المبحث الثَّالِث: تقليمُ الأظْفارِ
المَطْلَب الأوَّل: حُكْمُ إزالةِ الأظفارِ للمُحْرِمالمُحْرِمَ ممنوعٌ من إزالةِ أظفارِه
إزالةُ الظُّفْرِ كإزالة الشَّعْر، سواءٌ قَلَّمَه أَوْ كَسَرَه، أَوْ قَطَعَه، وكلُّ ذلك حرامٌ موجِبٌ للفديةِ. يُنْظَر: ((المجموع)) للنووي (7/247، 248)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/135). ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة
((الهداية)) للمرغيناني (1/163)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/12). ، والمالِكِيَّة
((الكافي)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/388)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/312).. ، والشَّافِعِيَّة
((المجموع)) للنووي (7/247،248). ، والحَنابِلَة
((الإقناع)) للحجاوي (1/ 355)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/262). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ
قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا على أنَّ المحْرِمَ ممنوعٌ مِن أخْذِ أظفارِه) ((الإجماع)) (ص: 52). وقال الشِّنْقيطيُّ: (لم يعتَبِرِ ابنُ المُنْذِر في حكايته الإجماعَ قولَ داودَ الظَّاهريِّ: إنَّ المُحْرِمَ له أن يقُصَّ أظفارَه، ولا شيء عليه؛ لعدمِ النَّصِّ، وفي اعتبار داودَ في الإجماعِ خلافٌ معروفٌ، والأظهر عند الأصوليِّينَ اعتباره في الإجماعِ، واللهُ تعالى أعلم) ((أضواء البيان)) (5/47). قال ابنُ قُدامة: (أجمع أَهْلُ العِلْم على أنَّ المُحْرم ممنوعٌ من قَلْمِ أظفارِه إلَّا مِن عُذرٍ) ((المغني)) (3/ 296). الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابقولُه تعالى:
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحَجُّ: 29] ثالثًا: مِنَ الآثارِعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه قال في تفسيرِ آيةِ الحَجِّ:
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ: (التَّفَثُ: الرَّمْيُ، والذَّبْحُ، والحَلْق والتَّقصيرُ، والأخْذُ من الشارِبِ، والأظفارِ، واللِّحيةِ)
رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (15917). وجهُ الدَّلالَة مِنَ الآيةِ والأثَرِ:أنَّ قَلْمَ الأظفارِ مِن قضاءِ التَّفَثِ كما جاء عنِ
ابنِ عبَّاسٍ وغيرِه مِنَ السَّلَفِ، وقد رتَّبَ اللهُ تعالى قضاءَ التَّفَثِ على الذَّبْحِ؛ لأنَّه ذَكَرَه بكلمةٍ موضوعةٍ للتَّرتيبِ مع التَّراخي؛ مِمَّا يدُلُّ على كَوْنِ قَصِّ الأظفارِ ونحوه ينبغي أن يكونَ بعد النَّحْرِ
((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/194). رابعا: أنَّه إزالةُ جزءٍ ينمو مِن بَدَنِه، يقضي به تَفَثَه، ويَتَرَفَّهُ بإزالَتِه، أشْبَهَ الشَّعْرَ
((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/163)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/262). وقد سوَّى النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم بين أخْذِ الشَّعْرِ والظُّفْر، فعن أمِّ سلَمةَ، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم قال: (إذا رأيتُم هلالَ ذي الحِجَّةِ، وأراد أحدُكم أن يضَحِّيَ، فلْيُمْسِكْ عن شَعرِه وأظفارِه)). رواه مسلم (1977). المَطْلَب الثَّالِث: ما يجِبُ من الفِدْيةِ في تقليمِ الأظفارِ:يجبُ في تقليمِ الأظفارِ فِديةُ الأذى، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة
((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/12). ، والمالِكِيَّة
((الكافي)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/389). ، والشَّافِعِيَّة
((المجموع)) للنووي (7/247، 248). ، والحَنابِلَة
((الإقناع)) للحجاوي (1/ 355)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/262) ، وبه قال أكثرُ أَهْلِ العِلْمِ
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/265). ؛ وذلك لأنَّه أزال ما مُنِعَ إزالَتُه لأجلِ الترفُّهِ، فوجبت عليه الفِدْيةُ؛ كحَلْقِ الشَّعْر، وعدمُ النَّصِّ لا يمنَعُ قياسَه على المنصوصِ؛ كشَعْرِ البَدَنِ مع شَعْرِ الرَّأْسِ
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/265). المَطْلَب الرَّابِع: قَصُّ ما انكسَرَ مِنَ الظُّفْرِإنِ انكسَرَ ظُفْرُه فله قَصُّ ما انكسَرَ منه، ولا شيءَ عليه.
