موسوعة الفرق

الفرْعُ الأوَّلُ: من فِرَقِ الزَّيديَّةِ: الجاروديَّةُ


وهي نِسبةٌ إلى أبي الجارودِ زيادِ بنِ المنذِرِ الكوفيِّ، الهَمدانيِّ، وقيل: الثَّقَفيِّ، من أشهَرِ غُلاةِ الزَّيديَّةِ، تُوُفِّيَ سنةَ 150هـ، وقيل: سنة 160هـ.
يقالُ: إنَّ جَعفَرَ بنَ مُحمَّدِ بنِ عليٍّ قال عنه: (لعنه اللَّهُ؛ فإنَّه أعمى القَلبِ، أعمى البَصَرِ)، وقال فيه مُحمَّدُ بنُ سِنانٍ: (أبو الجارودِ لم يمُتْ حتى شَرِبَ المُسكِرَ، وتولَّى الكافِرين) [271] يُنظر: ((الفهرست)) لابن النديم (ص: 226، 227)، ((الملل والنحل)) للشهرستاني (1/159، 162). .
وقال عنه الذَّهبيُّ: (أحدُ المتروكين. قال النَّسائيُّ وغيرُه: متروكٌ. وقال ابنُ حِبَّان: كان رافضيًّا يضَعُ الحديثَ في المثالِبِ. وقال الحَسَنُ بنُ موسى النُّوبَختيُّ في مقالاتِ الرَّافضةِ: والجاروديَّةُ هم أصحابُ أبي الجارودِ زِيادِ بنِ المُنذِرِ، يقولون: عَليٌّ رَضِيَ اللَّهُ عنه أفضَلُ الخَلقِ بعدَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويَبرؤون من أبي بَكرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. قال يحيى بنُ مَعينٍ: هو كذَّابٌ خَبيثٌ) [272] ((تاريخ الإسلام)) (4/ 370). .
ويُلَقَّبُ أبو الجاروِد بسُرْحوبٍ، لقَّبه بذلك الباقِرُ أبو جَعفَرٍ مُحمَّدُ بنُ عَليِّ بنِ الحُسَينِ، وفُسِّرَ معناه بأنَّه شيطانٌ أعمى [273] يُنظر: ((القاموس المحيط)) للفيروزابادي (ص: 97). .
قال الزَّبيديُّ: (سُرْحوبٌ لَقَبُ أبي الجارودِ إمامِ الطَّائفةِ الجاروديَّةِ مِن غلاةِ الزَّيديَّةِ، يتجاهَرون بسَبِّ الشَّيخينِ -برَّأهما اللَّهُ ممَّا قالوا- وهم موجودون بصنعاءِ اليَمَنِ، لقَّبه به الإمامُ أبو عبدِ اللَّهِ محمَّدٍ الباقِرِ بنِ الإمامِ عليٍّ السَّجَّادِ ابنِ السِّبطِ الشَّهيدِ رِضوانُ اللَّهِ عليهم أجمعين) [274] ((تاج العروس)) (3/ 56). ويُنظر: ((شرح رسالة الحور العين)) لنشوان الحميري (ص: 156). .
وكان لأبي الجارودِ أصحابٌ وأتباعٌ زعَموا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نصَّ على إمامةِ عَليٍّ رَضِي اللَّهُ عنه بالوَصفِ والإشارةِ دونَ التَّسميةِ والتَّعيينِ؛ فهو الإمامُ بعدَه دونَ أبي بَكرٍ وعُمَرَ وعثمانَ رضي اللَّهُ عنهم، وزعَموا أنَّ النَّاسَ قد قصَّرُوا حيثُ لم يتعَرَّفوا الوَصفَ، ولم يَطلُبوا الموصوفَ، وإنمَّا نصَبوا أبا بكرٍ باختيارِهم، فكَفَروا بذلك [275] يُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) لأبي الحسن الأشعري (ص: 66)، ((أوائل المقالات)) للشيخ المفيد (ص: 84)، ((الملل والنحل)) للشهرستاني (1/157، 159)، ((مسائل الإمامة)) للناشئ الأكبر (ص: 42)، ((شرح رسالة الحور العين)) لنشوان الحميري (ص: 155)، ((مقدمة ابن خلدون)) (2/534)، ((المنية والأمل)) لابن المرتضى (ص: 97)، ((المواعظ والاعتبار)) للمقريزي (2/352). !
وقد جَعَل الشَّيخُ المُفيدُ الجاروديَّةَ من غُلاةِ الشِّيعةِ، وقَرَنَهم بالشِّيعةِ الإماميَّةِ [276] يُنظر: ((أوائل المقالات)) (ص: 40). ويُنظر: ((مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة)) لناصر القفاري (1/162). .
وذَكَر الدَّامغانيُّ أنَّ هذه المقالةَ للجاروديَّةِ مخالِفةٌ لمقالةِ زَيدِ بنِ عَليٍّ، وأنَّ الظَّاهِرَ من أقوالِ الزَّيديَّةِ التَّوقُّفُ في أمرِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ، مع اعتقادِ أنَّ الإمامَ بعدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو عَليٌّ رَضِي اللَّهُ عنه، وأنَّ أبا بكرٍ وعُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما قد أخطآ في التَّقدُّمِ عليه خطأً لا يُقطَعُ بأنَّه فِسقٌ؛ فلذلك توقَّفوا في حالِهما لوجوه:
الوَجهُ الأوَّلُ: لمَّا لم يكُنِ النَّصُّ على عَليٍّ رَضِي اللَّهُ عنه جَليًّا، كقَولِه: هو الخليفةُ بعدي على أمَّتي، والقائِمُ عليهم مقامي، ونحوُ ذلك، وإنَّما قال: ((هو منِّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى، إلَّا أنَّه لا نبيَّ بَعدي)) [277] أخرجه مسلم (2404) من حديثِ سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظه: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعليٍّ: ((أنت مني بمنزلةِ هارونَ من موسى، إلَّا أنَّه لا نبيَّ بَعْدي)). ، و((مَن كُنتُ مولاه فعَليٌّ مَولاه)) [278] أخرجه أحمد (22945)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (8145)، والحاكم (4578) من حديثِ بُرَيدةَ الأسلميِّ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه الحاكمُ، وقال: على شرط مسلم، والألباني في ((صحيح الجامع)) (6523)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (157)، وصحَّح إسنادَه البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (7/211)، وشعيب الأرناؤوط على شرط الشيخين في تخريج ((مسند أحمد)) (22945). ، ونحوَ ذلك ممَّا يُستنبَطُ منه بالاستدلالِ أنَّ المرادَ به الخلافةُ، فلمَّا لم يُفهَمْ ذلك بصريحِ اللَّفظِ لم يَجُزْ أن يَهلِكا؛ لأنَّه يجوزُ أنَّهم فَهِموا من هذه الأدلَّةِ غيرَ الخلافةِ، كما فَهِمه مَنْ بَعدَهم من المُخالِفين.
الوَجهُ الثَّاني: أنَّ الذين رَوَوا هذه الأحاديثَ اعتَقَدوا الخلافةَ في أبي بَكرٍ وعُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما، فدلَّ على أنَّهم فَهِموا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يَرِدِ الخلافةَ بها.
الوَجهُ الثَّالثُ: أنَّ الصَّحابةَ كالمجمِعين على ذلك، وفي تخطئةِ جميعِهم حَرَجٌ عظيمٌ؛ لأنَّه يَقطَعُ الثِّقةَ بالشَّريعةِ؛ لأنَّهم الذين نَقَلوها إلى الأمَّةِ.
