تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
الفَرعُ الأوَّل: المسبوقُ بالفاتحةِ يَتحمَّلُ الإمامُ الفاتحةَ عن المسبوقِ بها، ويُدرِكُ المأمومُ الركعةَ بالركوعِ المجزئِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (1/594)، ((المبسوط)) للسرخسي (30/287)، ((البناية)) للعيني (2/314). ، والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/ 212)، (2/ 467)، ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (1/ 201)، ويُنظر: ((شرح التلقين)) للمازري (1/511)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/458)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 50). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (3/326)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/242). ، والحَنابِلَة ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/47)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/262). ، وهو قولُ طائفةٍ من السَّلف [4810] قال ابنُ رجب: (مَن أدرك الركوعَ مع الإمام، فقد أدرك الركعة، وإنْ فاته معه القيامُ وقراءة الفاتحة، وهذا قولُ جمهور العلماء، وقد حكاه إسحاقُ بن راهويه وغيرُه إجماعًا من العلماء، وذكَر الإمام أحمد في رواية أبي طالبٍ أنَّه لم يخالفْ في ذلك أحدٌ من أهل الإسلام، هذا مع كثرة اطِّلاعه وشدَّة ورَعه في العِلم وتحرِّيه، وقد رُوي هذا عن عليِّ، وابن مسعود، وابن عُمر، وزيد بن ثابت، وأبي هريرة- في رواية عنه، رواها عبد الرحمن بن إسحاق المديني، عن المقبُري، عنه) ((فتح الباري)) (5/8). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [4811] قال ابنُ عبد البَرِّ: (مَن أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاةَ، وقد أجمَعوا أنَّ إدراكها بإدراكِ الركوع مع الإمام) ((الاستذكار)) (2/32). وقال النوويُّ: (إدراكُ الركعة بإدراك الركوعِ هو الصوابُ الذي نصَّ عليه الشافعي، وقاله جماهيرُ الأصحاب وجماهيرُ العلماء، وتظاهرتْ به الأحاديثُ، وأطبَق عليه الناس) ((المجموع)) (4/216). الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة عن أَبي بَكْرة رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه انتهى إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو راكعٌ، فركَعَ قبل أن يَصِلَ إلى الصفِّ، فذَكَر ذلك للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: ((زادَكَ اللهُ حِرصًا، ولا تَعُدْ)) رواه البخاري (783). وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه لم يأمُرْه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقضاءِ تِلك الركعةِ، فلمَّا لم يأمُرْه، عُلِمَ أنَّها صحيحةٌ، وأنَّه مُعتَدٌّ بها [4813] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/171). ثانيًا: من الآثارِ عن زيدِ بنِ وهبٍ، قال: إنَّه كان وابن مسعود، وإنَّهما ركعَا دون الصفِّ، قال: فلمَّا فرَغَ الإمامُ قُمتُ أقضي، وأنا أرى أنِّي لم أُدركْ، فقال ابنُ مسعودٍ: قد أدركتَه [4814] أخرجه عبد الرزاق (3381)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2322)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (9/ 271) (9354) قال الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) (2/80): رجاله ثقات، وصحَّحه العيني في ((نخب الأفكار)) (6/212)، وصحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (2/263). ثالثًا: لأنَّه لم يَفُتْه من الأركانِ غيرُ القيامِ، وهو يأتي به مع التكبيرةِ، ثم يُدركُ مع الإمامِ بقيَّة الركعةِ [4815] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/460). رابعًا: أنَّ عدمَ إدراكِ القيام الذي هو محلُّ قراءة الفاتحةِ، يُسقِطُه من أجلِ متابعةِ الإمامِ، ويَسْقُط ما يجب فيه [4816] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (13/121). الفَرعُ الثَّاني: ائتمامُ المسبوقِ بالإمامِ كيفما وجَدَه مَن جاءَ والإمامُ قد مضَى من صلاتِه شيءٌ، قلَّ أو كثُر، فإنَّه يُصلِّي معه. الدَّليل من الإجماع: نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا أنَّ مَن جاء والإمامُ قد مضى من صلاتِه شيءٌ، قلَّ أو كثُر، ولم يبقَ إلَّا السَّلام، فإنَّه مأمورٌ بالدخول معه، وموافقتِه على تلك الحالِ التي يجِدُه عليها، ما لم يجزمْ بإدراك الجماعةِ في مسجدٍ آخَر). ((مراتب الإجماع)) (ص 25). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تَيميَّة: (وكذلك لو أَدركَ الإمامَ ساجدًا، سجَد معه بالنصِّ، واتِّفاق الأئمَّة). ((مجموع الفتاوى)) (21/415). الفرع الثَّالِث: وقتُ قضاءِ المَسبوقِ يَقضِي المسبوقُ ما فاتَه بعدَ سلامِ الإمامِ. الدَّليل من الإجماع: نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبد البرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (السُّنة المجتمَع عليها أن يَقضي المأمومون ما سُبِقوا به بعدَ سلامِ الإمام). ((التمهيد)) (15/264). ، وابنُ بطَّالٍ قال ابنُ بطَّال: (وحديثُ ابن عُمرَ تَشهَد له الأصولُ المجتمَعُ عليها في سائر الصَّلوات، أنَّ المأمومَ لا يَقضي إلَّا بعدَ سلام الإمام). ((شرح صحيح البخاري)) (2/531). الفرعُ الرَّابع: بناءُ المَسبوقِ على صَلاتِه المُصلِّي المسبوقُ يَبنِي على صَلاةِ نفْسِه. الدَّليل من الإجماع: نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبد البرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (وأمَّا البناء، فلا أعلمُ خلافًا فيه بين العلماء، أنَّ المصلِّي يبني فيه على صلاة نفْسِه، ولا يَجلس إلَّا حيث يجب له إذا قام لقضاءِ ما عليه). ((التمهيد)) (20/243). الفرعُ الخامِس: صفةُ تكبيرِ المَسبوقِ إذا أَدركَ المأمومُ الإمامَ راكعًا فكَبَّرَ تكبيرةَ الإحرامِ، ثم ركَع؛ تُجزِئُه هذه التكبيرةُ عن تكبيرةِ الرُّكوعِ، بشَرْطِ أن يقَعَ التكبيرُ حالَ القيامِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأَربعة: الحَنَفيَّة [4822] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/82)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/184)، ويُنظر: ((الدر المختار)) للحصكفي (1/480). ، والمالِكيَّة [4823] ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/475)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/48). ، والشافعيَّة [4824] ((المجموع)) للنووي (4/ 214)، ويُنظر: ((فتح الوهاب)) لزكريَّا الأنصاري (1/80)، ((حاشية البجيرمي على شرح الخطيب)) (2/160). ، والحَنابِلَة [4825] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/460)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (1/363). ، وهو قولُ طائفةٍ من السَّلف [4826] قال ابنُ قُدامة: (ثم يأتي بتكبيرةٍ أخرى للركوع في حالِ انحطاطه إليه، فالأولى ركنٌ لا تسقط بحال، والثانية تكبيرةُ الركوع، والمنصوص عن أحمد أنَّها تسقط هاهنا، ويُجزئه تكبيرةٌ واحدة. نقلها أبو داود وصالح، ورُوي ذلك عن زيد بن ثابت، وابن عمر، وسعيد بن المسيَّب، وعطاء، والحسن، وميمون بن مِهران، والنَّخَعي، والحَكَم، والثوري، والشَّافعي، ومالك، وأصحاب الرأي) ((المغني)) (1/363). ، وحُكِي الإجماعُ على ذلِك [4827] قال ابنُ قُدامة: (والمنصوصُ عن أحمدَ أنَّها تسقط هاهنا، ويُجزئه تكبيرةٌ واحدة... وعن عُمرَ بن عبد العزيز: عليه تكبيرتان، وهو قول حمَّاد بن أبي سليمان، والظاهر: أنَّهما أرادَا أنَّ الأَوْلى له أن يُكبِّر تكبيرتين، فلا يكون قولهما مخالفًا لقول الجماعة؛ فإنَّ عمر بن عبد العزيز قد نُقِل عنه أنه كان ممَّن لا يتمُّ التكبير، ولأنَّه قد نُقلت تكبيرةٌ واحدة عن زيد بن ثابت، وابن عمر، ولم يُعرف لهما في الصَّحابة مخالفٌ؛ فيكون ذلك إجماعًا) ((المغني)) (1/363). وذلك لأنَّه اجتمَعَ عبادتانِ من جِنسٍ واحدٍ، فأجزأَ الركنُ عن الواجبِ كطوافِ الزِّيارةِ والوداعِ [4828] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/460).