الفرع الثَّاني: الاصطيادُ ببُنْدُقِ الرَّصاصِ [315] البُنْدُقيَّة: نَوعٌ مِنَ الأسلِحة الناريَّةِ الحديثة، يُستخدَمُ في الصَّيدِ والحروب لإطلاقِ الرَّصاصِ بواسطة البارود يُنظر: ((معجم اللغة العربية المعاصرة)) لأحمد مختار عمر (1/154)، ((المعجم الوسيط)) (1/71)
يُباحُ الصَّيْدُ ببُنْدُقِ الرَّصاصِ ولو مات بها
[316] أي: قبلَ القدرةِ عليه، وذلك احتِرازٌ مِنَ الصَّيدِ الَّذي يُدْرِكُه الصَّائدُ حَيًّا؛ فإنَّه لا يَحِلُّ بالإجماعِ إلَّا إذا ذَكَّاه. يُنظر: ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص 148)، ((الإقناع في مسائل الإجماع)) لابن القَطَّان (1/321). ، وهو قولُ بعضِ المالِكيَّةِ
[317] ((شرح الزُّرْقاني على مختصر خليل)) (3/18)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير)) (2/104)، ((مِنَح الجليل)) لعُلَيْش (2/422). ، وابنِ بَدْرانَ مِنَ الحنابلةِ
[318] ((درة الغواص مطبوع مع كتاب روضة الأرواح)) لابن بدران (ص 143، وما بعدها). ، واختارَه
الشَّوْكانيُّ [319] قال الشَّوْكاني: (فيَحِلُّ ما صاد مَن يرمي بهذهِ البَنادِقِ الجديدةِ الَّتي يُرمَى بها بالبارودِ والرَّصاصِ؛ لأنَّ الرَّصاصَ تَخْزِقُ خَزْقًا زائدًا على خَزْقِ السِّلاحِ؛ فلها حُكْمُه). ((الدراري المُضِيَّة)) (2/322). ، و
الصَّنْعانيُّ [320] قال الصَّنْعاني: (وأمَّا البَنادقُ المعروفةُ الآنَ فإنَّها تَرمي بالرَّصاصِ فيَخرُجُ وقد صَيَّرَتْهُ نارُ البارود كالميل فيَقتُلُ بحَدِّه لا بصَدْمِه، فالظَّاهرُ حِلُّ ما قتَلَتْه). ((سبل السلام)) (4/85). ، و
صِدِّيقُ حَسَن خان [321] قال صِدِّيق حسَن خان: (ومِن جملةِ ما يَحِلُّ الصَّيْدُ به مِنَ الآلاتِ هذه البَنادقُ الجديدةُ الَّتي يُرْمَى بها بالبارودِ والرَّصاصِ؛ فإنَّ الرَّصاصةَ يَحصُلُ بها خَزْقٌ زائدٌ على خَزْقِ السَّهمِ والرُّمحِ والسَّيفِ، ولها في ذلك عمَلٌ يَفوقُ كلَّ آلةٍ). ((الروضة الندية)) (2/187). ، و
محمَّدُ بنُ إبراهيمَ [322] قال الشَّيخُ محمدُ بنُ إبراهيمَ: (استَقرَّتِ الفتوى على إلحاقِه بالمُحدَّدِ؛ بجامعِ أنَّ كُلًّا منهما يَمضي ويَشُقُّ مِثلَ المُحدَّداتِ، بل هي أَبْلَغُ). ((فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم)) (12/218). ، وهو الظَّاهرُ مِن كلامِ
ابنِ بازٍ [323] سُئِل ابنُ باز: هل يكفي أنْ أَقولَ: باسمِ الله، واللهُ أكبرُ، عندما أُدخِلُ الطَّلقةَ في البُنْدُقيَّةِ عند الصَّيدِ، أَمْ يجبُ ذِكْرُ اسمِ اللهِ عند إطلاقِ زِنادِ البُنْدُقيَّةِ؟ أَفيدوني جزاكمُ اللهُ خيرًا، فأجاب: (الواجبُ ذِكْرُ اسمِ اللهِ عند الرَّميِ، ولا يكفي ذِكْرُ ذلك عند إدخالِ الطَّلقةِ في البُنْدُقيَّةِ؛ لقول النَّبيِّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ -: ((وإنْ رَمَيْتَ سهمَكَ فاذكُرِ اسمَ اللهِ)) ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (23/91). ، وبه أَفْتَتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ
[324] جاء في فتوى اللَّجنةِ الدَّائمةِ: (إذا رُمِيَ الصَّيدُ بالبُنْدُقيَّةِ وذُكِرَ اسمُ اللهِ، فأصابَتِ الرَّميةُ الصَّيدَ، فإنْ أَدرَكَه حَيًّا فإنَّه يُذَكِّيه، وإنْ مات مِنَ الرَّميةِ فهو حلالٌ يُباحُ أكْلُه). ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (22/510). ، وحَكَى
ابنُ عُثَيمينَ إجماعَ المتأخِّرينَ على ذلك
[325] قال ابن العثيمين: (ولكنَّهم في آخِرِ الأمرِ أَجمَعوا على حِلِّ صَيْدِه). ((الشرح الممتع)) (15/104). الأدلَّة: أولًا: مِنَ السُّنَّةِ 1- عن عَبَايَةَ بنِ رِفاعةَ بنِ رافِعِ بنِ خَدِيجٍ، عن جَدِّهِ، وفيه:
