الفَرعُ الأوَّلُ: فضلُ زيارةِ قُبورِ الأئِمَّةِ لدى الشِّيعةِ الإماميَّةِ
ورَدَت في كُتُبِ الشِّيعةِ الإماميَّةِ فضائِلُ كثيرةٌ في زيارةِ قُبورِ أئِمَّتِهم المَعصومينَ لدَيهم، ومِن ذلك فضلُ زيارةِ قَبرِ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ وقَبرِ ابنِه الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عنهما، وزيارةِ قَبرِ
عَليِّ بنِ موسى الرِّضا، وهو الإمامُ الثَّامِنُ عِندَهم.
وقد عَقدَ الحُرُّ العامِليُّ في كِتابِه (وسائِلُ الشِّيعةِ) بابًا بعُنوان: "استِحبابُ عِمارةِ مَشهَدِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السَّلامُ ومَشاهدِ الأئِمَّةِ عليهم السَّلامُ، وتُعاهُدِها وكثرةِ زيارَتِها". ومِمَّا أورَدَه فيه هذه الرِّوايةُ عن عُمارةَ بنِ زَيدٍ، عن أبي عامِرٍ واعِظِ أهلِ الحِجازِ، قال: أتَيتُ أبا عَبدِ اللهِ عليه السَّلامُ فقُلتُ له: ما لمَن زارَ قَبرَه -يعني أميرَ المُؤمِنينَ عليه السَّلامُ- وعَمَرَ تُربَتَه؟ فقال: يا أبا عَمَّارٍ، حَدَّثَني أبي عن أبيه عن جَدِّه الحُسَينِ بنِ عَليٍّ عليهم السَّلامُ، أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآلِه قال له: واللهِ لتُقتلَنَّ بأرضِ العِراقِ وتُدفَنُ بها، قَلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما لمَن زارَ قُبورَنا وعَمَرَها وتَعاهَدَها؟ قال لي: يا أبا الحَسَنِ، إنَّ اللهَ جَعَل قَبرَك وقُبورَ ولدِك بقاعًا مِن بقاعِ الجَنَّةِ وعرَصةً مِن عَرَصاتِها، وإنَّ اللهَ جَعَل قُلوبَ نُجَباءَ مِن خَلقِه وصَفوةٍ مِن عِبادِه تَحِنُّ إليكم، وتَحتَمِلُ المَذَلَّةَ والأذى فيكم، فيَعمُرونَ قُبوركم، ويُكثِرونَ زيارَتها تَقرُّبًا منهم إلى اللهِ، ومَودَّةً منهم لرَسولِه، أولئِك -يا عَليُّ- المَخصوصونَ بشَفاعَتي، والواردون حَوضي، وهم زوَّاري غَدًا في الجَنَّةِ، يا عَليُّ، مَن عَمَرَ قُبورَكم وتَعاهَدَها فكأنَّما أعانَ سُليمانَ بنَ داوُد على بناءِ بَيتِ المَقدِسِ، ومَن زارَ قُبورَكم عَدَل ذلك له ثَوابَ سَبعينَ حَجَّةً بَعدَ حَجَّةِ الإسلامِ، وخَرَجَ مِن ذُنوبِه حتَّى يرجِعَ مِن زيارَتِكم كيومَ ولدَتْه أُمُّه، فأبشِرْ وبَشِّرْ أولياءَك ومُحِبِّيك مِنَ النَّعيمِ وقُرَّةِ العَينِ بما لا عَينٌ رَأت ولا أُذُنٌ سَمِعَت ولا خَطَرَ على قَلبِ بَشَرٍ، ولكِنْ حُثالةٌ مِنَ النَّاسِ يُعَيِّرونَ زوَّارَ قُبورِكم بزيارَتِكم كما تُعَيَّرُ الزَّانيةُ بزِناها، أولئِك شِرارُ أُمَّتي، لا أنالهم اللهُ شَفاعَتي، ولا يَرِدونَ حَوضي)
[1162] يُنظر ((وسائل الشيعة)) ((14/382). .
أوَّلًا: فضلُ زيارةِ قَبرِ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه والصَّلاةِ عِندَهرَوى الشِّيعةُ عن أبي عَبدِ اللهِ أنَّ رجلًا جاءَه ولم يزُرْ قَبرَ أميرِ المُؤمِنينَ في النَّجَفِ، فقال له: (بئسَ ما صَنَعتَ! لولا أنَّك من شِيعَتِنا ما نَظَرتُ إليك، ألَا تَزورُ مَن يزورُه اللهُ مَعَ المَلائِكةِ، ويزورُه الأنبياءُ، ويزورُه المُؤمِنونَ؟!)
[1163] يُنظر: ((الكافي)) (4/580). .
وجاءَ في كِتابِ (منهاج الصَّالحينَ) للخوئيِّ، وهو المَرجِعُ الأكبَرُ للإماميَّةِ في زَمانِه: (مَسألةٌ: تُستَحَبُّ الصَّلاةُ في مَشاهدِ الأئِمَّةِ عليهم السَّلامُ، بل قيل: إنَّها أفضَلُ مِنَ المَساجِدِ، وقد ورَدَ أنَّ الصَّلاةَ عِند عليٍّ بمِئَتَي ألفِ صَلاةٍ)
[1164] ((منهاج الصالحين)) (ص: 147). .
أمَّا الصَّلاةُ في مَسجِدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيقولُ عنها: (مَسألةٌ: الصَّلاةُ في مَسجِدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تُعادِلُ عَشَرةَ آلافِ صَلاةِ)
[1165] ((منهاج الصالحين)) (ص: 147). !
أي: أنَّ الصَّلاةَ في مَسجِدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دونَ الصَّلاةِ عِندَ قَبرِ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه بعِشرينَ مَرتَبةً!
