المَبحَثُ الثَّاني: زيادةُ الإيمانِ ونَقْصُه
بناءً على ما تقدَّم من أنَّ
الخَوارِجَ يقولون باعتِبارِ العَمَلِ جُزءًا من ماهيَّةِ الإيمانِ، يقومُ رأيُهم في مسألتَيْ زيادةِ الإيمانِ ونَقصِه، وحُكمِ مُرتَكِبِ الكبيرةِ.
و
الخَوارِجُ ينقَسِمون في زيادةِ الإيمانِ ونَقصِه إلى فريقَينِ:
الإباضيَّةُ منهم بصِفةٍ خاصَّةٍ، وغيرُهم من
الخَوارِجِ بصِفةٍ عامَّةٍ.
فغَيرُ الإباضيِّينَ من
الخَوارِجِ يرَونَ أنَّ الإيمانَ لا يزيدُ ولا يَنقُصُ، فهو إمَّا أن يبقى كُلُّه، وإمَّا أن يذهَبَ كُلُّه8.
وذَهابُ الإيمانِ عِندَهم يكونُ بنَقصِ بَعضِ الأعمالِ، أو ارتكابِ بعضِ الكبائِرِ.
قال
ابنُ حزمٍ عنهم: (يقولون بذَهابِ الإيمانِ جُملةً بإضاعةِ الأعمالِ)
[421] ((الفصل)) (3/ 106). .
وقال
ابنُ تيميَّةَ: (أمَّا قولُ القائِلِ: إنَّ الإيمانَ إذا ذهب بعضُه ذهب كُلُّه، فهذا ممنوعٌ، وهذا هو الأصلُ الذي تفرَّعت عنه البِدَعُ في الإيمانِ؛ فإنَّهم ظنُّوا أنَّه متى ذهَب بعضُه ذهب كُلُّه، لم يَبْقَ منه شَيءٌ، ثُمَّ قالت
الخَوارِجُ و
المُعتَزِلةُ: هو مجموعُ ما أمَر اللهُ به ورسولُه، وهو الإيمانُ المُطلَقُ، كما قال أهلُ الحديثِ، قالوا: فإذا ذهَب شيءٌ منه لم يَبْقَ مع صاحِبِه من الإيمانِ شيءٌ، فيُخَلَّدُ في النَّارِ)
[422] ((الإيمان)) (ص: 186). .
وقال أيضًا: (أمَّا
الخَوارِجُ و
المُعتَزِلةُ فيُخرِجونَهم من اسمِ الإيمانِ والإسلامِ، فإنَّ الإيمانَ والإسلامَ عِندَهم واحِدٌ، فإذا خرجوا عِندَهم من الإيمانِ خرَجوا من الإسلامِ)
[423] ((الإيمان)) (ص: 191). .
وممَّا يجدُرُ ذِكرُه هنا أنَّ
الخَوارِجَ وإن أشبَهوا
المُعتَزِلةَ في قولِهم بعَدَمِ زيادةِ الإيمانِ ونَقصِه، وخُروجِ مُرتَكِبِ الكبيرةِ من مفهومِ الإيمانِ، إلَّا أنَّ
المُعتَزِلةَ يجعَلونَه في مَنزِلةٍ بَينَ المنزِلَتينِ، ويَحكُمون عليه بالخُلودِ في النَّارِ، وأمَّا
الخَوارِجُ فإنَّهم يَحكُمون عليهم بالكُفرِ، كما سيتبيَّنُ ذلك.
والإيمانُ عِندَهم لا يَنقُصُ بالمَعصيةِ، لكِنَّ الشَّخصَ يَخرُجُ عن الإيمانِ ويَحبَطُ ما قدَّم من خيرٍ بمجرَّدِ أن يرتَكِبَ أيَّ كبيرةٍ؛ لأنَّ الإيمانَ إمَّا أن يبقى جملةً أو يذهَبَ جملةً، فلا زيادةَ ولا نَقصَ ولا مَغفِرةَ لكبيرةٍ، فهي تهدِمُ الإيمانَ ولا تُنقِصُه.
وأمَّا الفريقُ الثَّاني من
الخَوارِجِ وهم
الإباضيَّةُ فإنَّهم يَرَونَ أنَّ الإيمانَ يزيدُ ويَنقُصُ، وهم بذلك يخالِفون عامَّةَ
الخَوارِجِ [424] ((الإباضية بين الفرق)) (ص: 441). .
وقد أورد الرَّبيعُ بنُ حبيبٍ في مُسنَدِه الجامِعِ الصَّحيحِ (وهو أصَحُّ كُتُبِ الحديثِ عِندَ
الإباضيَّةِ) هذينِ الحديثَينِ اللَّذَينِ يدُلَّانِ على أنَّ الإيمانَ يتفاضَلُ، فقال:
((سُئِل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ المُؤمِنِ أفضَلُ إيمانًا؟ فقال: أحسَنُهم خُلُقًا )) [425] أخرجه الرَّبيعُ بنُ حَبيبٍ في ((المسند)) (772). والحديثُ أخرجه الطبراني (13/596) (14512) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما بلفظ: (فأيُّ المؤمنين أفضَلُ إيمانًا؟ قال: أحسَنُهم خُلُقًا). صَحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1129). .
وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((الإيمانُ مائةُ جُزءٍ، أعظَمُها قولُ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطَّريقِ )) [426] أخرجه الرَّبيعُ بنُ حَبيبٍ في ((المسند)) (773). وأصلُ حديثِ شُعَبِ الإيمان في صحيح مُسلِم (35) عن أبي هُرَيرةَ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الإيمانُ بِضعٌ وسَبعون أو بِضعٌ وسِتُّون شُعبةً، فأفضَلُها قولُ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطَّريقِ ، والحياءُ شُعبةٌ من الإيمانِ)). وأخرجه البخاري (9) مختصرًا بلفظ: ((الإيمانُ بِضعٌ وسِتُّون شُعبةً، والحياءُ شُعبةٌ من الإيمانِ)). .
ولكِنَّ
الإباضيَّةَ مع قولِهم بزيادةِ الإيمانِ ونَقصِه، وكَونِهم لا يَحكُمون على مُرتَكِبِ الكبيرةِ بالكُفرِ المُخرِجِ من المِلَّةِ كبقيَّةِ
الخَوارِجِ إلَّا أنَّهم يَحكُمون عليه بكُفرِ النِّعمةِ.
والحَقُّ الذي يُؤَيِّدُه الكِتابُ والسُّنَّةُ، ويَشهَدُ له صحيحُ المعقولِ، وتؤكِّدُه أقوالُ السَّلَفِ في هذه المسألةِ: هو القولُ بزيادةِ الإيمانِ ونَقصِه؛ فإنَّ النَّاسَ يختَلِفون في أداءِ الأوامِرِ واجتنابِ النَّواهي، وفي الرِّضا بما قدَّر اللهُ، واليقينِ به تعالى والتَّوكُّلِ عليه، على دَرَجاتٍ يَلحَظُها الشَّخصُ في نَفسِه وفي غيرِه، فقد قال اللهُ تعالى إخبارًا عن المُنافِقين:
وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة: 124] وقال اللهُ تعالى في وَصفِ المُؤمِنين عِندَما رأوا الأحزابَ من حولِهم:
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [الأحزاب: 22] ، وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ مُبَيِّنًا حالَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابِه حينَ خُوِّفوا من قُرَيشٍ وغَيرِهم:
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا [آل عمران: 173] ، وقال اللهُ تعالى في السَّبَبِ الذي من أجْلِه جَعَل أصحابَ النَّارِ ملائِكةً، وفي عِدَّتِهم أيضًا:
وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا [المدثر: 31] ، وقال تعالى في أصحابِ الكهفِ:
إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف: 13] ، وقال تعالى:
وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى [مريم: 76] ، والآياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ في كتابِ اللهِ تعالى، وإذا ثبتَت الزِّيادةُ، فإنَّ مقابِلَها وهو النَّقصُ ثابِتٌ أيضًا؛ لأنَّ ما قَبِلَ الزِّيادةَ يَقبَلُ النَّقصَ، وقد استدَلَّ
البخاريُّ في صحيحِه بهذه الآياتِ، وأثبت أنَّ الإيمانَ (يزيدُ ويَنقُصُ)
[427] ((صحيح البخاري)) (1/17). ويُنظر: ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز (ص: 288). .
وأمَّا السُّنَّةُ النَّبَويَّة فقد وردت فيها أحاديثُ كثيرةٌ تُشيرُ إلى أنَّ الإيمانَ يَزيدُ ويَنقُصُ، وأنَّ النَّاسَ يتفاضَلون فيه.
ومن ذلك قولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا يؤمِنُ أحَدُكم حتَّى أكونَ أحَبَّ إليه من وَلَدِه ووالِدِه والنَّاسِ أجمعينَ )) [428] أخرجه البخاري (15)، ومُسلِم (44) واللَّفظُ له من حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه .
قال ابنُ أبي العِزِّ: (المرادُ نَفيُ الكمالِ)
[429] ((شرح الطحاوية)) (ص: 290). ، وقد وصَف صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النِّساءَ بنُقصانِ العَقلِ والدِّينِ؛ قال: أمَّا نُقصانُ العَقلِ فشَهادةُ امرأتَينِ تَعدِلُ شهادةَ رَجُلٍ، فهذا نقصانُ العَقلِ، وتمكُثُ اللَّياليَ ما تُصَلِّي، وتُفطِرُ في رمضانَ، فهذا نُقصانُ الدِّينِ
[430] أخرجه مُسلِم (79) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما. وأخرجه البخاري (304)، ومُسلِم (80) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ. . فقد وصَفَهنَّ عليه السَّلامُ بنَقصِ الدِّينِ، وذلك بسَبَبِ نَقصِ الطَّاعاتِ.
قال
النَّوويُّ: (إذا ثبت هذا عَلِمْنا أنَّ من كَثُرت عبادتُه زاد إيمانُه ودينُه، ومن نَقَصَت عبادتُه نَقَص دينُه)
[431] ((شرح مُسلِم)) (1/68). .
أمَّا نقصُ الإيمانِ بالمعاصي فقد وردت عِدَّةُ أحاديثَ فيها ذِكرُ مجموعةٍ من المعاصي تُنقِصُ إيمانَ من ارتكب منها واحدًا، كما ورد في حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لا يزني الزَّاني حينَ يزني وهو مُؤمِنٌ، ولا يَسرِقُ السَّارقُ حينَ يَسرِقُ وهو مُؤمِنٌ، ولا يَشرَبُ الخَمرَ حِينَ يَشرَبُها وهو مُؤمِنٌ )) [432] رواه البخاري (5578)، ومُسلِم (57) واللَّفظُ له. وفي روايةٍ عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه:
((ولا ينتَهِبُ نُهبةً ذاتَ شَرَفٍ، يرفَعُ النَّاسُ إليه فيها أبصارَهم حينَ يَنتَهِبُها وهو مُؤمِنٌ )) [433] رواها مُسلِم (57). . إلَّا أنَّ هذا الحديثَ وما في معناه ليس المرادُ به نفيَ الإيمانِ مُطلَقًا كما تقولُ
الخَوارِجُ، ولكِنَّ المقصودَ به نفيُ كمالِ الإيمانِ.
قال
النَّوويُّ: (القَولُ الصَّحيحُ الذي قاله المحَقِّقون أنَّ معناه: لا يفعَلُ هذه المعاصيَ وهو كامِلُ الإيمانِ، وهذا من الألفاظِ التي تُطلَقُ على نفيِ الشَّيءِ، ويرادُ نَفيُ كَمالِه)
[434] ((شرح مُسلِم)) (1/41)، ويُنظر: ((اللمع)) للأشعري (ص: 124). .
وورد في الحديثِ أنَّ الأعمالَ تتفاضَلُ، وأنَّ بَعضَها يفضُلُ بعضَها، والمفضولُ يكونُ ناقصًا عن الفاضِلِ، كما يشيرُ إليه حديثُ أبي موسى الأشعَريِّ رَضيَ اللهُ عنه في روايتِه الآتيةِ: (قالوا: يا رسولَ اللهِ، أيُّ الإسلامِ أفضَلُ؟ قال: مَن سَلِمَ المُسلِمون مِن لِسانِه ويَدِه)
[435] أخرجه البخاري (11) واللَّفظُ له، ومُسلِم (42). .
وقد أورده
البخاريُّ شاهِدًا على قَبولِ الإيمانِ للزِّيادةِ والنَّقصِ
[436] رواه البخاري (11)، ومُسلِم (42). ؛ لأنَّه كما قال
ابنُ حَجَرٍ: (الإسلامُ والإيمانُ عِندَه مُترادِفانِ)
[437] ((فتح الباري)) (1/55). .
ويَشهَدُ لهذا أيضًا حديثُ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((يدخُلُ أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ، وأهلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يقولُ اللهُ تعالى: أخرِجوا من كان في قَلبِه مثقالُ حبَّةٍ من خردَلٍ من إيمانٍ، فيُخرَجون منها قد اسوَدُّوا، فيُلْقَون في نَهرِ الحَيَا أو الحياةِ - شَكَّ مالِكٌ، وهو أحَدُ رواةِ الحديثِ- فيَنبُتون كما تَنبُتُ الحِبَّةُ في جانِبِ السَّيلِ )) [438] رواه البخاري (22) واللَّفظُ له، ومُسلِم (184). .
وقد وردت عن السَّلَفِ أقوالٌ كثيرةٌ في زيادةِ الإيمانِ ونَقصِه، أورد منها
البخاريُّ ما قاله معاذٌ رَضيَ اللهُ عنه لأحَدِ الصَّحابةِ: (اجلِسْ بنا نُؤمِنْ ساعةً)
[439] أخرجه البخاري مُعَلَّقًا بصيغة الجزم قبل حديث (8)، وأخرجه موصولًا ابن أبي شيبة (31000) واللَّفظُ لهما، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (1/235) باختلافٍ يسيرٍ. صَحَّحه ابنُ حجر في ((تغليق التعليق)) (2/21)، وصحَّح إسنادَه ابنُ المُلَقِّن في ((شرح البخاري)) (2/440)، والألباني على شرط الشيخين في ((الإيمان)) لابن أبي شيبة (105)، وشعيب الأرناؤوط على شرطهما في ((شرح السنة)) (1/40). ، وقولَ
عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه: (اليقينُ الإيمانُ كُلُّه)
[440] أخرجه البخاري معلَّقًا بصيغةِ الجزم قبل حديث (8)، وأخرجه موصولًا الحاكم (3666)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (9717). صَحَّحه ابنُ حَجَر في ((تغليق التعليق)) (2/22)، والألباني في ((صحيح الترغيب)) (3397)، وصحَّح إسنادَه الحاكم، وابن الملقن في ((شرح البخاري)) (2/441). ، وورد عن أبي الدَّرداءِ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّه قال: (مِن فِقهِ العبدِ أن يتعاهَدَ إيمانَه وما نَقَص منه، ومِن فِقهِ العبدِ أن يَعلَمَ أمُزدادٌ هو أم مُنتَقِصٌ)
[441] أخرجه اللَّالَكائي في ((شرح أصول الاعتقاد)) (1710). .
وكان
عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه يقولُ في دُعائِه: (اللَّهُمَّ زِدْنا إيمانًا ويقينًا وفِقهًا)
[442] رواه عبد الله بن أحمد في ((السنة)) (797)، والخَلَّال في ((السنة)) (1120)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (1132). صحَّح إسنادَه ابن حجر في ((فتح الباري)) (1/63)، وجوَّده الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/188). .
وقد استفاض النَّقلُ عن السَّلَفِ أنَّهم يَرَونَ الإيمانَ يَزيدُ ويَنقُصُ.
قال
الأشعَريُّ في إبانةِ قَولِ أهلِ الحَقِّ والسُّنَّةِ: إنَّهم يقولونَ: إنَّ (الإيمانَ يَزيدُ ويَنقُصُ)
[443] ((الإبانة عن أصول الديانة)) (ص: 10). . وقال بدرُ الدِّينِ الحَنبليُّ عن الإيمانِ، بَعدَ أن عَرَّفه بأنَّه قولٌ وعَمَلٌ: (يزيدُ ويَنقُصُ، يزيدُ بالطَّاعةِ والحَسَناتِ ويَنقُصُ بالفُسوقِ والعِصيانِ)
[444] ((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص: 267). ويُنظر: ((الإبانة عن أصول الديانة)) للأشعري (ص: 10). .
وقال أيضًا: (الإيمانُ يتبَعَّضُ ويتفاضَلُ النَّاسُ فيه)
[445]((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص: 142). ويُنظر: ((شرح العقيدة الأصفهانية)) لابن تيمية (ص: 144). .
إنَّ ما يراه أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ من أنَّ الإيمانَ يزيدُ ويَنقُصُ، وأنَّ أهلَه يتفاضَلون فيه كُلٌّ بما رزقه اللهُ ووفَّقه وشرَح صَدْرَه لذلك: هو ما يَشهَدُ به العقلُ ويُثبِتُه الواقِعُ؛ إذ إنَّ من أوَّلِ البَديهيَّاتِ التي تدُلُّ على تفاضُلِ النَّاسِ في الإيمانِ ما يشاهَدُ من إخلاصِ بَعضِهم وقوَّةِ صَبرِهم على احتمالِ أوامِرِ اللهِ ونواهيه بصَدرٍ رَحبٍ، وطُمَأنينةٍ تامَّةٍ، بينما نرى البعضَ الآخَرَ لا يؤدِّي ما أوجبه اللهُ عليه إلَّا بكُرهٍ من نفسِه وكَسَلٍ تامٍّ، وهذا أمرٌ ظاهِرٌ.
ولقد كان الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم وهم خيرُ الأمَّةِ يَعرِفون تفاضُلَهم فيه، كما تشهَدُ بذلك أقوالُهم، وإنَّه لَمِن غيرِ الإنصافِ والعَدلِ أن نقولَ: إنَّ إيمانَ ويقينَ أيِّ شَخصٍ كان كإيمانِ
أبي بكرٍ ويقينِه، وحُبِّه للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتعظيمِه له، إلَّا إذا كابَرْنا الحَقَّ وتجنَّبْنا الطَّريقَ الواضِحَ، كما هو رأيُ عامَّةِ
الخَوارِجِ في عَدَمِ زيادةِ الإيمانِ ونَقصِه، وهو زَعْمٌ باطِلٌ، وممَّا يدُلُّ على بُطلانِه ما رتَّبوه عليه من نتائِجَ خَطيرةٍ، كتكفيرِهم عُصاةَ المُسلِمين، والقَولِ بتخليدِهم في النَّارِ، واستحلالِهم أخذَ أموالِهم، وسَبْيَ نِسائِهم وذراريِّهم. واللهُ المُستعانُ.