الموسوعة الفقهية

المطلب الثَّاني: المَذي


الفرع الأوَّل: حُكمُ الاستنجاءِ مِن المَذْيِ
يجِبُ الاستنجاءُ مِن المَذْي، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((منح الجليل)) لعليش (1/105)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (21/205)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/206). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/127)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/43). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/70)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/111).
الدَّليل مِن السُّنَّةِ:
عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كُنتُ رجلًا مذَّاءً، فأمرتُ رجلًا أنْ يسألَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمكانِ ابنَتِه، فسأل، فقال: توضَّأ واغسلْ ذَكَرَك )) رواه البخاري (269) واللفظ له، ومسلم (303).
الفرع الثَّاني: الواجِبُ في الاستنجاءِ مِنَ المَذْيِ
يجِبُ في الاستنجاءِ مِنَ المذْيِ غَسلُ مَخرَجِه والمواضِعِ التي أصابَها، وهو قَولُ أكثَرِ أهلِ العِلمِ قال ابن قدامة: (الرواية الثانية: لا يجِبُ أكثرُ من الاستنجاءِ والوضوء؛ رُوي ذلك عن ابنِ عبَّاس، وهو قول أكثر أهل العلم، وظاهر كلام الخرقي) ((المغني)) (1/127). وقال النووي: (يُستحَبُّ الاحتياطُ في استيفاءِ المقصودِ؛ ولهذا أمَرَ بغَسلِ الذَّكَرِ، والواجِبُ منه موضِعُ النجاسة فقط؛ هذا مذهبنا ومَذهَبُ الجُمهورِ، وعن مالك وأحمد روايةٌ: أنَّه يجِبُ غسل كلِّ الذَّكَر، وعن أحمد رواية أنَّه يجِبُ غَسلُ الذَّكَر والأُنثيَينِ) ((المجموع)) (2/144).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كنتُ رجُلًا مذَّاءً، فأمرتُ رَجلًا أن يسألَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمكانِ ابنَتِه، فسأل، فقال: توضَّأ واغسِلْ ذَكرَك )) رواه البخاري (269) واللفظ له، ومسلم (303).
وجه الدَّلالة:
أنَّ المرادَ غَسلُ مَخرَجِ المَذْيِ، وما أصابَه منه قال ابن عبدِ البَرِّ: (أمَّا معنى غسل الذَّكر من المَذْي فإنَّه يريد غَسلَ مَخرَجِه وما مسَّ الأذى منه، وهذا الأصحُّ عندي في النظر، والله أعلم) ((التمهيد)) (21/208).
ثانيًا: قياسًا على خروجِ بقيَّةِ الأحداثِ، كخُروجِ الغائِطِ وغيرِه، فلا يجِبُ غَسلُ سوى موضِعِ خروجِ الحدَثِ، وكذا ما أصابَ البَدن منه، فكذلك خروجُ المَذْيِ الذي هو حدَثٌ؛ وعليه فلا يجِبُ غَسلُ سوى ما أصابَ البَدَنَ منه قال الطحاوي: (أمَّا وجه ذلك من طريقِ النَّظر؛ فإنَّا رأينا خروجَ المذي حدثًا, فأردْنا أن ننظُرَ في خروج الأحداث, ما الذي يجِبُ به؟ فكان خروجُ الغائط, يجب به غَسلُ ما أصاب البدنَ منه, ولا يجِبُ غسل ما سوى ذلك إلَّا التطهُّر للصَّلاة. وكذلك خروجُ الدَّمِ مِن أيِّ موضعٍ ما خرج, في قول مَن جعل ذلك حدثًا. فالنَّظَر على ذلك أن يكون كذلك خروجُ المذي الذي هو حدَثٌ، لا يجِبُ فيه غَسلُ غير الموضع الذي أصابَه مِن البَدَن غير التطهُّرِ للصلاةِ, فثبت ذلك أيضًا بما ذَكَرنا من طريقِ النَّظَر. وهذا قولُ أبي حنيفة, وأبي يوسف ومحمَّد بن الحسن, رحمهم الله تعالى) ((شرح معاني الآثار)) (1/48).
الفرع الثَّالث: حُكمُ الاستجمارِ مِنَ المذي
اختلف أهلُ العلمِ في حُكمِ الاستجمارِ بالِحجارةِ مِنَ المَذْي على قَولينِ:
القول الأوّل: يُجزئُ الاستجمارُ بالحجارةِ، وهو مذهَبُ الحنفيَّة ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (1/348)، ((البناية)) للعيني (1/756)، وينظر:  ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/19). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/70)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/114). ، وهو قولٌ للمالكيَّة ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (21/205)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/206). ، وقولٌ عند الشافعيَّة ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/160)، ((شرح النووي على مسلم)) (3/213). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (أمَّا إذا لم تتعدَّ النَّجاسةُ مَوضِعَ الحاجةِ، فإنَّه يجزِئُه الاستجمارُ إذا أنقى وأكمَلَ العددَ، سواء في ذلك جميعُ ما يُستنجى منه مِن البَولِ والمَذْي والوَدْي والدَّم، وغير ذلك) ((شرح عمدة الفقه لابن تيميَّة- من كتاب الطهارة والحج)) (1/156).
أولًا:مِن السُّنَّةِ
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا ذهب أحدُكم إلى الغائِطِ فليذهَبْ معه بثلاثةِ أحجارٍ يَستطيبُ بهنَّ؛ فإنَّها تُجزِئُ عنه )) رواه أبو داود (40)، والنَّسائي (44)، وأحمد (6/133) (25056)، والدارمي (670). صحَّحه الدارقطني كما في ((التلخيص الحبير)) لابن حجر (1/162)، والنووي في ((المجموع)) (2/96)، وحسَّنه ابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (2/347)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (44).
وجه الدَّلالة:
أنَّ عمومَ الرُّخصةِ في الاستجمارِ بالأحجارِ، يشمَلُ المذيَ كما يشمَلُ البَولَ والغائِطَ ((المغني)) لابن قدامة (1/114).
ثانيًا: قياسًا على إجزاءِ الاستجمارِ بالأحجار مِنَ البَولِ ((شرح العمدة)) لابن تيميَّة (1/156)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 29).
القول الثاني: أنَّه يتعيَّنُ الماءُ، ولا يَكفي فيه الاستجمارُ، وهذا مَذهَبُ المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/412)، وينظر: ((القوانين الفقهيَّة)) لابن جَزِي (ص: 29). ، والصَّحيحُ عند الشافعيَّة ((شرح النووي على مسلم)) (3/213)، ((المجموع)) للنووي (2/144). ، وهو اختيارُ ابنِ حَزمٍ الظَّاهريِّ قال ابن حزم: (المذي تطهيرُه بالماءِ، يُغسَلُ مَخرجُه من الذَّكر ويُنضَحُ بالماء ما مسَّ منه الثَّوب) ((المحلى)) (1/118).
الدَّليل مِن السُّنَّةِ:
عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كنتُ رجُلًا مذَّاءً، فأمرتُ رجلًا أن يسألَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمكانِ ابنَتِه، فسأل، فقال: توضَّأْ واغسِلْ ذَكرَك )) رواه البخاري (269) واللفظ له، ومسلم (303).
وجه الدَّلالة:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمر بغَسلِ الذَّكَرِ مِن المَذْي، والأمرُ يقتضي الوُجوبَ ((إحكام الأحكام)) (ص 56).

انظر أيضا: