المَطلَبُ الأوَّلُ: مَن هو المَهديُّ؟
يُؤمِنُ أهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ بالمَهديِّ وخُروجِه في آخِرِ الزَّمانِ كما صَحَّت به الأحاديثُ النَّبَويَّةُ، وهو غَيرُ مَهديِّ الشِّيعةِ الذي يزعُمونَ أنَّه غابَ عنهم مُدَّةً طَويلةً مِنَ الزَّمانِ، وأخبارُه عِندَهم أكثَرُ مِن أن تُذكَرَ، وقد أفرَدَه
الطُّوسيُّ بكِتابِه المُسَمَّى: (كِتاب الغَيبة)
[1840] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (1/ 264-277، 300 - 303)، (2/ 268، 266، 265، 264). ويُنظر أيضًا: ((منهاج السنة)) لابن تَيميَّةَ (1/12-29)، ((مختصر التحفة الاثني عشرية)) للألوسي (ص200-294)، ((الشيعة والتشيع)) لإحسان إلهي ظهير (ص: 351-388). .
وليسَ لفِرَقِ الشِّيعةِ مَهديٌّ واحِدٌ ينتَظِرونَ عَودَتَه، بل كُلٌّ منهم له مَهديٌّ مُختَلِفٌ بحَسبِ مُعتَقداتِهم، وأمَّا مَهديُّ الشِّيعةِ الإماميَّةِ فهو مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ العَسكريِّ بنِ عَليٍّ الهادي بنِ مُحَمَّدٍ الجَوادِ بنِ عَليٍّ الرِّضا بنِ موسى الكاظِمِ بنِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ بنِ مُحَمَّدٍ الباقِرِ بنِ عَليٍّ زَينِ العابدينَ بنِ الحُسَينِ بنِ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ.
وقد رَوى الكُلينيُّ عن
موسى بنِ جَعفرٍ أنَّه فسَّرَ قَولَ اللهِ تعالى:
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَعِينٍ [الملك: 30] بقَولِه: (إذا غابَ عنكم إمامُكم، فمَن يأتيكم بإمامٍ جَديدٍ؟).
وذَكر
الطُّوسِيُّ تَوقيعاتِ المَهديِّ لنوَّابِه حالَ غَيبَتِه، فيها فتاوى وأقوالٌ، نَقَلها عنه أولئك النُّوَّابُ والسُّفراءُ الذينَ كثُرَ عَدَدُهم
[1841] يُنظر: ((كتاب الغيبة)) (ص: 172، 199-241). .
وقد اضطَرَبَ كلامُ الشِّيعةِ في المَهديِّ، وتَناقَضت فيه أقوالُهم، ومِن تلك التَّناقُضاتِ:
1- اختِلافُهم في وُجودِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ ووِلادَتِه، واسمِ أُمِّه وسَنةِ ومَكانِ اختِفائِه.
فذَهَبَ بَعضُ الشِّيعةِ إلى أنَّ الحَسَنَ العَسكريَّ ماتَ ولم يُعرَفْ له ولدٌ أصلًا، وأنَّه حينَ توُفِّي ظَنَّ بَعضُهم أنَّ في بَطنِ جاريتِه حملًا، فوكَّلوا بها مَن يُراقِبُها حتَّى تَبَيَّنَ أنَّه لا حَملَ بها، واستَدَلُّوا على ذلك بأنَّ الحَسَنَ العَسكريَّ حينَما ماتَ أخَذَ أخوه جَعفَرٌ تَرِكتَه عَصَبةً، ولو كان للحَسَنِ وَلَدٌ لِما وَرِثَه مَعَ وُجودِ ابنٍ له.
وقد أنكرَ الهاشِميُّونَ وُجودَ ولدٍ للحَسَنِ العَسكريِّ، وذلك حينَما ادَّعى شَخصٌ في زَمَنِ الخَليفةِ المُقتَدِرِ العَبَّاسيِّ أنَّه هو ابنُ الحَسَنِ العَسكريِّ، فأحضَرَ الخَليفةُ نَقيبَ الطَّالبيِّين أحمَدَ بنَ عَبدِ الصَّمَدِ المَعروفَ بابنِ طومارٍ ومَشايِخَ آلِ أبي طالبٍ للبَتِّ في أمرِ هذا الرَّجُلِ، فشَهدَ على كذِبه؛ لأنَّ الحَسَنَ العَسكريَّ لم يُعقِبْ، فحُبسَ المُدَّعي، وشُهِرَ به؛ جَرَّاءَ كَذِبِه
[1842] يُنظر: ((تاريخ الطبري)) (11/49). .
لكِنَّ الشِّيعةَ الإماميَّةَ أصَرُّوا على إثباتِ ولادةِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ
[1843] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (1/328). ؛ فقد وضَعوا شروطًا وقَواعِدَ وأوصافًا للإمامِ، ألزَموا أنفُسَهم بتَصديقِها دونَ أيِّ مُستَنَدٍ صَحيحٍ يُعتَمَدُ عليه، وجَعَلوا ذلك جزءًا مِن عَقيدَتِهم، بحَيثُ لو لم يتَحَقَّقْ لانتَقَضَ جُزءٌ كبيرٌ مِن تَعاليمِهم؛ فمنها:
1- أنَّ الإمامُ لا يموتُ حتَّى يكونَ له خَلَفٌ مِن ذُرِّيَّتِه هو الذي يتَولَّى الإمامةَ مِن بَعدِه حتمًا لازمًا، وقد رَوى
الطُّوسِيُّ عن عُقبةَ بنِ جَعفَرٍ قال: قُلتُ لأبي الحَسَنِ: قد بَلغتَ ما بَلغتَ وليسَ لك ولَدٌ؟ فقال: (يا عُقبةُ بنَ جَعفَرٍ، إنَّ صاحِبَ هذا الأمرِ لا يموتُ حتَّى يرى وَلَدَه مِن بَعدِه)
[1844] يُنظر: ((كتاب الغيبة)) (ص: 133). .
2- أنَّ الإمامةَ لا تَكونُ في أخَوينِ بَعدَ الحَسَنِ والحُسَين أبدًا، بل في الأعقابِ وأعقابِ الأعقابِ، ومَعنى هذا أنَّ الحَسَنَ العَسكريَّ -وهو الإمامُ الحاديَ عَشَرَ- لو ماتَ دون عَقِبٍ لانتَقَضت هذه القاعِدةُ، وقد رَوى هذا
الطُّوسِيُّ عن أبي عيسى الجُهَنيِّ قال: قال أبو عَبدِ اللهِ عليه السَّلامُ: (لا تَجتَمِعُ الإمامةُ في أخَوينِ بَعدَ الحَسَنِ والحُسَين رَضِيَ اللهُ عنهما، إنَّما هي في الأعقابِ، وأعقابِ الأعقابِ)
[1845] يُنظر: ((كتاب الغيبة)) (ص: 136). .
فالذي حَمَل الشِّيعةَ على ذلك الإصرارِ بوُجودِ ولدٍ للحَسَنِ العَسكريِّ هي تلك الشُّروطُ التي تَنُصُّ على أنَّ الإمامَ لا يموتُ حتَّى يوجَدَ له عَقِبٌ مِن أولادِه، وهو الذي يتَولَّى تَجهيزَه ودَفنَه، والقيامَ بأمرِ الشِّيعةِ بَعدَه حتمًا، وكان مَوتُ الحَسَنِ العَسكريِّ شابًّا مِن دونِ ولدٍ يهدِمُ تلك الشُّروطَ التي وضَعوها؛ فادَّعَوا للحَسَنِ ولدًا.
واختَلف الذينَ أثبَتوا وِلادَته، وتَناقَضت أقوالُهم، فبَعضُهم قال: وُلِدَ بَعدَ وفاةِ والدِه الحَسَنِ بثَمانيةِ أشهُرٍ، وكذَّبوا من زَعَمَ غَيرَ هذا.
وقال آخَرونَ: إنَّه وُلدَ قَبلَ وفاةِ والدِه بسِنينَ.
كما اختَلفوا كذلك في تَحديدِ السَّنةِ التي اختَفى فيها، فبَعضُهم يجعَلُها سَنةَ (256هـ)، وآخَرونَ: سَنةَ (255هـ)، وقيل: سَنةَ (258هـ).
كما اختَلفوا في اسمِ أُمِّه على أقوالٍ:
فقيل: اسمُها نَرجِسُ.
وقيل: صَقيلُ أو صَيقَلُ.
وقيل: اسمُها حَكيمةُ.
وقيل: اسمُها سَوسَنُ
[1846] يُنظر: ((الغيبة)) للطوسي، ((فرق الشيعة)) للنوبختي (ص: 115 - 132). ويُنظر: ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) لابن حزم (4/181-193)، ((الشيعة والتشيع)) لإحسان إلهي ظهير (ص: 273 -282). .
وقد اختَلف الإماميَّةُ في المَكانِ الذي اختَفى فيه مَهدِيُّهم المُنتَظَرُ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ العَسكريِّ على أقوالٍ مُختَلفةٍ، منها:
1- أنَّه مُختَفٍ في سامَرَّاءَ، في سِردابِ دارِ أبيه، وهذا أشهَرُ أقوالِ الشِّيعةِ، وهو القَولُ المُتَداوَلُ بَينَهم، والمَذكورُ في أشهَرِ كُتُبِهم
[1847] يُنظر: ((الغيبة)) للطوسي (ص: 140، 146). .
2- أنَّه مختَفٍ في المدينةِ المنوَّرةِ
[1848] يُنظر: ((الغيبة)) للطوسي (ص: 139). .
3- أنَّه مختَفٍ بمكَّةَ المكَرَّمةِ
[1849] يُنظر: ((الغيبة)) للطوسي (2/ 151). .
4- أنَّه بذي طُوًى
[1850] يُنظر: ((كشف الأستار)) للطبرسي (ص: 2145). .
5- أنَّه في اليمَنِ بوادٍ يُسَمَّى شَمروخًا
[1851] يُنظر: ((الأنوار النعمانية)) للجزائري (2/65). .
6- أنَّه بالطَّائِفِ
[1852] يُنظر: ((الغيبة)) للطوسي (ص: 159-161). .