تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
اخْتَلَفَ العُلَماءُ في طَلَبِ الشُّفْعةِ: يكونُ على الفَوْرِ أو على التَّراخي، على قَوْلَينِ: القَوْلُ الأوَّلُ: طَلَبُ الشُّفْعةِ يكونُ على الفَوْرِ إذا عَلِمَ به، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفِيَّةِ [17] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/242)، ((الفتاوى الهندية)) (5/172). ، والأَظهَرُ عنْدَ الشَّافِعِيَّةِ [18] ((فتح العزيز)) للرافعي (11/490)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/215). ، والمَذهَبُ عنْدَ الحَنابِلةِ [19] ((الإنصاف)) للمرداوي (6/191)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/140). ، وهو قَوْلُ بعضِ السَّلَفِ [20] قالَ ابنُ قُدامةَ: (وهذا قَوْلُ ابنِ شُبْرُمةَ، والبَتِّيِّ، والأوْزاعيِّ، وأبي حَنيفةَ، والعَنْبَريِّ). ((المغني)) (5/241). . وذلك للآتي: أوَّلًا: القِياسُ على الرَّدِّ بالعَيْبِ؛ فإنَّه يكونُ على الفَوْرِ، والجامِعُ بَيْنَهما أنَّ الكُلَّ خِيارٌ ثَبَتَ لدَفْعِ الضَّرَرِ [21] ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/215). . ثانِيًا: لأنَّ إثْباتَه على التَّراخي يَضُرُّ المُشْتَريَ؛ لكَوْنِه لا يَسْتقِرُّ مِلْكُه على المَبيعِ، ويَمنَعُه مِن التَّصرُّفِ بعِمارتِه خَشيةَ أخْذِه مِنه [22] ((المغني)) لابن قُدامةَ (5/241). . ثانِيًا: لأنَّ سُكوتَه بَعْدَ العِلمِ يَدُلُّ على رِضاه بجِوارِ الجارِ الحادِثِ، ومُعاشَرتِه، فتَبطُلُ شُفْعتُه به [23] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/242، 243). . القَوْلُ الثَّاني: طَلَبُ الشُّفْعةِ يكونُ على التَّراخي حتَّى لو عَلِمَ، وهو مَذهَبُ المالِكِيَّةِ [24] إلَّا إذا مَضى مِن الأمَدِ ما يُرى أنَّه تارِكٌ لها. ولهم رِوايتانِ في وَقْتِ انْقِضائِها؛ إحْداهما: إذا مَضَتْ له سَنَةٌ، والأُخْرى: لا تَنْقطِعُ شُفْعتُه أبَدًا حاضِرًا كانَ أو غائِبًا، إلَّا أن يُسقِطَها أو يَظهَرَ مِنه ما يَدُلُّ على إسْقاطِها. ((التاج والإكليل)) للمواق (5/321) ويُنظَرُ: ((التفريع في فقه الإمام مالك)) لابن الجلاب (2/345)، ((التبصرة)) للخمي (7/3326). ، ومُقابِلُ الأَظهَرِ عنْدَ الشَّافِعِيَّةِ [25] ((فتح العزيز)) للرافعي (11/490)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/215). ، ورِوايةٌ عن أحْمَدَ [26] ((الإنصاف)) للمرداوي (6/191). ويُنظَرُ: ((المغني)) لابن قُدامةَ (5/241). ، وهو اخْتِيارُ الشَّوْكانيِّ [27] قالَ الشَّوْكانيُّ: (قد ثَبَتَ في السُّنَّةِ المُطهَّرةِ بالأحاديثِ الصَّحيحةِ أنَّ الشُّفْعةَ حَقٌّ ثابِتٌ لمَن له سَبَبٌ يَسْتحِقُّها به، فمَن زَعَمَ أنَّه يُشتَرَطُ فيها الفَوْرُ وأنَّ التَّراخيَ يُبطِلُها، فعليه الدَّليلُ، فإن جاءَ به صافِيًا عن شَرْبِ الكَدَرِ فبها ونِعْمَتْ، وإن عَجَزَ عن ذلك كانَ الحَقُّ الثَّابِتُ بالدَّليلِ الصَّحيحِ باقِيًا غَيْرَ باطِلٍ بتَرْكِ الفَوْرِ وحُصولِ التَّراخي، ولم يَأتِ المُدَّعي للبُطْلانِ بشيءٍ يَصلُحُ للتَّمَسُّكِ به أصْلًا؛ فإنَّ حَديثَ: «الشُّفْعةُ كحَلِّ العِقالِ» قد قالَ ابنُ حبَّانَ: لا أصْلَ له. وقال أبو زُرْعةَ: مُنكَرٌ. وقالَ البَيْهَقيُّ: ليس بثابِتٍ). ((السيل الجرار)) (ص: 565). ، وابنِ عُثَيْمينَ [28] قالَ ابنُ عُثَيْمينَ: (الرَّاجِحُ أنَّ الشُّفْعةَ حَقٌّ للشَّفيعِ لا تَسقُطُ إلَّا بما يَدُلُّ على إسْقاطِها مِن قَوْلٍ أو عَمَلٍ، فأمَّا القَوْلُ فبأنْ يَقولَ: إنِّي أَسقَطْتُ الشُّفْعةَ في نَصيبِ شَريكي الَّذي باعَه، وأمَّا العَمَلُ فبأنْ يَرى المُشْتَريَ يَتَصرَّفُ فيما اشْتَراه وهو ساكِتٌ، لم يَقُلِ: انْتَظِرْ حتَّى أَنظُرَ في أمْري أَأشْفَعُ أم لا؛ لأنَّ إقْرارَه على ذلك يَدُلُّ على رِضاه). ((التعليق على الكافي)) (6/507). وقالَ أيضًا: (القَوْلُ الرَّاجِحُ الَّذي يَتَعيَّنُ الأخْذُ به أن يُقالَ: هي على التَّراخي لا تَسقُطُ إلَّا بما يَدُلُّ على الرِّضا. فإذا قالَ المُشْتَري: إلى متى أَنْتَظِرُ، ما أَدْري متى يَرْضى أو لا يَرْضى؟ ففي هذه الحالِ نَضرِبُ له أجَلًا مُناسِبًا، فيقالُ للشَّريكِ الَّذي له الشُّفْعةُ: لك ثَلاثةُ أيَّامٍ، أو لك يَوْمانِ، أو لك أرْبَعةُ أيَّامٍ، حَسَبَ الحالِ؛ لأنَّنا لو قُلْنا: لك إلى شَهْرينِ أو ثَلاثةٍ حتَّى تَرْضى، صارَ في ذلك ضَرَرٌ على المُشْتَري. إذًا القَوْلُ الرَّاجِحُ: أنَّها ليست على الفَوْرِ بلْ هي على التَّراخي). ((الشرح الممتع)) (10/251). وقالَ أيضًا: (...الصَّحيحُ: أنَّه على التَّراخي؛ لأنَّه حَقٌّ له، ولا يَسْتقِرُّ إلَّا بما يَدُلُّ على الرِّضا مِن قِبَلِ الشَّفيعِ). ((التعليق على الكافي)) (6/509). . وذلك للآتي: أوَّلًا: لأنَّه لا ضَرَرَ في تَراخي الخِيارِ، فلم يَسقُطْ بالتَّأخيرِ [29] ((المغني)) لابن قُدامةَ (5/241). . ثانيًا: القِياسُ على حَقِّ القِصاصِ؛ فإنَّه لا يَسقُطُ بالتَّراخي والتَّأخيرِ [30] ((المغني)) لابن قُدامةَ (5/241). . ثالِثًا: لأنَّ المُطالَبةَ بالشُّفْعةِ حَقٌّ للشَّفيعِ، ومَن له حَقُّ المُطالَبةِ طَلَبَه في أيِّ وَقْتٍ شاءَ [31] ((المعونة على مَذهَب عالم المدينة)) للقاضي عبد الوهاب (2/1274). . رابِعًا: لأنَّ في إيجابِه المُطالبةَ فَوْرًا ضَرَرًا على الشَّفيعِ؛ لأنَّه قد يَعلَمُ ولم يَحصِّلِ الثَّمَنَ، فيُؤَدِّي ذلك إلى تَفْويتِه حَقَّ الشُّفْعةِ [32] ((المعونة على مَذهَب عالم المدينة)) للقاضي عبد الوهاب (2/1274). .