المَبحَثُ الثَّاني: وصفُ الأئِمَّةِ بأسماءِ اللهِ وصِفاتِه
مِمَّا انفرَدت به الشِّيعةُ الإماميَّةُ تَسميتُهم أئِمَّتَهم بأسماءِ اللهِ سُبحانَه، وزَعَموا أنَّ أسماءَ اللهِ سُبحانَه التي ذَكرَها في كِتابِه هي عِبارةٌ عن الأئِمَّةِ الاثنَي عَشَرَ!
رَوى الكُلينيُّ عن أبي عَبدِ اللهِ أنَّه قال في قَولِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ:
وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف: 180] : (نحن واللهِ الأسماءُ الحُسنى التي لا يقبَلُ اللهُ مِنَ العِبادِ عملًا إلَّا بمَعرِفتِنا)
[1475] يُنظر: ((الكافي)) (1/143). !
وزَعَموا أنَّ عَليًّا رَضِيَ اللهُ عنه قال: (أنا وجهُ اللهِ، وأنا جَنبُ اللهِ، وأنا الأوَّلُ، وأنا الآخِرُ، وأنا الظَّاهرُ، وأنا الباطِنُ)
[1476] يُنظر: ((بصائر الدرجات)) للصفار (ص: 151). !
وجاءت رِواياتٌ عَديدةٌ في كثيرٍ مِن مَصادِرِهم المُعتَمَدةِ تُفسِّرُ قَولَه سُبحانَه:
وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن: 27]، وقولَه سُبحانَه:
كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: 88] ، بما رَوَوه عن
جعفَرٍ أنَّه قال: (نحن وَجهُ اللهِ)
[1477] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (1/143). ، (نحن وَجهُ اللهِ الذي لا يَهلِكُ)
[1478] يُنظر: ((التوحيد)) لابن بابويه (ص: 150). .
ووصَفوا أئِمَّتَهم بعِلمِ الغَيبِ، وعَقد لذلك صاحِبُ الكافي بابًا بعُنوانِ (بابُ أنَّ الأئِمَّةَ يعلمونَ عِلمَ ما كان وما يكونُ، وأنَّه لا يخفى عليهم الشَّيءُ)
[1479] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (1/260-262). ، ومِمَّا ذَكرَه في هذا البابِ:
عن سَيفِ التَّمَّارِ قال: كُنَّا مَعَ أبي عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه جَماعةً مِنَ الشِّيعةِ في الحِجرِ، فقال: علينا عَينٌ؟ فالتَفَتْنا يَمنةً ويَسرةً فلم نَرَ أحَدًا، فقُلنا: ليس علينا عَينٌ. فقال: (ورَبِّ الكعبةِ ورَبِّ البِنيةِ -ثَلاثَ مَرَّاتٍ- لو كُنتُ بَيْنَ موسى والخَضِرِ لأخبَرتُهما أنِّي أعلمُ منهما، ولأنبَأتُهما بما ليس في أيديهما؛ لأنَّ موسى والخَضِرَ عليهما السَّلامُ أُعطِيا عِلمَ ما كان، ولم يُعطَيا عِلمَ ما يكونُ وما هو كائِنٌ حتَّى تَقومَ السَّاعةُ، وقد وَرِثناه مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وِراثةً)
[1480] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (1/260). .
وكالعادةِ يوجَدُ في كُتُبِ الشِّيعةِ ما يوافِقُ الحَقَّ مِمَّا يروونَه عن الأئِمَّةِ؛ ففي رِوايةٍ عن بَعضِ أئِمَّتِهم أنَّه قال: (تعالى اللهُ عَزَّ وجَلَّ عَمَّا يصِفونَ سُبحانَه وبحَمدِه، ليس نحن شُرَكاءَ في عِلمِه ولا في قُدرَتِه، بل لا يَعلَمُ الغَيبَ غَيرُه، كما قال في مُحكَمِ كِتابِه تَبارَك وتعالى:
قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ [النمل: 65] وأنا وجَميعُ آبائي مِنَ الأوَّلينَ -آدَمُ ونوحٌ، وإبراهيمُ وموسى، وغَيرُهم مِنَ النَّبيِّينَ- ومِنَ الآخِرينَ مُحَمَّدٌ رَسولُ اللهِ، وعَليُّ بنُ أبي طالبٍ و
الحَسَنُ والحُسَينُ، وغَيرُهم مِمَّن مَضى مِنَ الأئِمَّةِ صَلواتُ اللهِ عليهم أجمَعينَ إلى مَبلغِ أيَّامي ومُنتَهى عَصري: عَبيدُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، يقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ:
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصيِرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه: 124-126] ، يا مُحَمَّدُ بنَ عَليٍّ قد آذانا جُهَلاءُ الشِّيعةِ وحُمَقاؤهم، ومَن دينُه جَناحُ البَعوضةِ أرجَحُ منه، وأُشهدُ اللهَ الذي لا إلهَ إلَّا هو وكفى به شَهيدًا، ومُحَمَّدًا رَسولَه ومَلائِكتَه وأنبياءَه وأولياءَه وأُشهِدُك وأُشهِدُ كُلَّ مَن سَمعِ كِتابي هذا: أنِّي بَرِيءٌ إلى اللهِ وإلى رَسولِه مِمَّن يقولُ: إنَّا نَعلَمُ الغَيبَ أو نُشارِكُ اللهَ في مُلكِه، أو يُحِلُّنا مَحَلًّا سِوى المَحَلِّ الذي نَصَبَه اللهُ لنا وخَلقَنا له
[1481] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (25/266). .
وفي رِوايةٍ عن
جَعفرٍ الصَّادِقِ أنَّه قيل له: إنَّ المُفضَّلَ بنَ عُمَرَ يقولُ: إنَّكم تُقدِّرونَ أرزاقَ العِبادِ! فقال: (واللهِ ما يُقدِّرُ أرزاقَنا إلَّا اللهُ، ولقد احتَجتُ إلى طَعامٍ لعِيالي فضاقَ صَدري، وأبلَغَت إليَّ الفِكرةُ في ذلك حتَّى أحرَزتُ قُوتَهم؛ فعِندَها طابت نَفسي، لعنَه اللهُ، وبَرِئَ منه)
[1482] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (25/301). ويُنظر رواياتٌ أخرى بهذا المعنى في: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (25/32، 316)، ((رجال الكشي)) (ص: 324، 325، 518، 519). .
وعن
جَعفرٍ الصَّادِقِ أنَّه قال: (يا عَجَبًا لأقوامٍ يزعُمونَ أنَّا نَعلَمُ الغَيبَ! ما يَعلَمُ الغَيبَ إلَّا اللهُ عَزَّ وجَلَّ، لقد هَمَمتُ بضَربِ جاريتي فُلانةَ فهَرَبت مِنِّي، فما عَلِمتُ في أيِّ بُيوتِ الدَّارِ هي!)
[1483] ((الكافي)) (1/257). .
قال المازندرانيُّ شارِحُ الكافي: (الغَرَضُ مِن هذا التَّعَجُّبِ وإظهارِه هو ألَّا يتَّخِذَه الجُهَّالُ إلهًا، أو يدفعَ عن وَهمِ بَعضِ الحاضِرينَ المُنكِرَ لفَضلِه ما نَسَبوه إليه مِنَ العِلمِ بالغَيبِ حِفظًا لنَفسِه، وإلَّا فهو رَضِيَ اللهُ عنه كان عالِمًا بما كان وما يكونُ، فكيف يخفى عليه مَكانُ الجاريةِ؟ فإن قُلتَ: إخبارُه بذلك على هذا يوجِبُ الكذِبَ، قُلتُ: إنَّما يوجِبُ الكذِبَ لو لم يقصِدِ التَّوريةَ، وقد قَصَدَها؛ فإنَّ المَعنى ما عَلِمتُ عِلمًا غَيرَ مُستَفادٍ منه تعالى بأنَّها في أيِّ بُيوتِ الدَّارِ)
[1484] ((شرح جامع على الكافي)) (6/30). !
وأمَّا شَيخُ الشِّيعةِ الشَّعرانيُّ المُعَلِّقُ على الشَّرحِ فلم يُعجِبْه هذا التَّكلُّفُ في تَأويلِ الرِّوايةِ، وحَكم بأنَّ الرِّوايةَ كَذِبٌ
[1485] ((تعاليق علمية على الكافي وشرحه)) (6/31). .
وقد رَوى العقيليُّ عن ابنِ السَّمَّاكِ قال: (خَرَجتُ إلى مَكَّةَ فلقِيَني زُرارةُ بنُ أعيَنَ
[1486] شيعيٌّ رافضيٌّ من أهلِ الكوفةِ، رأسُ الفِرقةِ الزُّراريَّةِ من غُلاةِ الشِّيعةِ، ويقالُ: إنَّه رجع عن التَّشيُّعِ. واللهُ أعلمُ. يُنظر: ((الضعفاء الكبير)) للعقيلي (2/ 96)، ((الكامل في ضعفاء الرجال)) لابن عدي (4/ 215)، ((ديوان الضعفاء)) للذهبي (ص: 143)، ((لسان الميزان)) لابن حجر (3/ 497)، ((الأعلام)) للزركلي (3/ 43). بالقادِسيَّةِ، فقال لي: إنَّ لي إليك حاجةً، وأرجو أن أَبلُغَها بك، وعَظَّمَها، فقُلتُ: ما هي؟ فقال: إذا لقيتَ
جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ فأقرِئْه مِنِّي السَّلامَ، وسَلْه أن يُخبرَني: مِن أهلِ الجَنَّةِ أنا أم مِن أهلِ النَّارِ؟ فأنكَرتُ ذلك عليه، فقال لي: إنَّه يعلمُ ذلك، فلم يزَلْ بي حتَّى أجَبتُه، فلمَّا لقيتُ
جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ أخبَرتُه بالذي كان منه، فقال: هو مِن أهلِ النَّارِ، فوقَعَ في نَفسي شَيءٌ مِمَّا قال، فقُلتُ: ومِن أينَ عَلِمتَ ذاك؟! فقال: مَن ادَّعى عليَّ أنِّي أعلمُ هذا فهو مِن أهلِ النَّارِ، فلمَّا رَجَعتُ لقيني زرارةُ بنُ أعيَنَ، فسَألني عَمَّا عَمِلتُ في حاجَتِه، فأخبَرتُه بأنَّه قال لي: إنَّه مِن أهلِ النَّارِ، فقال: عَمِل مَعَك بالتَّقيَّةِ!)
[1487] يُنظر: ((الضعفاء الكبير)) (2/ 96). .