الوَجهُ الرَّابعُ: أنَّه قد وردت أحاديثُ عِدَّةٌ أنَّ أبا بكرٍ وعُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما من أهلِ الجنَّةِ [279] ومنها حديثُ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوفٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أبُو بَكرٍ في الجَنَّةِ، وعُمرُ في الجَنَّةِ، وعُثمانُ في الجَنَّةِ، وعَليٌّ في الجَنَّةِ، وطَلحةُ في الجَنَّةِ، والزُّبَيرُ في الجَنَّةِ، وعَبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ في الجَنَّةِ، وسَعدٌ في الجَنةِ، وسَعيدٌ في الجَنَّةِ، وأبُو عُبيدةَ بنِ الجَرَّاحِ في الجَنَّةِ)) أخرجه الترمذي (3747) واللفظ له، وأحمد (1675). صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (7002)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3747)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (3/136)، وشعيب الأرناؤوط على شرط مسلم في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (7002). ، وبأنَّ أهلَ بَدرٍ قد غُفِر لهم، ولو عَمِلوا ما شاؤوا [280] أخرجه البخاري (3007)، ومسلم (2494) من حديثِ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال عن أهلِ بَدرٍ: ((لعَلَّ اللهَ اطَّلَع عَلى أهلِ بَدرٍ فقال: اعمَلوا ما شِئتُم فقَد غَفَرْتُ لكم)) ، وخَبَرُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يجوزُ أن ينقَلِبَ، وهذه الأحاديثُ يجوزُ فيها الصِّحَّةُ، فالتَّوقُّفُ فيهم أمانٌ، والوقيعةُ فيهم خَطَرٌ.
الوَجهُ الخامِسُ: أنَّ عَليًّا رضي اللَّهُ عنه صاحِبَ الحَقِّ لم يُنقَلْ عنه أحدٌ أنَّه سَبَّهما، ولا تبَرَّأ منهما، ولا حكى أنَّهما من الكُفَّارِ، ولا من أهلِ النَّارِ، وقد رُوِيَ أنَّه دعا لهما، وعاضَدَهما في أمرِهما، وجاهَدَ معهما بنَفسِه ورأيِه ولِسانِه، وبايَعَهما ونَصَرَهما.
فلتلك الوجوهِ ذَهَبَت الزَّيديَّةُ إلى التَّوقُّفِ في حالِ الشَّيخينِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما، مع اعتقادِ أنَّهما من فُضَلاءِ الصَّحابةِ، ولكِنْ جَرَت منهما خطيئةٌ في الإمامةِ، واللَّهُ سُبحانَه أعلَمُ بحالِهما فيها، ويزعُمون أنَّ هذه الطَّريقةَ طريقةُ جميعِ العَلَويَّةِ، كزينِ العابدينَ عَليِّ بنِ الحُسَينِ، وعبدِ اللَّهِ بنِ الحَسَنِ، وأولادِهما، وطريقةُ أتقياءِ الشِّيعةِ [281] يُنظر: ((الجوهرة الخالصة)) (ص: 102-105). .
وزعَمَت طائفةٌ من الجاروديَّةِ أنَّ مُحمَّدَ بنَ عبدِ اللَّهِ بنِ الحَسَنِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ (ت 145هـ) المعروفَ بالنَّفسِ الزَّكيَّةِ حيٌّ لم يُقتَلْ، ولا يموتُ حتَّى يملأَ الأرضَ عدلًا كما مُلِئَت جَورًا، وقد انتَظَروه وأنكروا قَتْلَه [282] يُنظر: ((مسائل الإمامة)) للناشئ الأكبر (ص: 46). ويُنظر: ((الفرق بين الفرق)) للبغدادي (ص: 231، 232)، ((الملل والنحل)) للشهرستاني (1/159)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (6/218). !