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابقولُه تعالى:
يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185] وانكسارُ الظُّفْرِ يَغْلِبُ في الأسفارِ، وهذا يوجِبُ الرُّخْصةَ فيه
((الذخيرة)) للقرافي (3/313). ثانيًا: مِنَ الآثارِعَنِ
ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (المُحْرِمُ يدخُلُ الحمَّامَ، ويَنْزِعُ ضِرسَه، ويَشَمُّ الرَّيحانِ، وإذا انكسر ظُفُرُه طَرَحه، ويقول: أميطُوا عنكم الأذى؛ فإنَّ اللهَ لا يَصنَعُ بأذاكم شيئًا)
روى أوَّلَه البخاريُّ مُعَلَّقًا بصيغةِ الجزم قبل حديث (1840)، ورواه موصولًا الدارقطنيُّ (2/232)، والبيهقي (9392) واللفظ له. حسن إسناده ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/382)، وصحح إسناده الألباني في ((حَجَّة النبي)) (28). وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّه قولُ صحابيٍّ، ولا يُعرَفُ له مخالِفٌ من الصَّحابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهم
((المحلى)) لابن حَزْم (7/248). ثالثًا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر
قال ابنُ المُنْذِر: (أجمع كل من نحفظ عنه من أَهْل العِلْم على أن للمحرم أن يزيل ظفره بنفسه إذا انكسر) ((الإجماع)) (ص: 52)، ويُنْظَر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/262). و
ابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (أجمعَ أَهْل العِلْم على أنَّ المُحْرِمَ ممنوعٌ مِن قَلْمِ أظفارِه، إلَّا مِن عُذْرٍ) ((المغني)) (3/ 296). وذكر ابنُ عَبْدِ البَرِّ أثَرَ محمَّدِ بنِ عبد الله بن أبي مريمَ أنَّه سأل سعيدَ بنَ المسيِّب عن ظُفْرٍ له انكسر، وهو محرِمٌ، فقال سعيد: اقطَعْه. قال ابنُ عبدِ البرِّ: (هذا أيضًا لا بأسَ به عند العلماء) ((الاستذكار)) (4/137). رابعًا: أنَّ بقاءَه يُؤلِمُه، أشْبَهَ الشَّعْرَ النَّابِتَ في عَينِه
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/267،268). خامسًا: أنَّه إزالةٌ لأذاه، فلم يكُنْ عليه فِدْيةٌ؛ كقَتْلِ الصَّيدِ الصَّائِلِ
((التاج والإكليل)) للمواق (3/143)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/262). سادسًا: أنَّه بعد الكَسْرِ لا ينمو، فهو كحَطَبِ شَجَرِ الحَرَمِ
قال الشِّنْقيطيُّ: (لا ينبغي أن يُختلَفَ في أنَّ الظُّفْرَ إذا انكسر جاز أخْذُه، ولا شيءَ فيه; لأنَّه بعد الكَسْرِ لا ينمو فهو كحَطَبِ شَجَرِ الحَرَم) ((أضواء البيان)) (5/46).