تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
مَن كان له دَينٌ على فقيرٍ، فأبرأه منه، واحْتَسَبَه من زكاةِ مالِه؛ فإنَّه لا يُجزيه صورة المسألة: (رجلٌ له مَدينٌ فقيرٌ يطلُبه ألف ريال، وكان على هذا الطَّالب ألف ريال زكاةٌ؛ فهل يجوز أن يُسقِطَ الدائنُ عن المَدينِ الألفَ الرِّيال الذي عليه بنيَّةِ الزَّكاةِ؟). ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/236). ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّة الأربَعةِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (2/187)، ويُنظر: ((المبسوط)) للشيباني (2/112). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/224)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/214). ، والشافعيَّة في الأصحِّ ((المجموع)) للنووي (6/210)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/332). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (4/ 288). قال صالحٌ ابنُ الإمام أحمد: (قلتُ: رجلٌ له مالٌ على رجلٍ مسكينٍ تَحِلُّ له الصَّدقةُ فيتركُه له ويحسِبُه من زكاةِ ماله؟ قال: لا يحسِبُه من الزَّكاة؛ لأن هذا مالٌ لا يدري يصِلُ إليه أم لا). ((مسائل الإمام أحمد رواية ابنه أبي الفضل صالح)) (3/231 رقم 1714)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/487)، ((مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى)) لمصطفى بن سعد الرحيباني (2/150). ، وحَكى أبو عُبَيد العملَ عليه قال أبو عُبَيد: (فإنْ لم يُرِد صاحبُه شيئًا من ذلك الأداءِ، ولكنه أراد ترْكَ الدَّينِ للذي هو عليه، وأن يحسِبَه مِن زكاة مالِه الذي في يدِه، فإنَّ هذا قد أرخَصَ فيه بعضُ التابعين،... وهذا مذهبٌ لا أعلَمُ أحدًا يعمل به، ولا يذهَبُ إليه من أهلِ الأثَرِ وأهلِ الرأي). ((الأموال)) (ص: 533، 534). ، ونقَل ابنُ تيميَّة أنَّه لا نِزاع فيه قال ابنُ تيميَّة: (وأمَّا إسقاطُ الدَّينِ عنِ المعسِر، فلا يُجزِئ عن زكاةِ العَينِ بلا نِزاع). ((مجموع الفتاوى)) (25/84)، ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 457). الأدلَّة: أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ 1- قال اللهُ تعالى:خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً[التوبة: 103] وجه الدَّلالة: أنَّ الآيةَ الكريمةَ تدلُّ على أنَّ الزَّكاة أخْذٌ وإعطاءٌ، ومَن أبرَأَ غريمَه واحتسبَه مِن زكاةِ مالِه؛ فإنَّه ليس فيه إعطاءٌ وأخْذٌ، فلا تبرأ ذِمَّتُه إلَّا بإقباضِ الزَّكاة ((المبسوط)) للشيباني (2/112)، ((المجموع)) للنووي (6/210). 2- قال اللهُ تعالى: وَلَا تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ[البقرة: 267] وجه الدَّلالة: أنَّ مَن أبرَأَ غريمَه مِن دَينه بنيَّةِ الزَّكاة عليه، فهو بمنزلةِ إخراجِ الخَبيثِ مِنَ الطيِّبِ؛ لأنَّه عدَل عن إخراجِ ما بحَوزتِه إلى ما في ذمَّةِ المُعسِرِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/237). ثانيًا: أنَّ سُنَّةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم في الصَّدَقةِ كانتْ على خِلافِ هذا الفِعلِ؛ لأنَّه إنما كان يأخُذُها مِن أعيانِ المالِ عَن ظهْرِ أيدي الأغنياءِ، ثم يردُّها في الفُقَراءِ، وكذلك كانتِ الخلفاءُ من بعدِه ((الأموال)) لأبي عبيد القاسم بن سلَّام (ص: 534). ثالثًا: أنَّه لا يُؤمَنُ أنْ يكون إنَّما أراد أن يقِيَ مالَه بهذا الدَّينِ الذي قد يئِسَ منه، فيجعله ردءًا لمالِه يقيه به، وليس يَقبَلُ اللهُ تبارك وتعالى إلَّا ما كان له خالصًا ((الأموال)) لأبي عبيد القاسم بن سلَّام (ص: 534). فرعٌ: دفْعُ الزَّكاة إلى الغريم بشرْطِ أن يردَّها إليه عن دَينِه إذا دفَع الزَّكاةَ إلى غريمِه بشرْطِ أن يردَّها إليه عن دَينِه؛ فلا يصحُّ الدفْعُ ولا تَسقُطُ الزَّكاةُ، ولا يصحُّ به قضاءُ الدَّينِ؛ نصَّ على هذا الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/211). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهي الإرادات)) للبهوتي (1/ 462). قال ابنُ قُدامة: (قال مُهنَّا: سألتُ أبا عبدِ الله عن رجُلٍ له على رجُل دَينٌ بِرَهنٍ، وليس عندَه قضاؤُه، ولهذا الرجُلِ زكاةُ مالٍ يُريد أن يفرِّقها على المساكينِ، فيدفَعُ إليه رهنَه ويقول له: الدَّينُ الذي لي عليك هو لك. ويحسِبُه من زكاةِ ماله؟ قال: لا يُجزِئُه ذلك. فقلتُ له: فيدفَعُ إليه مِن زكاتِه، فإنْ ردَّه إليه قضاءً ممَّا له، أخَذَه؟ فقال: نعَم. وقال في موضِعٍ آخرَ، وقيل له: فإنْ أعطاه، ثم ردَّه إليه؟ قال: إذا كان بحيلةٍ فلا يُعجِبُني. قيل له: فإنِ استقرَضَ الذي عليه الدَّينُ دراهم، فقضاه إيَّاها ثم ردَّها عليه، وحسبَها مِنَ الزَّكاة؟ فقال: إذا أراد بها إحياءَ مالِه فلا يجوزُ. فحصَل مِن كلامِه أنَّ دفْعَ الزَّكاةِ إلى الغريمِ جائزٌ، سواء دفَعَها ابتداءً، أو استوفى حقَّه ثم دفع ما استوفاه إليه، إلا أنَّه متى قصَد بالدَّفعِ إحياءَ ماله، أو استيفاءَ دَينِه، لم يجُزْ؛ لأنَّ الزَّكاة لحقِّ الله تعالى، فلا يجوزُ صرفُها إلى نفْعِه، ولا يجوزُ أن يحتَسِبَ الدَّينَ الذي له من الزَّكاةِ قبل قبْضِه؛ لأنَّه مأمورٌ بأدائِها وإيتائِها، وهذا إسقاطٌ). ((المغني)) (2/487). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (إذا كان له دَينٌ على من يستحقُّ الزَّكاةَ فأعطاه منها وشارَطه أن يُعيدها إليه لم يجُزْ، وكذا إن لم يشرطْ لكن قصَدَه المُعطي في الأظهَرِ). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 457). ، وابن القيِّم قال ابنُ القيِّم: (ومِن الحِيلِ الباطلة المحرَّمة أن يكون له على رجُلٍ مالٌ وقد أفلس غريمُه وأَيِسَ مِن أخْذِه منه، وأراد أن يحسِبَه من الزَّكاة؛ فالحيلةُ أن يعطِيَه من الزَّكاة بقَدرِ ما عليه فيصيرُ مالكًا للوفاءِ، فيطالِبُه حينئذ بالوفاءِ، فإذا أوفاه برِئ وسقطتِ الزَّكاةُ عن الدافع، وهذه حيلةٌ باطلةٌ، سواء شرَط عليه الوَفاءَ أو منعَه مِنَ التصرُّفِ فيما دفَعَه إليه، أو ملَّكه إيَّاه بنيَّةِ أن يستوفيَه مِن دَينه، فكلُّ هذا لا يُسقِطُ عنه الزَّكاةَ، ولا يُعَدُّ مُخرجًا لها لا شرعًا ولا عُرفًا، كما لو أسقَطَ دَينه وحسَبَه من الزَّكاة). ((إعلام الموقعين)) (3/345). وذلك للآتي: أوَّلًا: أنَّ الزَّكاةَ لحقِّ الله تعالى، فلا يجوزُ صرْفُها إلى نفْعِه ((المغني)) لابن قدامة (2/487). ثانيًا: أنَّه لا يجوزُ أن يحتَسِبَ الدَّينَ الذي له مِنَ الزَّكاة قبل قبْضِه ((المغني)) لابن قدامة (2/487). ثالثًا: أنَّه مأمورٌ بأداءِ الزَّكاةِ وإيتائِها، وهذا إسقاطٌ ((المغني)) لابن قدامة (2/487). رابعًا: أنَّ هذا مِنَ الحِيل الباطلة على الزَّكاةِ، ولا يُعَدُّ مخرجًا لها لا شرعًا ولا عُرفًا كما لو أسقط دَينَه وحسَبَه مِنَ الزَّكاة ((إعلام الموقعين عن رب العالمين)) لابن القيم (3/346). فرع: دفْعُ الزَّكاة إلى الغريم إذا دفعَ الزكاةَ إلى غريمِه، فردَّها إليه قضاءً عن دَينه، دون أن يشتَرِطا ذلك؛ جازَ وأجزَأَه عن الزكاةِ؛ وهو مذهَبُ الجمهورِ: الحنفيَّة ((الفتاوى الهندية)) (6/391). ويجوزُ عندهم حتى لو كان حيلةً ونواه عن زكاةِ مالِه. والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/211). قال النوويُّ: (ولو نويَا ذلك ولم يشرطاه، جازَ بالاتفاق وأجزأه عن الزكاة). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/288)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/487). وعندهم متى قصَدَ بالدَّفعِ إحياءَ مالِه واستيفاءَ دَينِه لم يَجُز؛ لأنَّ الزَّكاةَ لِحَقِّ الله تعالى، فلا يجوزُ صرفُها إلى نَفْعِه، فإذا كان الدَّفعُ حيلةً فلا يجوزُ. ينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين بن قدامة (2/709). وقولٌ للمالكيَّةِ ((حاشية الدسوقي)) (1/494). وذلك للآتي: أولًا: يجوزُ دَفعُها إلى الغريمِ؛ لأنَّه مِن جملةِ الغارمينَ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/288). وعندهم متى قصَدَ بالدَّفعِ إحياءَ مالِه واستيفاءَ دَينِه لم يَجُز؛ لأنَّ الزَّكاةَ لِحَقِّ الله تعالى، فلا يجوزُ صرفُها إلى نَفْعِه، فإذا كان الدَّفعُ حيلةً فلا يجوزُ. ينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين بن قدامة (2/709). ثانيًا: لا يجوزُ دَفْعُها إليه عند الاشتراطِ؛ لأنَّه إذا اشتَرَط ذلك كان كمَن لم يُعْطِها ((مواهب الجليل)) (3/229)، ((حاشية الدسوقي)) (1/494).