وزعَمَت طائفةٌ أُخرى أنَّ المشارَ إليه بهذه الصِّفاتِ هو مُحمَّدُ بنُ القاسِمِ بنِ عَليِّ بنِ عُمَرَ بنِ عَليِّ بنِ الحُسَينِ (ت بعد 219هـ) [283] هو مُعتزليٌّ شيعيٌّ من أهلِ الكوفةِ، يرى رأيَ الزيديةِ الجاروديةِ، وكانت العامةُ تلقِّبه بالصوفي، لإدمانِه لُبسَ الصُّوفِ الأبيضِ، وكان فقيهًا عابدًا زاهدًا، خرج أيامَ المعتصم العباسيِّ من الطالقان في خراسان، واستفحل أمرُه، وبايعه من أهلِ خراسانَ خلقٌ كثيرٌ، فظَفِر به عبدُ اللهِ بنُ طاهرٍ بعد وقائعَ كانت بينهما، وحبسه في الرَّيِّ، ثم نقله إلى بغداد مقيَّدًا بالحديد سنة 219هـ، وأمر به المعتصِمُ فسُجِن، ثمَّ هرب، قيل: إنَّه اختبأ إلى أن تُوفِّي بواسِطٍ، وقيل: إنَّه أُخِذ في أيام المتوكِّلِ فحُبِس إلى أن مات في السِّجنِ، والله أعلمُ، وقد انقاد إلى إمامتِه خلقٌ كثيرٌ من الزيديةِ، وزعم كثيرون أنَّه لم يمُتْ، وأنَّه حيٌّ يُرزقُ، وأنَّه سيخرجُ فيملؤها عدلًا كما مُلِئت جَورًا، وأنَّه مهديُّ هذه الأمَّةِ، وأكثرُ هؤلاء كانوا بناحيةِ الكوفةِ وجبالِ طَبَرِستانَ والدَّيلمِ وبعضِ نواحي خُراسانَ. يُنظر: ((مروج الذهب)) للمسعودي (3/ 464، 465)، ((مقاتل الطالبيين)) للأصفهاني (ص: 464 - 473)، ((الملل والنحل)) للشهرستاني (1/159)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (10/192)، ((المنية والأمل)) لابن المرتضى (ص: 97)، ((الأعلام)) للزركلي (6/ 334). ، الذي خرج على الدَّولةِ العبَّاسيَّةِ، ووقَعَت بسَبَبِه فتنةٌ عظيمةٌ في خُراسانَ [284] يُنظر: ((الملل والنحل)) للشهرستاني (1/159)، ((شرح رسالة الحور العين)) لنشوان الحميري (ص: 151)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (10/192)، ((المنية والأمل)) لابن المرتضى (ص: 97). .
وزعَمَت طائفةٌ ثالثةٌ أنَّ الموصوفَ بهذه الصِّفاتِ هو يحيى بنُ عُمَرَ بنِ الحُسَينِ بنِ زيدِ بنِ عَليٍّ (ت 250 هـ) [285] خرج أيَّامَ المتوكِّلِ العبَّاسيِّ سنة 235 هـ واتَّجه ناحيةَ خُراسان بجماعةٍ، فردَّه أميرُ خراسان إلى بغداد، فأمر المتوكِّلُ بضربِه وحبسِه، ثمَّ أطلقه، فأقام مدَّةً في بغداد، ثم إنَّه في أيام المستعينِ باللهِ توجَّه إلى الكوفةِ، فجمع بعضَ الأعرابِ، ودخلها ليلًا، فأخذ ما في بيتِ المال، وأخرج من في السُّجون، ودعا إلى الرِّضا من آلِ محمَّدٍ، فبايعه الناسُ، وطردوا نوَّابَ الخليفةِ من الكوفةِ، وقصده جيشٌ فحاربه، وظَفِر، فقَوِيَ أمرُه جِدًّا، وتولاه أهلُ بغداد من العامَّةِ وغيرِهم ممَّن يُنسَبُ إلى التشيعِ، وأحبوه أكثرَ من كُلِّ من خرج قبله من أهلِ البيتِ، ثمَّ أقبل عليه جيشٌ آخرُ جهَّزه محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بن طاهرٍ، فاقتتلوا قربَ الكوفةِ، فقُتِل يحيى بنُ عمرَ، وانهزم عسكرُه، وحُمِل رأسُه إلى المستعينِ العبَّاسيِّ مع الأسرى، وقُتل بعضُهم في الطَّريقِ، واللهُ المستعانُ. يُنظر: ((مقاتل الطالبيين)) للأصفهاني (ص: 506 - 521)، ((الأعلام)) للزركلي (8/160، 161). ، الذي دعا إلى نفسِه وخرج على الدَّولةِ العبَّاسيَّةِ، ووقَعَت بسَبَبِه فتنةٌ عظيمةٌ في الكوفةِ [286] يُنظر: ((مقاتل الطالبيين)) للأصفهاني (ص: 506 - 521)، ((الفصل)) لابن حزم (4/179)، ((المنية والأمل)) لابن المرتضى (ص: 97). .