((ما أَنهَرَ الدَّمَ، وذُكِرَ اسمُ اللهِ عليه فكُلوه، ليس السِّنَّ والظُّفُرَ... )) [326] أخرجه مطوَّلًا: البخاري (2488) واللَّفظ له، ومسلم (1954). وجهُ الدَّلالةِ: أنَّ الرَّصاصَ المُنطَلِقَ مِنَ البُنْدُقيَّةِ ونحوِها ليس سِنًّا ولا ظُفُرًا، ويَنهَرُ الدَّمَ
[327] ((درة الغواص مطبوع مع كتاب روضة الأرواح)) لابن بَدْران (ص 147). ؛ فيَكونُ كغيرِه مِن آلاتِ الصَّيدِ المُباحةِ
[328] ((المجموع)) للنَّووي (9/81)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (8/161). ، فيَدْخُلُ في عُمومِ الآلاتِ الَّتي أَنهَرَتِ الدَّمَ
[329] ((درة الغواص مطبوع مع كتاب روضة الأرواح)) لابن بدران (ص 153). 2- عن رَجُلٍ مِن بَني حارثةَ،
((أنَّه كان يَرْعَى لِقْحَةً [330] لقْحة- بكسر اللام وبفتح وبسكون القاف-، أي: ناقة قريبةُ العهدِ بالنِّتاج. يُنظر: ((عون المعبود)) (8/16). بشِعْبٍ مِن شِعابِ أُحُدٍ، فأَخَذَها المَوتُ، فلم يَجِدْ شيئًا يَنْحَرُها به، فأَخَذَ وَتِدًا فوَجَأَ [331] يقال: وَجَأْتُه بالسِّكِّينِ؛ إذا ضربْته به. يُنظر: ((شرح المشكاة)) للطيبي (9/2814). به في لَبَّتِها [332] اللَّبَّة: بفتح اللام وتشديد الباء الموحدة: موضعُ النَّحرِ مِنَ الحيوان، وهي الثُّغْرة الَّتي في أسفلِ العُنُق. ((تهذيب اللغة)) للأزهري (15/243)، ((الصحاح تاج اللغة)) للجوهري (1/216). حتَّى أُهْريقَ دَمُها، ثُمَّ جاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فأَخبَره بذلك، فأَمَرَهُ بأكْلِها )) [333] أخرجه أبو داودَ (2823)، والبَيْهقي (19429). وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2823)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (1506) وقال: على شرط الشيخين. وجهُ الدَّلالةِ: أنَّ الوَتِدَ ليس بمُحَدَّدٍ، وتعذيبُ النَّاقةِ بإهراقِ دمِها بالخشبِ أَعْظَمُ مِن تعذيبِها ببُنْدُقِ الرَّصاصِ
[334] ((درة الغواص مطبوع مع كتاب روضة الأرواح)) لابن بدران (ص 157). ثانيًا: أنَّهُ يَقتُلُ بحَدِّه لا بصَدْمِه وثِقَلِه
[335] ((سبل السلام)) للصنعاني (4/85). ، أَشْبَهَ المِعْرَاضَ إذا خَزَقَ
[336] الخَزْق والخَسْق: الطَّعن. والخازق: السِّنان. يقال: (هو أَمضَى مِن خازِقٍ). والخازق مِنَ السِّهامِ: المُقَرْطَس. وقد خَزَق السَّهمُ يَخْزِقُ. وقد خَزَقْتهُم بالنَّبلِ، أي: أصبْتهم بها، والخازق من السهام: الَّذي يَرْتَزُّ إذا أصاب الهدفَ. فالخاسِقُ: لُغةٌ في الخازِق. يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/181)، ((الصحاح)) للجوهري (4/1469). ، وبَلَغ المَقاتِلَ، فإنَّه يُؤْكَلُ؛ إذْ كلُّ شيْءٍ نالَه الإنسانُ بيدِه أو رُمحِه أو بشيْءٍ مِن سلاحِه فأَنفَذَه وبَلَغ مَقاتِلَه فهو صَيدٌ
[337] ((شرح الزُّرْقاني على مختصر خليل)) (2/491)، ((درة الغواص مطبوع مع كتاب روضة الأرواح) لابن بدران (ص 156). ثالثًا: أنَّه أَقوَى مِنَ السِّلاحِ
[338] ((الشرح الكبير)) للدردير (2/103)، ((درة الغواص مطبوع مع كتاب روضة الأرواح)) لابن بدران (ص 151). ، فإنَّك لو وضعْتَ ريشًا أو نحوَه فَوْقَ رَمادٍ دقيقٍ أو تُرابٍ دقيقٍ وغَرَزْتَ فيه شيئًا يسيرًا مِن أصْلِها ثُمَّ ضربْتَها بالسَّيفِ المُحدَّدِ ونحوِ ذلك مِنَ الآلاتِ لم يَقْطَعْها وهي على هذه الحالةِ، ولو رَمَيْتَها بهذه البَنادقِ لقَطَعْتَها؛ فلا وجهَ لجعْلِها قاتلةً بالصَّدمِ، لا مِن عقْلٍ ولا مِن نقْلٍ
[339] ((الروضة الندية)) لصديق حسن خان (2/187، 188). رابعًا: أنَّ في الرَّميِ ببُنْدُقِ الرَّصاصِ الحديثِ مِنَ الإنهارِ والإجهازِ بسرعةِ الَّذي شُرِعَتِ الذَّكاةُ لأجْلِه، وقياسُه على بُنْدُقِ الطِّينِ فاسِدٌ؛ لوجودِ الفارِقِ، وهو وجودُ الخَزْقِ والنُّفوذِ في الرَّصاصِ تحقيقًا
[340] ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/104).
انظر أيضا:
عرض الهوامش