قال مُحَمَّد صادِق الصَّدر: (ورَدَت رِوايةٌ بتَفضيلِ كربَلاءَ على البَيتِ الحَرامِ، ونَحن نَعلمُ أنَّ عَليًّا عليه السَّلامُ خَيرٌ مِنَ الحُسَينِ كما نَطَقَت به الرِّواياتُ، فيكونُ قَبرُه خيرًا مِن قَبرِه، فيكونُ أفضَلَ مِنَ الكعبةِ أيضًا)
[1166] ((المسائل الدينية وأجوبتها)) (2/ 5). .
ثانيًا: فضلُ زيارةِ قَبرِ الحُسَينِ بنِ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهمارَوَوا عن جَعفرٍ الصَّادِقِ أنَّه قال: (لو أنِّي حَدَّثتُكم بفضلِ زيارَتِه وبفَضلِ قَبرِه، لتَرَكتُم الحَجَّ رَأسًا، وما حَجَّ مِنكم أحَدٌ، ويحك! أما عَلِمتَ أنَّ اللهَ اتَّخَذَ كربَلاءَ حَرَمًا آمِنًا مُبارَكًا قَبل أن يتَّخِذَ مَكَّةَ حَرَمًا؟!)
[1167] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (101/33). .
وعن جَعفرٍ الصَّادِقِ أيضًا أنَّه قال: (مَن خَرَجَ مِن مَنزِلِه يُريدُ زيارةَ الحُسَينِ كتَبَ اللهُ له بكُلِّ خُطوةٍ حَسَنةً، وإذا قَضى مَناسِكَه أتاه مَلَكٌ فقال له: أنا رَسولُ اللهِ، رَبُّك يُقرِئُك السَّلامَ، ويقولُ لك: استَأنِفْ؛ فقد غُفِرَ لك ما مَضى)
[1168] يُنظر: ((تهذيب الأحكام)) للطوسي (2/14). .
وفي إحدى الرِّواياتِ: (فإذا أتى الزَّائِرُ قَبرَ الحُسَينِ ناجاه اللهُ، فقال: عَبدي، سَلْني أُعطِك، ادعُني أُجِبْك)
[1169] يُنظر: ((كامل الزيارات)) لابن قولويه (ص: 132). .
ورَووا: (زيارةُ قَبرِ الحُسَينِ تَعدِلُ عِشرينَ حجَّةً، وأفضَلُ مِن عِشرينَ عُمرةً وحَجَّةً)
[1170] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (1/324). !
ورَووا أنَّ رَجُلًا قال لإمامِه: (إنِّي حَجَجتُ تِسعَ عَشرةَ حَجَّةً، وتِسعَ عَشرةَ عُمرةً، فأجابَه الإمامُ قائلًا: (حُجَّ حَجَّةً أُخرى واعتَمِرْ عُمرةً أُخرى، تُكتَبْ لك زيارةُ قَبرِ الحُسَينِ عليه السَّلامُ)
[1171] يُنظر: ((تهذيب الأحكام)) للطوسي (2/16). .
ورَوَوا أنَّ أحَدَ الأعرابِ شَدَّ الرَّحلَ مِنَ اليمَنِ لزيارةِ قَبرِ الحُسَينِ، فالتَقى بجَعفرٍ الصَّادِقِ، فسَأله جَعفرٌ عن أثَرِ زيارةِ قَبرِ الحُسَينِ، فذَكر الأعرابيُّ أنَّه يرى البَرَكةَ مِن ذلك في نَفسِه وأهلِه وأولادِه وأموالِه وقَضاءِ حَوائِجِه، فقال أبو عَبدِ اللهِ جَعفرٌ: (أفلا أزيدُك مِن فَضلِه فضلًا يا أخا اليمَنِ؟ قال: زِدْني يا ابنَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: إنَّ زيارةَ أبي عَبدِ اللهِ
[1172] أبو عبدِ اللهِ هي كُنيةُ الحُسَينِ بنِ عَليٍّ رضي اللهُ عنهما، وهي أيضًا كُنيةُ جعفَرٍ الصَّادِقِ، والمرادُ بها هنا الحُسَينُ بنُ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهما. عليه السَّلامُ تعدِلُ حَجَّةً مَقبولةً زاكيةً مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وآلِه، فتَعجَّبَ مِن ذلك! فقال له: إي واللهِ! وحَجَّتَينِ مبرورتينِ مُتَقَبَّلتَينِ زاكيتَينِ مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فتَعجَّبَ! فلم يزَلْ أبو عَبدِ اللهِ عليه السَّلامُ يزيدُ حتَّى قال: ثَلاثينَ حَجَّةً مبرورةً مُتَقَبَّلةً زاكيةً مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[1173] يُنظر: ((ثواب الأعمال)) لابن بابويه (ص: 52). !
وتَقولُ إحدى رِواياتِهم: (كان الحُسَينُ عليه السَّلامُ ذاتَ يومٍ في حِجرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يُلاعِبُه ويُضاحِكُه، وإنَّ
عائِشةَ قالت: يا رَسولَ اللهِ، ما أشَدَّ إعجابَك بهذا الصَّبيِّ! فقال لها: وكيف لا أُحِبُّه وأعجَبُ به وهو ثَمَرةُ فُؤادي وقُرَّةُ عَيني؟! أمَا إنَّ أُمَّتي سَتَقتُلُه! فمَن زارَه بَعدَ وفاتِه كتَبَ اللهُ له حَجَّةً مِن حِجَجي، قالت: يا رَسولَ اللهِ، حَجَّةً مِن حِجَجِك؟! قال: نَعَم، وحَجَّتَينِ، قالت: حَجَّتَينِ؟ قال: نَعَم وأربَعًا. فلم تَزَل تزاده وهو يزيدُ، حتَّى بَلغَ سَبعينَ حَجَّةً مِن حِجَجِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأعمارِها)
[1174] يُنظر: ((وسائل الشيعة)) للعاملي (10/351). !
وقد اختَلفت رِواياتُهم في بَيانِ فضلِ زيارةِ قَبرِ الحُسَينِ، فتَقدَّمَ أنَّها أفضَلُ مِن عِشرينَ حَجَّةً، وفي رِوايةٍ: أنَّها أفضَلُ مِن ثَلاثينَ حَجَّةً، وفي رِوايةٍ: أفضَلُ مِن سَبعينَ حَجَّةً، وفي رِوايةٍ أُخرى: (مَن زارَ قَبرَ أبي عَبدِ اللهِ كتَبَ اللهُ له ثَمانينَ حَجَّةً مبرورةً)
[1175] يُنظر: ((ثواب الأعمال)) لابن بابويه (ص: 52). .
وتَزيدُ رِوايةٌ أُخرى على ذلك فتَقولُ: (مَن أتى قَبرَ الحُسَينِ عليه السَّلامُ عارِفًا بحَقِّه، كان كمَن حَجَّ مِائةَ حُجَّةٍ مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[1176] يُنظر: ((ثواب الأعمال)) لابن بابويه (ص: 52). .
وفي رِوايةٍ أُخرى: (إنَّ الرَّجُلَ مِنكم ليغتَسِلُ في الفُراتِ، ثُمَّ يأتي قَبرَ الحُسَينِ عارِفًا بحَقِّه فيُعطيه اللهُ بكُلِّ قدَمٍ يرفعُها أو يضَعُها مِائةَ حَجَّةٍ مَقبولةٍ، ومِائةَ عُمرةٍ مبرورةٍ، ومِائةَ غَزوةٍ مَعَ نَبيٍّ مُرسَلٍ أو إمامٍ عادِلٍ)
[1177] يُنظر: ((وسائل الشيعة)) للعاملي (10/379). .
بَل رَوَوا عن مُحَمَّدِ بنِ مُسلمٍ عن أبي جَعفرٍ أنَّه قال: (لو يعلَمُ النَّاسُ ما في زيارةِ الحُسَينِ عليه السَّلامُ مِنَ الفضلِ لماتوا شَوقًا، وتَقَطَّعَت أنفُسُهم عليه حَسَراتٍ، قُلتُ: وما فيه؟ قال: مَن زارَه تَشَوُّقًا إليه كتَبَ اللهُ له ألفَ حَجَّةٍ مُتَقَبَّلةٍ، وألفَ عُمرةٍ مبرورةٍ، وأجرَ ألفِ شَهيدٍ مِن شُهَداءِ بَدرٍ، وأجرَ ألفِ صائِمٍ، وثَوابَ ألفِ صَدَقةٍ مَقبولةٍ، وثَوابَ ألفِ نَسَمةٍ أُريدَ بها وَجهُ اللهِ، ولم يزَل مَحفوظًا سَنَتَه مِن كُلِّ آفةٍ أهونُها الشَّيطانُ، ووُكِّلَ به مَلَكٌ كريمٌ يحفظُه مِن بَيْنَ يدَيه ومِن خَلفِه، وعن يمينِه وعن شِمالِه، ومِن فوقِ رَأسِه ومِن تَحتِ قدَمِه، فإن ماتَ سَنَتَه حَضَرَته مَلائِكةُ الرَّحمَنِ يحضُرونَ غَسلَه وأكفانَه والاستِغفارَ له، ويُشَيِّعونَه إلى قَبرِه بالاستِغفارِ له، ويُفسَحُ له في قَبرِه مَدَّ بَصَرِه، ويُؤَمِّنُه اللهُ مِن ضَغطةِ القَبرِ، ومِن مُنكَرٍ ونَكيرٍ يُرَوِّعانِه، ويُفتَحُ له بابٌ إلى الجَنَّةِ، ويُعطى كِتابَه بيمينِه، ويُعطى له يومَ القيامةِ نورٌ يُضيءُ لنورِه ما بَيْنَ المَشرِقِ والمَغرِبِ، ويُنادي مُنادٍ: هذا من زارَ الحُسَينَ شَوقًا إليه، فلا يبقى أحَدٌ يومَ القيامةِ إلَّا تَمَنَّى يومئِذٍ أنَّه كان مِن زوَّارِ الحُسَينِ عليه السَّلامُ)
[1178] يُنظر: ((كامل الزيارات)) لابن قولويه (ص: 143). .
وفي رِوايةٍ عن مالِكٍ الجُهَنيِّ عن أبي جَعفرٍ الباقِرِ عليه السَّلامُ قال: (مَن زارَ الحُسَينَ عليه السَّلامُ يومَ عاشوراءَ حتَّى يظَلَّ عِندَه باكيًا، لقيَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ يومَ القيامةِ بثَوابِ ألفَيْ ألفِ حَجَّةٍ، وألفَيْ ألفِ عُمرةٍ، وألفَيْ ألفِ غَزوةٍ، وثَوابُ كُلِّ حَجَّةٍ وعُمرةٍ وغَزوةٍ كثَوابِ مَن حَجَّ واعتَمَرَ وغَزا مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه، ومَعَ الأئِمَّةِ الرَّاشِدينَ صَلواتُ اللهِ عليهم، قال: قُلتُ: جُعِلتُ فداك! فما لمَن كان في بُعدِ البلادِ وأقاصيها ولم يُمكِنْه المَصيرُ إليه في ذلك اليومِ؟
قال: إذا كان ذلك اليومُ بَرَزَ إلى الصَّحراءِ أو صَعِدَ سَطحًا مُرتَفِعًا في دارِه وأومَأَ إليه بالسَّلامِ، واجتَهَدَ على قاتِلِه بالدُّعاءِ، وصَلَّى بَعدَه رَكعَتَينِ يفعَلُ ذلك في صَدرِ النَّهارِ قَبلَ الزَّوالِ، ثُمَّ ليَندُبِ الحُسَينَ عليه السَّلامُ ويَبكيه ويأمُرُ مَن في دارِه بالبُكاءِ عليه، ويُقيمُ في دارِه مُصيبَتَه بإظهارِ الجَزَعِ عليه، ويتَلاقَونَ بالبُكاءِ بَعضِهم بَعضًا بمُصابِ الحُسَينِ عليه السَّلامُ، فأنا ضامِنٌ لهم إذا فعَلوا ذلك على اللهِ عَزَّ وجَلَّ جَميعَ هذا الثَّوابِ!
فقُلتُ: جُعِلتُ فِداك! وأنتَ الضَّامِنُ لهم إذا فعَلوا ذلك والزَّعيمُ به؟ قال: أنا الضَّامِنُ لهم ذلك، والزَّعيمُ لمَن فعَل ذلك.
قال: قُلتُ: فكيف يُعَزِّي بَعضُهم بَعضًا؟ قال: يقولونَ: عَظَّمَ اللهُ أُجورَنا بمُصابِنا بالحُسَينِ عليه السَّلامُ، وجَعَلنا وإيَّاكم مِنَ الطَّالبينَ بثأرِه مَعَ وليِّه الإمامِ المَهديِّ مِن آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السَّلامُ، فإن استَطَعتَ أن لا تَنتَشِرَ يومَك في حاجةٍ فافعَلْ؛ فإنَّه نَحسٌ لا تُقضى فيه حاجةُ مُؤمِنٍ، وإن قُضِيَت لم يُبارَكْ له فيها ولم يرَ رُشدًا، ولا تَدَّخِرنَّ لمَنزِلِك شَيئًا فإنَّه مَن ادَّخَرَ لمَنزِله شَيئًا في ذلك اليومِ لم يُبارَكْ له فيما يدَّخِرُه ولا يُبارَكُ له في أهلِه، فمَن فعلَ ذلك كُتِبَ له ثَوابُ ألفِ ألفِ حَجَّةٍ، وألفِ ألفِ عُمرةٍ، وألفِ ألفِ غَزوةٍ كُلُّها مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه، وكان له ثَوابُ مُصيبةِ كُلِّ نَبيٍّ ورَسولٍ وصِدِّيقٍ وشَهيدٍ ماتَ أو قُتِل مُنذُ خَلقَ اللهُ الدُّنيا إلى أن تَقومَ السَّاعةُ)
[1179] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (101/290). .
وفي كُتُبِهم أنَّ رَجُلًا قال: (قد فرَضَ اللهُ على النَّاسِ حَجَّ البَيتِ، ولم يذكُرْ زيارةَ قَبرِ الحُسَينِ عليه السَّلامُ، فأجابَ إمامُهم بقَوله: «وإن كان كذلك، فإنَّ هذا شَيءٌ جَعَله اللهُ هكذا»
[1180] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (101/33). . وهذا اعتِرافٌ منهم -وهم أربابُ التَّأويلِ الباطِنيِّ- بخُلوِّ القُرآنِ مِن ذلك!
وقد ورَدَت عِندَهم رِوايةٌ تُخالفُ هذا الغُلوَّ الذي يجعَلُ الشُّخوصَ إلى القَبرِ أفضَلَ مِن حَجِّ بَيتِ اللهِ الحَرام، ولكِنَّ المَجلِسيَّ رَدَّ ذلك بحُجَّةِ التَّقيَّةِ!
فعن حَنانٍ قال: قُلتُ لأبي عَبدِ اللهِ عليه السَّلامُ: ما تَقولُ في زيارةِ قَبرِ الحُسَينِ صَلواتُ اللهِ عليه؛ فإنَّه بَلغَنا عن بَعضِكم أنَّه قال: تَعدِلُ حَجَّةً وعُمرةً؟
قال فقال: ما أضعَفَ هذا الحَديثَ! ما تَعدِلُ هذا كُلَّه، ولكِن زوروه ولا تَجفوه؛ فإنَّه سَيِّدُ شَبابِ الشُّهَداءِ وسَيِّدُ شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ، وشَبيهُ يحيى بنِ زَكريَّا، وعليهما بَكتِ السَّماءُ والأرضُ)
[1181] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (101/35). .
قال المَجلِسيُّ في تَأويلِ هذا النَّصِّ الذي ينقُضُ عَشَراتِ الرِّواياتِ الوارِدةِ في كُتُبِهم المُعتَمَدةِ: (لعَلَّ المُرادَ أنَّها لا تعدِلُ الواجِبَينِ مِنَ الحَجِّ والعُمرةِ، والأظهَرُ أنَّه مَحمولٌ على التَّقيَّةِ)
[1182] ((بحار الأنوار)) (101/35). ، أي: إنَّ جَعفرًا يقولُ هذا الكلامَ على سَبيلِ الكذِبِ؛ مُجامَلةً لأهلِ السُّنَّةِ أو خَوفًا منهم! وهكذا يحمِلُ شُيوخُهم كُلَّ رِوايةٍ عن أهلِ البَيتِ لا توافِقُ آراءَهم، فيُبطِلونَ مَفعولها بحُجَّةِ التَّقيَّةِ!
ورَوَوا عن جَعفرٍ الصَّادِقِ أنَّه قال: (إنَّ اللهَ يبدَأُ بالنَّظَرِ إلى زوَّارِ قَبرِ الحُسَينِ بنِ عَليٍّ عَشيَّةَ عَرَفةَ قَبل نَظَرِه إلى أهلِ المَوقِفِ، قال الرَّاوي: وكيف ذلك؟ قال: لأنَّ في أولئِك أولادَ زِنًا وليسَ في هؤلاء أولادُ زِنًا)
[1183] يُنظر: ((الوافي)) للكاشاني (8/222). ! وفي كُتُبِ الشِّيعةِ أنَّ غَيرَ الشِّيعةِ كُلُّهم أولادُ زِنًا
[1184] يدلُّ على ذلك ما رَوَوه عن أبي جعفَرٍ أنَّه قال: (واللهِ إنَّ النَّاسَ كلَّهم أولادُ بغايا ما خلا شيعتَنا). يُنظر: ((الكافي)) للكليني (8/ 135). وعن إبراهيمَ بنِ أبي يحيى عن جعفَرِ بنِ محمَّدٍ قال: (ما من مولودٍ يولَدُ إلَّا وإبليسُ من الأبالِسةِ بحَضرتِه، فإن عَلِم اللهُ أنَّ المولودَ من شيعتِنا حجَبَه من ذلك الشَّيطانِ، وإن لم يكُنِ المولودُ من شيعتِنا أثبت الشَّيطانُ إصبَعَه في دُبُرِ الغُلامِ، فكان مأبونًا، وفي فَرجِ الجاريةِ فكانت فاجِرةً). يُنظر: ((تفسير العياشي)) (2/218)، ((البرهان)) للبحراني (2/139). !
وفي رِوايةٍ أنَّ مَن أرادَ أن يتَنَفَّل بالحَجِّ والعُمرةِ فمَنَعَه مِن ذلك شُغلُ دُنيا أو عائِقٌ، فأتى قَبرَ الحُسَينِ بنِ عَليٍّ في يومِ عَرَفةَ، أجَزَّأه ذلك عن أداءِ حَجَّتِه، وضاعَف اللهُ له بذلك أضعافًا مُضاعَفةً! قال الرَّاوي: قُلتُ: كم تَعدِلُ حَجَّةً؟ وكم تَعدِلُ عُمرةً؟ قال: لا يُحصى ذلك! قُلتُ: مِائةٌ؟ قال: ومَن يُحصي ذلك؟ قُلتُ: ألفٌ؟ قال: وأكثَرُ! ثُمَّ قال:
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا [النحل: 18] [1185] يُنظر: ((الوافي)) للكاشاني (8/223). .
قال الفيضُ الكاشانيُّ مُعَلِّقًا على هذه الرِّوايةِ: (إنَّ هذا ليس بكثيرٍ على مَن جَعَله اللهُ إمامًا للمُؤمِنينَ، وله خَلقَ السَّماواتِ والأرَضينَ، وجَعَله صِراطَه وسَبيلَه، وعَينَه، ودَليلَه، وبابَه الذي يُؤتى منه، وحَبلَه المُتَّصِلَ بَينَه وبَينَ عِبادِه مِن رُسُلٍ وأنبياءَ وحُجَجٍ وأولياءَ، هذا مَعَ أنَّ مَقابرَهم رَضِيَ اللهُ عنهم فيها أيضًا إنفاقُ أموالٍ، ورَجاءُ آمالٍ، وإشخاصُ أبدانٍ، وهِجرانُ أوطانٍ، وتَحَمُّلُ مَشاقَّ، وتَجديدُ ميثاقٍ، وشُهودُ شَعائِرَ، وحُضورُ مَشاعِرَ)
[1186] ((الوافي)) (8/224). .
وهم يُقدِّسونَ أرضَ كربَلاءَ ويروونَ في شَأنِها فضائِلَ عَظيمةً؛ لأنَّها ضَمَّت جَسَدَ الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عنه، فاستَمَدَّت قداسَتها عِندَهم بوُجودِه فيها، فرَوَوا عن خلَّادٍ القلانِسيِّ، عن أبي عَبدِ اللهِ قال: (مَكَّةُ حَرَمُ اللهِ، وحَرَمُ رَسولِه وحَرَمُ أميرِ المُؤمِنينَ عليهما السَّلامُ، الصَّلاةُ فيها بمِائةِ ألفِ صَلاةٍ، والدِّرهَمُ فيها بمِائةِ ألفِ دِرهَمٍ، والمَدينةُ حَرَمُ اللهِ وحَرَمُ رَسولِه، وحَرُمَ أميرِ المُؤمِنينَ صَلواتُ اللهِ عليهما، الصَّلاةُ فيها بعَشَرةِ آلافِ صَلاةٍ، والدِّرهَمُ فيها بعَشَرةِ آلافِ دِرهَمٍ، والكوفةُ حَرَمُ اللهِ وحَرَمُ رَسولِه وحَرَمُ أميرِ المُؤمِنينَ عليهما السَّلامُ، الصَّلاةُ فيها بألفِ صَلاةٍ، والدِّرهَمُ فيها بألفِ دِرهَمٍ)
[1187] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (4/586). .
ورَوَوا عن عَليِّ بنِ الحُسَينِ أنَّه قال: (اتَّخَذَ اللهُ أرضَ كَربَلاءَ حَرَمًا آمِنًا مُبارَكًا قَبلَ أن يخلُقَ اللهُ أرضَ الكعبةِ ويتَّخِذَها حَرَمًا بأربَعةٍ وعِشرينَ ألفَ عامٍ، وأنَّه إذا زَلزَل اللهُ تَبارَك وتعالى الأرضَ وسَيَّرَها رُفِعَت كما هي بتُربَتِها نورانيَّةً صافيةً، فجُعِلت في أفضَلِ رَوضةٍ مِن رياضِ الجَنَّةِ وأفضَلِ مَسكنٍ في الجَنَّةِ، لا يسكُنُها إلَّا النَّبيُّونَ والمُرسَلونَ -أو قال: أولو العَزمِ مِنَ الرُّسُلِ-؛ فإنَّها لتُزهِرُ بَيْنَ رياضِ الجَنَّةِ كما يُزهرُ الكوكَبُ الدُّرِّيُّ بَيْنَ الكواكِبِ لأهلِ الأرضِ، يَغشى نورُها أبصارَ أهلِ الجَنَّةِ جَميعًا، وهي تُنادي: أنا أرضُ اللهِ المُقدَّسةُ الطَّيِّبةُ المُبارَكةُ التي تَضَمَّنَت سَيِّدَ الشُّهَداءِ وسَيِّدَ شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ)
[1188] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (98/108). .
وعن جَعفرٍ الصَّادِقِ أنَّه قال: (إنَّ أرضَ الكَعبةِ قالت: مَن مِثلي وقد بُني بَيتُ اللهِ على ظَهري، يأتيني النَّاسُ مِن كُلِّ فجٍّ عَميقٍ، وجُعِلتُ حَرَمَ اللهِ وأمنَه؟
فأوحى اللهُ إليها أن كُفِّي وقَرِّي، ما فَضلُ ما فُضِّلتِ به فيما أعطَيتُ أرضَ كربَلاءَ إلَّا بمَنزِلةِ الإبرةِ غُرِسَت في البَحرِ، فحَمَلَت مِن ماءِ البَحرِ! ولولا تُربةُ كربَلاءَ ما فضَّلتُك، ولولا مَن تَضمَنُه أرضُ كَربَلاءَ ما خَلقتُك، ولا خَلقتُ البَيتَ الذي به افتَخَرتِ، فقَرِّي واستَقِرِّي، وكوني ذَنبًا مُتَواضِعًا ذليلًا مَهينًا غَيرَ مُستَنكِفٍ ولا مُستَكبرٍ لأرضِ كَربَلاءَ، وإلَّا سُختُ بكِ وهَوَيتُ بكِ في نارِ جَهَنَّمَ)
[1189] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (98/106). .
وذَكروا عن أرضِ كَربَلاءَ أنَّها قالت: (أنا أرضُ اللهِ المُقدَّسةُ المُبارَكةُ، الشِّفاءُ في تُربَتي ومائي، ولا فخرَ)
[1190] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (98/109). .
وأورَدوا رِوايةً طَويلةً عن مُحَمَّدِ بنِ مُسلمٍ، ومِمَّا جاءَ فيها قَولُه: (خَرَجتُ إلى المَدينةِ وأنا وجِعٌ... فأرسَل إليَّ أبو جَعفرٍ عليه السَّلامُ شَرابًا مَعَ الغُلامِ مُغَطًّى بمِنديلٍ، فناولنيه الغُلامُ وقال لي: اشرَبْه؛ فإنَّه قد أمَرَني ألا أبرَحَ حتَّى تَشرَبَه، فتَناولتُه فإذا رائِحةُ المِسكِ منه، وإذا شَرابٌ طَيِّبُ الطَّعمِ بارِدٌ. فلمَّا شَرِبتُه قال لي الغُلامُ: يقولُ لك مَولاي: إذا شَرِبتَ فتَعالَ، ففكَّرتُ فيما قال لي وما أقدِرُ على النُّهوضِ قَبلَ ذلك على رِجلٍ، فلمَّا استَقَرَّ الشَّرابُ في جَوفي فكأنَّما نَشِطتُ مِن عِقالٍ! فأتَيتُ بابَه فاستَأذَنتُ عليه... ثُمَّ قال لي: كيف وجَدتَ الشَّرابَ؟ فقُلتُ: أشهَدُ أنَّكم أهلُ بَيتِ الرَّحمةِ، وأنَّك وصيُّ الأوصياءِ، لقد أتاني الغُلامُ بما بَعَثتَ وما أقدِرُ على أن أستَقِلَّ على قدَمي، ولقد كُنتُ آيِسًا مِن نَفسي، فناوَلني الشَّرابَ فشَرِبتُه، فما وجَدتُ مِثلَ ريحِه ولا أطيبَ مِن ذَوقِه ولا طَعمَه ولا أبرَدَ منه... فالحَمدُ للهِ الذي جَعَلكم رَحمةً لشيعَتِكم. فقال: يا مُحَمَّدُ، إنَّ الشَّرابَ الذي شَرِبتَه فيه مِن طينِ قُبورِ آبائي، وهو أفضَلُ ما استُشفيَ به، فلا تَعدِلنَّ به، فإنَّا نَسقيه صِبيانَنا ونِساءَنا فنَرى فيه كُلَّ خَيرٍ...)
[1191] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (98/120). .
وتَقولُ رِواياتُ الشِّيعةِ بأنَّ تُربةَ الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عنه كفيلةٌ بشِفاءِ الأدواءِ والأسقامِ بشَتَّى أنواعِها، وقد ذَكرَ المَجلِسيُّ 83 رِواية عن تُربةِ الحُسَين وفضلها وآدابها وأحكامها
[1192] يُنظر: ((بحار الأنوار)) (98/118-140). .
ورَوَوا عن جَعفرٍ الصَّادِقِ أنَّه قال: (إنَّ اللهَ جَعَل تُربة جَدِّي الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عنه شِفاءً من كُلِّ داءٍ، وأمانًا من كُلِّ خَوفٍ، فإذا تَناولها أحَدُكم فليُقَبِّلْها، ويضَعْها على عَينِه، وليُمِرَّها على سائِر جَسَدِه، وليقُلْ: اللهُمَّ بحَقِّ هذه التُّربةِ وبحَقِّ مَن حَلَّ بها وثَوى فيها...)
[1193] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (98/119). .
ورَوَوا عن الحارِثِ بنِ المُغيرةِ أنَّه قال: قُلتُ لأبي عَبدِ اللهِ عليه السَّلامُ: إنِّي رَجُلٌ كثيرُ العِلَلِ والأمراضِ، وما تَرَكتُ دَواءً إلَّا تَداويتُ به، فقال لي: (أينَ أنتَ عن طينِ قَبرِ الحُسَينِ بنِ عَليٍّ؟ فإنَّ فيه شِفاءً من كُلِّ داءٍ، وأمنًا من كُلِّ خَوفٍ)
[1194] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (98/119). .
ويُروى عِندَهم في فضلِ التُّربةِ الحُسَينيَّةِ أنَّك إذا أرَدتَ أخذَها فقُمْ آخِرَ اللَّيلِ واغتَسِلْ والبَسْ أطهَرَ ثيابِك وتَطيَّبْ بسَعدٍ، وادخُلْ وقِفْ عِندَ الرَّأسِ وصَلِّ أربَعَ رَكعاتٍ، تَقرَأُ في الأولى منها الحَمدَ مَرَّةً، وإحدى عَشرةَ مَرَّةً الإخلاصَ، وفى الثَّانيةِ الحَمدَ مَرَّةً، وإحدى عَشرةَ مَرَّةً القَدْرَ، وتَقرَأُ في الثَّالثةِ الحَمدَ مَرَّةً، وإحدى عَشرةَ مَرَّةً الإخلاصَ، وفي الرَّابعةِ الحَمدَ مَرَّةً، واثنَتَي عَشرةَ مَرَّةً إذا جاءَ نَصرُ اللهِ والفتحُ، فإذا فرَغتَ فاسجُدْ وقُلْ في سُجودِك ألفَ مَرَّةٍ: "شُكرًا شُكرًا"! ثُمَّ تَقومُ وتَتَعلَّقُ بالضَّريحِ وتَقولُ: "يا مَولاي، يا ابنَ رَسولِ اللهِ، إنِّي آخِذٌ مِن تُربَتِك بإذنِك، اللهمَّ فاجعَلْها شِفاءً من كُلِّ داءٍ، وعِزًّا من كُلِّ ذُلٍّ، وأمنًا من كُلِّ خَوفٍ، وغِنًى من كُلِّ فَقرٍ، لي ولجَميعِ المُؤمِنينَ"، وتَأخُذُ بثَلاثِ أصابعَ ثَلاثَ قَبَضاتٍ وتَجعَلُها في خِرقةٍ نَظيفةٍ وتَختِمُها بخاتَمِ فِضَّةٍ فَصُّه عَقيقٌ، نَقشُه: "ما شاءَ اللهُ، لا قوَّةَ إلَّا باللهِ، أستَغفِرُ اللهَ". فإذا عَلمَ اللهُ مِنك صِدقَ النِّيَّةِ يصعَدُ مَعَك في الثَّلاثِ قَبَضاتٍ سَبعةُ مَثاقيلَ لا تَزيدُ ولا تَنقُصُ، تَرفَعُها لكُلِّ عِلَّةٍ وتَستَعمِلُ منها وقتَ الحاجةِ مِثلَ الحمصةِ؛ فإنَّك تشفى إن شاءَ اللهُ
[1195] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (98/137). .
وفي رِوايةٍ أُخرى أنَّ عليه أن يتَباكى ويقولض: (بسمِ اللهِ وباللهِ، وبحَقِّ هذه التُّربةِ المُبارَكةِ، وبحَقِّ الوصيِّ الذي تواريه، وبحَقِّ جَدِّه وأبيه، وأُمِّه وأخيه، وبحَقِّ أولادِه الصَّادِقينَ، وبحَقِّ المَلائِكةِ المُقيمينَ عِندَ قَبرِه ينتَظِرونَ نُصرَتَه، صَلِّ عليهم أجمَعينَ، واجعَلْ لي ولأهلي وولدي وإخوتي وأخَواتي فيه الشِّفاءَ مِن كُلِّ داءٍ)
[1196] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (98/138). .
وإذا خاف سُلطانًا أو غَيرَ سُلطانٍ فلا يخرُجَنَّ مِن مَنزِلِه إلَّا ومَعَه مِن طينِ قَبرِ الحُسَينِ، ويقولُ: (اللهمَّ إنِّي أخَذتُه مِن قَبرِ وليِّك وابنِ وليِّك، فاجعَلْه لي أمنًا وحِرزًا لِما أخافُ وما لا أخافُ)
[1197] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (98/118). .
ويستَحِبُّ الشِّيعةُ أن يُحَنَّك الأطفالُ بتُرابِ الحُسَينِ، فيكونَ مَأمَنًا له مِنَ الأخطارِ!
فرَوَوا عن أبي عَبدِ اللهِ جَعفرٍ الصَّادِقِ أنَّه قال: (حَنِّكوا أولادَكم بتُربةِ الحُسَينِ؛ فإنَّه أمانٌ)
[1198] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (98/124). .
وذَكروا أنَّ من أمسَك شَيئًا مِن تُرابِ قَبرِ الحُسَين يُقَلِّبُه بيدِه، ويعبَثُ به ولو ساهيًا، يُكتَبُ له أجرُ المُسَبِّحينَ، ومِن ذلك ما رَوَوه عن مُحَمَّدٍ الحِميريِّ قال: (كتَبتُ إلى الفقيهِ «إمامِهم المُنتَظَرِ» أسألُه: هَل يجوزُ أن يُسَبِّحَ الرَّجُلُ بطينِ القَبرِ؟ وهَل فيه فضلٌ؟ فأجابَ، وقَرأتُ التَّوقيعَ، ومنه نَسَختُ: تُسَبِّحُ به، فما مِن شَيءٍ مِنَ التَّسبيحِ أفضَلُ منه، ومِن فضلِه أنَّ المُسَبِّحَ ينسى التَّسبيحَ، ويُديرُ السُّبحةَ فيُكتَبُ له ذلك التَّسبيحُ)
[1199] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (98/132). .
وفي رِوايةٍ أُخرى: (إذا قَلبَها ذاكِرًا اللهَ كُتِبَ له بكُلِّ حَبَّةٍ أربَعونَ حَسَنةً، وإذا قَلبَها ساهيًا يعبَثُ بها كتَبَ اللهُ له عِشرينَ حَسَنةً)
[1200] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (101/ 132). .
وفي بَعضِ رِواياتِهم أنَّ طينَ قَبرِ الحُسَينِ يطلُبُه الحورُ العِينُ مِنَ المَلائِكةِ حينَما يهبِطونَ إلى الأرضِ
[1201] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (101/134). .
وذَكروا أنَّ السُّجودَ على هذه الطِّينةِ (تَخرقُ الحُجُبَ السَّبعَ)
[1202] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (101/135). .
قال الخُمينيُّ: (إنَّ هذه التُّربةَ -أي تُربةَ كَربَلاءَ- تَخرقُ الحُجُبَ السَّبعةَ، وتَرتَفِعُ على الأرَضينَ السَّبعِ، وهذه الخاصِّيَّةُ ليست لأحَدٍ حتَّى قَبرِ النَّبيِّ)
[1203] ((تحرير الوسيلة)) (1/141). .
والحَقُّ أنَّ دَعوى الاستِشفاءِ بهذه الطِّينةِ ليس له ذِكرٌ في كِتابِ رَبِّنا سُبحانَه ولا سُنَّةِ نَبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، واللهُ سُبحانَه بَيْنَ في كِتابِه أنَّ القُرآنَ العَظيمَ شِفاءٌ لعِبادِه المُؤمِنينَ، فقال اللهُ تعالى:
قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت: 44] ، وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ:
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: 82] .
وسُنَّةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَيَّنت كثيرًا مِنَ الأدعيةِ والأورادِ التي فيها اللُّجوءُ إلى اللهِ وحدَه لا إلى تُرابٍ ولا صَنَمٍ، بل ولا إلى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ ولا نَبيٍّ مُرسَلٍ، وإنَّما إلى اللهِ وحدَه، وفيها بإذنِ اللهِ تعالى الحِفظُ للمُسلمِ والأمانُ، والشِّفاءُ والطُّمَأنينةُ
[1204] يُنظر كُتُبُ الأذكارِ مِثلُ: ((الأذكار)) للنووي، ((الكلم الطيب)) لابن تَيميَّةَ، ((الوابل الصيب من الكلم الطيب)) لابن القيم، ((تحفة الذاكرين)) للشوكاني، ((حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة)) للقحطاني. .
ثالثًا: فضلُ زيارةِ قَبرِ عَليِّ بنِ موسى الرِّضاأبو الحَسَنِ عَليُّ بنُ موسى الرِّضا هو الإمامُ الثَّامِنُ مِنَ الأئِمَّةِ الاثنَي عَشَرَ المَعصومينَ لدى طائِفةِ الشِّيعةِ الإماميَّةِ، وقد رَوَوا في كُتُبِهم عنه أنَّه قال: (ما مِن مُؤمِنٍ يزورُني فيُصيبُ وجهُه قَطرةً مِن ماءٍ إلَّا حَرَّم اللهُ تعالى جَسَدَه على النَّارِ)
[1205] يُنظر: ((عيون أخبار الرضا)) لابن بابويه (2/ 227). .
ونَقَلوا عنه أيضًا قَولُه: (سَيأتي عليكم يومٌ تَزورونَ فيه تُربَتي بطَوسٍ، ألا فمَن زارَني وهو على غُسلٍ خَرَجَ مِن ذُنوبِه كيومَ ولدَتْه أُمُّه)
[1206] يُنظر: ((عيون أخبار الرضا)) لابن بابويه (2/ 260). .
وعن البزنطيِّ قال: قَرَأتُ كِتابَ أبي الحَسَنِ الرِّضا عليه السَّلامُ: أبلِغْ شيعَتي أنَّ زيارَتي تَعدِلُ عِندَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ألفَ حَجَّةٍ، قال: فقُلتُ لأبي جَعفرٍ عليه السَّلامُ: ألفَ حَجَّةٍ؟ قال عليه السَّلامُ: إي واللهِ، ألفَ ألفِ حَجَّةٍ لمَن زارَه عارِفًا بحَقِّه
[1207] يُنظر: ((عيون أخبار الرضا)) لابن بابويه (2/257). .
ورَوَوا عن ابنِه مُحَمَّدٍ الجَوادِ الإمامِ التَّاسِعِ عِندَهم أنَّه قال: (مَن زارَ قَبرَ أبي بطَوسٍ غَفرَ اللهُ له ما تَقدَّمَ مِن ذَنبِه وما تَأخَّرَ، فإذا كان يومُ القيامةِ وُضِع له مِنبَرٌ حِذاءَ مِنبَرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى يفرُغَ اللهُ مِن حِسابِ العِبادِ)
[1208] يُنظر: ((عيون أخبار الرضا)) لابن بابويه (2/ 259). .
وعن عَليِّ بنِ مخرياءَ أنَّه قال: قُلتُ لابنِ الرِّضا: جُعِلتُ فداك! زيارةُ الرِّضا عليه السَّلامُ أفضَلُ أم زيارةُ الحُسَينِ؟ فقال: (زيارةُ أبي عليه السَّلامُ أفضَلُ)
[1209] يُنظر: ((عيون أخبار الرضا)) لابن بابويه (2/261). .
ورَوَوا عن أبيه
موسى الكاظِمِ بنِ جَعفرٍ الصَّادِقِ الإمامِ السَّابِعِ عِندَهم أنَّه قال: (مَن زارَ قَبرَ ولدي عَليٍّ كان له عِندَ اللهِ تعالى سَبعونَ حَجَّةً مبرورةً، فقال الرَّاوي عنه، وهو سُليمانُ بنُ حَفصٍ المَروزيُّ: سَبعونَ حَجَّةً؟! قال: نَعَم، وسَبعونَ ألفَ حَجَّةٍ، رُبَّ حَجَّةٍ لا تُقبَلُ، ومَن زارَه أو باتَ عِندَه ليلةً كمَن زارَ اللهَ تعالى في عَرشِه، قال سُليمانُ: كمَن زارَ اللهَ في عَرشِه؟! قال: نَعَم، إذا كان يومُ القيامةِ كان على عَرشِ اللهِ تعالى أربَعةٌ مِنَ الأوَّلينَ وأربَعةٌ مِنَ الآخِرينَ؛ فأما الأوَّلونَ فنوحٌ وإبراهيمُ وموسى وعيسى عليهم السَّلامُ، وأمَّا الأربَعةُ الآخِرونَ فمُحَمَّدٌ وعَليٌّ والحَسَنُ والحُسَينُ، صَلواتُ اللهِ عليهم، ثُمَّ يُمَدُّ المِطمارُ خَيطٌ للبناءِ يُقدَّرُ به فتَقعُدُ مَعنا زوَّارُ قُبورِ الأئِمَّةِ، ألا إنَّ أعلاهم دَرَجةً وأقرَبَهم حَبوةً زوَّارُ قَبرِ ولدي عَليٍّ)
[1210] يُنظر: ((عيون أخبار الرضا)) لابن بابويه (2/ 259). .
وورَدَ في ثَوابِ زيارةِ قَبرِ أُختِه فاطِمةَ بنتِ موسى، عن سَعدِ بنِ سَعدٍ أنَّه قال: سَألتُ أبا الحَسَنِ الرِّضا عليه السَّلامُ عن زيارةِ فاطِمةَ بنتِ موسى بنِ جَعفرٍ عليهما السَّلامُ، فقال: (مَن زارَها فله الجَنَّةُ)
[1211] يُنظر: ((عيون أخبار الرضا)) لابن بابويه (2/267). .