وبعضُ الزَّيديَّةِ الجاروديَّةِ يَزعُمون أنَّ عِلْمَ أولادِ الحَسَنِ والحُسَينِ رَضِيَ اللَّهُ عنهم كعِلمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيَحصُلُ لهم العِلمُ قَبلَ التَّعلُّمِ فِطرةً وضَرورةً [287] يُنظر: ((الملل والنحلل) للشهرستاني (1/159). .
فِرَقُ جاروديَّةِ اليَمَنِ:
قال نشوانُ الحِميَريُّ: (إنَّه ليس باليَمَنِ مِن فِرَقِ الزَّيديَّةِ غيرُ الجاروديَّةِ، وهم بصَنعاءَ وصَعدةَ وما يليهما) [288] ((شرح رسالة الحور العين)) (ص: 156). ويُنظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (3/ 56). .
وقال الإمامُ الزَّيديُّ أحمدُ بنُ يحيى المُرتضى: (افتَرَق متأخِّرو الجاروديَّةِ إلى مُطَرِّفيَّةٍ وحُسَينيَّةٍ ومختَرِعةٍ) [289] ((المنية والأمل)) (ص: 97). ويُنظر: ((العواصم والقواصم)) لابن الوزير (3/457). .
1- الحُسَيْنيَّةُ:
نسبةً إلى الحُسَينِ بنِ القاسِمِ بنِ عَليٍّ العيانيِّ، الذي دعا إلى نفسِه بالإمامةِ سنةَ (393هـ)، وتلقَّب بالمهديِّ، زاعمًا أنَّه المهديُّ المنتَظَرُ الذي بشَّر به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
ويقالُ: إنَّه زعَم بأنَّه أفضلُ من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنَّ كلامَه ومُصَنَّفاتِه أفضلُ من القرآنِ، وأبهَرُ في ظهورِ المعنى، وقَطْعِ كلامِ الخَصمِ، وأنَّه فوقَ الملكوتيَّةِ ودونَ الرُّبوبيَّةِ! وكان يطلُبُ من النَّاسِ الأخماسَ في كُلِّ شيءٍ من الحِليةِ والأموالِ حتى في العَبيدِ والإماءِ، والثُّلُثَ في سائرِ الأشياءِ من الحُبوبِ وغيرِه، فمَن ساعده في ذلك وإلَّا حَكَم عليه بحُكمِ اليهودِ في فَرضِ الجِزيةِ وسَلبِ السِّلاحِ، ومن تعذَّر عن ذلك قَتَله وصَلَبه [290] يُنظر: ((تاريخ اليمن الإسلامي)) للمطاع (ص: 213 - 217). ! وقد انتهى أمرُه بأن قَتَلَتْه هَمدانُ في شمالِ صنعاءَ سنةَ (404هـ) وعُمُره بضعةٌ وعِشرون سنةً، وقد أقام شيعتُه في مَوضِعِ مَصرَعِه قبرًا يزعُمون أنَّه مدفونٌ فيه، وكانوا يجتَمِعون عنده كُلَّ سنةٍ في اليومِ الثَّامِنَ عَشَرَ من ذي الحِجَّةِ سَنويًّا للاحتفالِ بيومِ الغديرِ المشهورِ عِندَ الشِّيعةِ، وزعَم أتباعُه أنَّه المهديُّ المنتَظَرُ، وأنَّه حيٌّ لم يمُتْ، ولا يموتُ حتى يملأَ الأرضَ عدلًا، وقد استمَرَّت هذه الفِرْقةُ إلى المئةِ الثَّامنةِ للهجرةِ، ثُمَّ انقَرَضَت بحمدِ اللَّهِ [291] يُنظر: ((شرح رسالة الحور العين)) لنشوان الحميري (ص: 156-157)، ((العواصم والقواصم)) لابن الوزير (3/421)، ((بهجة الزمن)) لعبد الباقي اليماني (ص: 67)، ((تاريخ اليمن الإسلامي)) للمطاع (ص: 213 - 217). .
2- المُطَرِّفِيَّةُ:
فِرْقةٌ تُنسَبُ إلى أحَدِ فُقَهاءِ الزَّيديَّةِ، واسمُه مُطَرِّفُ بنُ شِهابٍ، من أعلامِ أواخِرِ المئةِ الرَّابعةِ وأوائِلِ المئةِ الخامسةِ للهِجرةِ، وكانوا من الشِّيعةِ المعَظِّمين للإمامِ الهادي يحيى بنِ الحُسَين، وكانوا متعَصِّبةً يرونَ عَدَمَ جوازِ الخروجِ عن مَذهَبِ الهادي في الفُروعِ، ويعتَقِدون أنَّ الحقَّ في الاجتهاداتِ مع واحدٍ، وكانوا يرَونَ في سَبِّ السَّلَفِ الصَّالحِ ثوابًا عظيمًا! وهم أكثَرُ الزَّيديَّةِ غُلُوًّا في السَّبِّ، وكانوا على مَذهَبِ المُعتَزِلةِ في الجُملةِ كبقيَّةِ الزَّيديَّةِ، ولمَّا تبيَّن لهم أنَّ الإمامَ المنصورَ عبدَ اللَّهِ بنَ حمزةَ خالف الهاديَ في بعضِ مَسائِلِ الفروعِ أنكروا عليه ذلك، فكان هذا الإنكارُ من أسبابِ الشِّقاقِ بينه وبَيْنَهم، مع أنَّهم كانوا من المناصِرين لعبدِ اللَّهِ بنِ حمزةَ، ومن أتباعِه المبايعين له، وكانت المُطَرِّفيَّةُ على جانبٍ عظيمٍ من الإقبالِ على العِلمِ والاشتغالِ به، والاجتهادِ في الطَّاعةِ والعبادةِ مع تنطُّعٍ وغُلُوٍّ وبِدَعٍ، ولهم زُهدٌ زائدٌ على جميعِ النَّاسِ في زمانِهم، ويقالُ: إنَّ المُطَرِّفيَّةَ خالفوا الزَّيديَّةَ في أهمِّ مبادئِهم الأصوليَّةِ، وهي الإمامةُ، فلم يشترطوا فيمن يتولَّاها أن يكون من ذُرِّيَّةِ الحَسَنِ والحُسَينِ، كما هو قَولُ الزَّيديَّةِ، فجعلوا الإمامةَ جائزةً في جميعِ النَّاسِ، لا يختَصُّ بها قومٌ دونَ آخرينَ، وإنَّما تُستحَقُّ بالفَضلِ والطَّلبِ، وإجماعِ كَلِمةِ الشُّورى، واحتجُّوا بقَولِ اللَّهِ تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات:13] ، فنادى جميعَ خَلقِه الأحمرَ والأسوَدَ والعَرَبيَّ والعَجَميَّ، ولم يخُصَّ أحدًا منهم دونَ أحدٍ، فقال: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] . فمَن كان أتقى للهِ وأكرَمَهم عندَه، وأعلَمَهم باللَّهِ، وأعلَمَهم بطاعتِه كان أَولى بالإمامةِ، والقيامِ في خَلقِه، كائنًا مَن كان منهم، عربيًّا أو أعجميًّا، ولكِنَّ هذا القولَ لم يَرُقْ للإمامِ عبدِ اللَّهِ بنِ حَمزةَ، ولم يَقبَلْ للمُطَرِّفيَّةِ اجتهادَهم في هذه المسألةِ، فكَفَّرَهم، وجعل حُكمَهم حُكمَ الحَربيِّين، واستحَلَّ دماءَهم وأموالَهم، وَسبى نساءَهم، وأخرَبَ ديارَهم ومساجِدَهم، وحَكَم بأنَّها مَساجِدُ ضِراريَّةٌ [292] يُنظر: ((شرح رسالة الحور العين)) لنشوان الحميري (ص: 152)، ((مجموع رسائل عبد الله بن حمزة)) القسم الأول (2/ 37 - 90، 115، 181 – 189، 207، 208، 214)، ((العواصم والقواصم)) لابن الوزير (5/268). ((البرهان في معرفة عقائد أهل الإيمان)) للبريهي (ص: 67)، ((الفرق الثنتين وسبعين)) لليافعي (ص: 76)، ((تلخيص البيان في ذكر فرق أهل الأديان)) للفخري (ص: 196)، ((هجر العلم)) للأكوع (1/165-168) و (2/955)، ((الزيدية نشأتها ومعتقدها)) للأكوع (ص: 78، 79). .
3- المُختَرِعةِ:
عُرِفوا بالمُختَرِعةِ لقولِهم باختراعِ اللَّهِ الأعراضَ في الأجسامِ، وأنَّها لا تحصُلُ بطبائِعِها، كما تقولُ المُطَرِّفيَّةُ [293] وقد نسَب ابنُ الوزيرِ المُختَرِعةَ إلى مذهبِ معتَزِلةِ البصرةِ، فقال: (مِثلُ قولِ البصريين من المعتزلةِ، المسمَّين بالمخترعةِ: إنَّ الماءَ لا يروي، والنَّارَ لا تُحرِقُ، والطَّعامَ لا يُشبِعُ. وقولِهم: إنَّ النارَ والماءَ مِثْلانِ لا ضِدَّانِ ولا مختَلِفان) ((العواصم والقواصم)) (8/ 10). ، وقد جرى بَيْنَهم وبينَ المُطَرِّفيَّةِ نزاعٌ شديدٌ وخِلافٌ مَريرٌ، انتهى بزوالِ المُطَرِّفيَّةِ على يَدِ الإمامِ عبدِ اللَّهِ بنِ حَمزةَ الذي أفتى بكُفرِهم ورِدَّتِهم، وأمَر أتباعَه بقَتلِهم وسَبيِ نِسائِهم وغنيمةِ أموالِهم، ففعلوا ذلك حتى انقَرَض المُطَرِّفيَّةُ وانقَرَض مَذهَبُهم، ولم يَبْقَ في اليَمَنِ مِن فِرَقِ الزَّيديَّةِ الجاروديَّةِ إلَّا مَذهَبُ المختَرِعةِ الذين يقولونَ بإمامةِ عَليٍّ بالنَّصٍّ، ويُخَطِّئون أبا بكرٍ وعُمَرَ لتقَدُّمِهما عليه، ومخالفتِهما ذلك النَّصَّ، ويتوَقَّفون في تفسيقِهما، ومَذهَبُ المختَرِعةِ هو مَذهَبُ الزَّيديَّةِ الهادويَّةِ المشهورُ في اليَمَنِ حتَّى اليومِ [294] يُنظر: ((المنية والأمل)) لابن المرتضى (ص: 99)، ((الزيدية نشأتها ومعتقدها)) للأكوع (ص: 79)، ((رافضة اليمن على مر الزمن)) لمحمد بن عبد الله الإمام (1/433). .

انظر أيضا: