سِنينَ. ولا نَعرِفُ لهما في الصَّحابةِ مُخالفًا، واتَّبَعَهم على ذلك أهلُ العِلمِ). ((المغني)) (8/378). وقال القُرطُبيُّ: (أجمَعَ العُلماءُ قديمًا وحَديثًا أنَّ الدِّيةَ على العاقِلةِ لا تَكونُ إلَّا في ثَلاثِ سِنينَ، ولا تَكونُ في أقَلَّ مِنها). ((تفسير القرطبي)) (5/321). لكِنَّ الإجماعَ مَنقوضٌ بالخِلافِ الآتي ذِكرُه:  قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (وأمَّا قَولُ مالكٍ في هذا البابِ: إنَّه سَمِعَ أنَّ الدِّيةَ تُقطَعُ في ثَلاثِ سِنينَ أو أربَعِ سِنينَ، قال مالكٌ: والثَّلاثُ أحَبُّ ما سَمِعتُ إليَّ في ذلك. قال أبو عُمَرَ: هذا ما لا خِلافَ فيه بَينَ العُلماءِ؛ أنَّ الدِّيةَ في الخَطَأِ على العاقِلةِ في ثَلاثِ سِنينَ، على ما ورَدَ عن عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه، والذي سَمِعَ مالكٌ: في أربَعِ سِنينَ، شُذوذٌ، والجُمهورُ على ثَلاثِ سِنينَ). ((الاستذكار)) (8/42). وقال ابنُ حَزمٍ: (قد جَعَلوا حُكمًا مَأثورًا عن عُمَرَ في تَنجيمِ الدِّيةِ في ثَلاثِ سِنينَ، لا يَصِحُّ عنه أصلًا). ((المحلى)) (11/236). كما أنَّ للحَنابلةِ قَولًا بأنَّ دِيةَ الخَطَأِ في خَمسِ سِنينَ، وقيل: ما تَحمِلُه العاقِلةُ يَكونُ حالًّا، قال المرداويُّ: (قَولُه «وما تَحمِلُه العاقِلةُ يَجِبُ مُؤَجَّلًا في ثَلاثِ سِنينَ». هذا المَذهَبُ، وعليه جَماهيرُ الأصحابِ، وقَطَعَ به كَثيرٌ مِنهم. وقال في الرَّوضةِ: دِيةُ الخَطَأِ في خَمسِ سِنينَ، في كُلِّ سَنةٍ خُمسُها. وذَكَرَ أبو الفرَجِ: ما تَحمِلُه العاقِلةُ يَكونُ حالًّا). ((الإنصاف)) (10/131). ويُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (19/256). ؛ وذلك لأنَّه مالٌ يَجِبُ على سَبيلِ المواساةِ، فلم يَجِبْ حالًّا، كالزَّكاةِ [1036] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (8/378)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/142). .

انظر أيضا: