المَبحَثُ السَّابعُ: نُعوتُ الأئِمَّةِ والأولياءِ
أضفى الصُّوفيَّةُ على أوليائِهم عَينَ تلك الأوصافِ والاختياراتِ التي أضفاها الشِّيعةُ على أئِمَّتِهم وأوصيائِهم؛ فإنَّ الشِّيعةَ يَقولونَ: (إنَّ الأئِمَّةَ وُلاةُ أمرِ اللهِ، وخَزَنةُ عِلمِ اللَّهِ، وعَيبةُ وَحيِ اللهِ)
[169] يُنظر: ((الأصول من الكافي)) للكليني (1/ 193). .
ورَوى مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الصَّفَّارُ عن مُحَمَّدٍ الباقِرِ بنِ عليٍّ زَينِ العابدينَ أنَّه قال: (نَحنُ جَنبُ اللهِ، ونَحنُ صَفوتُه، ونَحنُ خِيرَتُه، ونَحنُ مُستَودَعُ مَواريثِ الأنبياءِ، ونَحنُ أمَناءُ اللَّهِ، ونَحنُ حُجَّةُ اللهِ، ونَحنُ أركانُ الإيمانِ، ونَحنُ دَعائِمُ الإسلامِ، ونَحنُ من رَحمةِ اللهِ على خَلقِه، ونَحنُ الذينَ بنا يَفتَحُ اللهُ وبنا يَختِمُ، ونَحنُ أئِمَّةُ الهدى، ونَحنُ مَصابيحُ الدُّجى، ونَحنُ مَنارُ الهدى، ونَحنُ السَّابقونَ، ونَحنُ الآخِرونَ، ونَحنُ العِلمُ المَرفوعُ للخَلقِ، مَن تَمسَّك بنا لحِقَ، ومَن تَخَلَّف عنَّا غَرِقَ، ونَحنُ قادةُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ، ونَحنُ خِيرةُ اللَّهِ، ونَحنُ الطَّريقُ، وصِراطُ اللهِ المُستَقيمُ إلى اللهِ، ونَحنُ من نِعمةِ اللهِ على خَلقِه، ونَحنُ المنهاجُ، ونَحنُ مَعدِنُ النُّبوَّةِ، ونَحنُ مَوضِعُ الرِّسالةِ، ونَحنُ الذينَ إلينا مُختَلَفُ المَلائِكةِ، ونَحنُ السِّراجُ لمَنِ استَضاءَ بنا، ونَحنُ السَّبيلُ لمَنِ اقتَدى بنا، ونَحنُ الهُداةُ إلى الجَنَّةِ، ونَحنُ عِزُّ الإسلامِ، ونَحنُ السَّنامُ الأعظَمُ، ونَحنُ الذينَ بنا تَنزِلُ الرَّحمةُ وبنا تُسقَونَ الغَيثَ، ونَحنُ الذينَ بنا يُصرَفُ عنكُمُ العَذابُ، فمن عَرَفَنا ونَصَرَنا وعَرَف حَقَّنا وأخَذَ بأمرِنا فهو منَّا وإلينا)
[170] ((بصائر الدرجات الكبرى)) (2/ 83). .
وأمَّا الصُّوفيَّةُ فقد نَقَلوا عن ذي النُّونِ المِصريِّ أنَّه قال عن أهلِ التَّصَوُّفِ: (هم حُجَجُ اللهِ تعالى على خَلقِه، ألبَسَهمُ النُّورَ السَّاطِعَ عن مَحَبَّتِه، ورَفعَ لهم أعلامَ الهدايةِ إلى مواصَلتِه، وأقامهم مَقامَ الأبطالِ لإرادَتِه، وأفرَغ عليهمُ الصَّبرَ عن مُخالفتِه، وطَهَّرَ أبدانَهم بمُراقبَتِه، وطيَّبَهم بطِيبِ أهلِ مُجامَلتِه، وكَساهم حالًا من نَسجِ مَودَّتِه، ووضَع على رؤوسِهم تيجانَ مَسَرَّتِه، ثمَّ أودَعَ القُلوبَ من ذَخائِرِ الغُيوبِ، فهي مُعَلَّقةٌ بمواصَلتِه، فهمومُهم إليه ثائِرةٌ، وأعيُنُهم إليه بالغَيبِ ناظِرةٌ، قد أقامهم على بابِ النَّظَرِ مِن قُربِه، وأجلسَهم على كُرسيِّ أطِبَّاءِ أهلِ مَعرِفتِه)
[171] يُنظر: ((جمهرة الأولياء)) للمنوفي (1/ 102). .
وقال أبو نَصرٍ السَّرَّاجُ: (إنَّ هذه العِصابةَ -أعني الصُّوفيَّةَ- هم أمَناءُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ في أرضِه، وخَزَنةُ أسرارِه وعِلمِه، وصَفوتُه مِن خَلقِه، فهم عِباده المُخلصونَ، وأولياؤه المُتَّقونَ، وأحِبَّاؤُه الصَّادِقونَ الصَّالحونَ، منهمُ الأخيارُ والسَّابقونَ، والأبرارُ والمُقَرَّبونَ، والبُدَلاءُ والصِّدِّيقونَ، همُ الذينَ أحيا اللهُ بمَعرِفتِه قُلوبَهم، وزَيَّنَ بمَعرِفتِه جَوارِحَهم، وألهَجَ بذِكرِه ألسِنَتَهم، وطَهَّرَ بمُراقَبَتِه أسرارَهم، سَبَقَ لهم منه الحُسنى بحُسنِ الرِّعايةِ ودَوامِ العِنايةِ، فتَوَّجَهم بتاجِ الوِلايةِ، وألبَسَهم حُلَلَ الهدايةِ، وأقبَلَ بقُلوبِهم عليه تَعَطُّفًا، وجَمعَهم بَينَ يَدَيه تَلطُّفًا؛ فاستَغنَوا به عَمَّا سِواه، وآثَروه على ما دُونَه، وانقَطَعوا إليه، وتَوكَّلوا عليه، وعَكَفوا ببابِه، ورَضُوا بقَضائِه، وصَبَروا على بلائِه، وفارَقوا فيه الأوطانَ، وهَجَروا له الإخوانَ، وتَرَكوا من أجلِه الأنسابَ، وقَطَعوا فيه العَلائِقَ، وهَرَبوا منَ الخَلائِقِ، مُستَأنِسينَ به مُستَوحِشينَ ممَّا سِواه
ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد: 21] الآية،
فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ [فاطر: 32] الآية،
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل: 59] )
[172] ((اللمع)) (ص: 19). .
وقال ابنُ عَجيبةَ: (هم بابُ اللهِ الأعظَمُ، ويَدُ اللهِ الآخِذةُ بالدَّاخِلينَ إلى حَضرةِ اللَّهِ، فمَن مَدحَهم فقد مَدَحَ اللهَ، ومَن ذَمَّهم فقد ذَمَّ اللهَ)
[173] ((إيقاظ الهمم)) (ص: 272). .
وقال ابنُ قَضيبِ البانِ: (القُطبُ فاروقُ الوقتِ، وقاسِمُ الفَيضِ، وإليه مُفوَّضُ أزِمَّةِ الأمورِ، وقَلبُ قُطبِ خِزانةِ أرواحِ الأنبياءِ، وله بكُلِّ وَجهٍ وَجهٌ، وأرواحُ الأنبياءِ خَزائِنُ أسرارِ الحَقِّ... الكَونُ كُلُّه صورةُ القُطبِ... وهو البابُ الذي لا دُخولَ ولا خُروجَ إلَّا منه... وفُؤادُ القُطبِ شَمعةٌ نُصِبَت لفَراشِ أرواحِ العالَمِ، ونُطقُه شَهْدُ حَقائِقِ المَعارِفِ، الذي فيه شِفاءُ أسرارِ المُقَرَّبينَ، وصَلاحُ مَشاهدِ العارِفينَ، وغِذاءُ أفئِدةِ الواصِلينَ... نَفسُ القُطبِ صُورُ بَرزَخِ الشُّؤونِ الصِّفاتيَّةِ، وعَقلُه إسرافيلُه، ومِن نَفسِه قيامُ عَمودِ السَّماواتِ الرُّوحيَّةِ والأرَضينَ الجِسميَّة، وإرادَتُه المُؤثِّرةُ فيهما، ومنِ اختيارِه همَمُ أهلِ زَمانِه)
[174] ((المواقف الإلهية)) لابن قضيب البان (ص: 190). .
ويَعتَقِدُ الشِّيعةُ أنَّ أئِمَّتَهم يَعرِفونَ جَميعَ الألسُنِ واللُّغاتِ، وحتَّى لُغاتِ الطُّيورِ والوُحوشِ.
فذَكَرَ الصَّفَّارُ في بَصائِرِه أربَعةَ عناوينَ لبَيانِ عُلومِ أئِمَّتِه: (بابٌ في الأئِمَّةِ عليهمُ السَّلامُ أنَّهم يَعرِفونَ الألسُنَ كُلَّها)، (بابٌ في الأئِمَّةِ أنَّهم يَتَكَلَّمونَ الألسُنَ كُلَّها)، (بابٌ في الأئِمَّةِ أنَّهم يَعرِفونَ مَنطِقَ الطَّيرِ)، (بابٌ في الأئِمَّةِ عليهمُ السَّلامُ أنَّهم يَعرِفونَ مَنطِقَ البَهائِمِ، ويَعرِفونَهم، ويُجيبونَهم إذا دَعَوهم)
[175] يُنظر: ((بصائر الدرجات الكبرى)) للصفار (9/357) وما بعد ((الفصول المهمة في أصول الأئمة)) للحر العاملي (ص: 155)، ((الأصول من الكافي)) للكليني (1/ 227). . ثمَّ أوردَ تَحتَها رِواياتٍ كَثيرةً تُشيرُ إلى ما ذَكَرَه في العناوينِ.
فمَثلًا رَوى عن جَعفرِ بنِ الباقِرِ أنَّه قال: (قال الحَسَنُ بنُ عليٍّ عليه السَّلامُ: إنَّ للَّهِ مَدينَتَينِ، إحداهما بالمُشرِقِ، والأخرى بالمَغرِبِ، عليهما سورانِ من حَديدٍ، وعلى كُلِّ مَدينةٍ ألفُ ألفِ مِصراعٍ من ذَهَبٍ، وفيها سَبعونَ ألفَ ألفِ لُغةٍ، يَتَكَلَّمُ كُلَّ لُغةٍ بخِلافِ لُغةِ صاحِبِه، وأنا أعرِفُ جَميعَ اللُّغاتِ وما فيهما وما بَينَهما، وما عليهما حُجَّةٌ غَيري والحُسَينِ أخي)
[176] يُنظر: ((بصائر الدرجات)) (7/ 359). .
ورَوى عن مُحَمَّدٍ الباقِرٍ أنَّه قال: (عُلِّمْنا مَنطِقَ الطَّيرِ، وأُوتينا من كُلِّ شَيءٍ)
[177] يُنظر: ((بصائر الدرجات)) (7/ 362). .
ومِثلَ ذلك ذَكَر المُتَصَوِّفةُ في كُتُبِهم عن أوليائِهم ومشايخِهم، فقال الشَّعَرانيُّ عن إبراهيمَ الدُّسوقيِّ: (وكان رَضِيَ اللهُ عنه يَتَكَلَّمُ بالعَجَميِّ والسُّريانيِّ والعِبرانيِّ والزِّنجيِّ، وسائِرِ لُغاتِ الطُّيورِ والوُحوشِ)
[178] ((طبقات الشعراني)) (1/ 166). .
وقال عِمادُ الدِّينِ الأمَويِّ: (العارِفونَ يَفهَمونَ كَلامَ المَخلوقينَ منَ الحَيَواناتِ والجَماداتِ)
[179] يُنظر: ((حياة القلوب)) للأموي بهامش ((قوت القلوب)) لأبي طالب (2/ 275). .
وقال الشَّعرانيُّ: (الوليُّ يُعطيه اللهُ تعالى مَعرِفةَ سائِرِ الألسُنِ الخاصَّةِ بالإنسِ والجِنِّ، فلا يَخفى عليه فَهمُ كَلامِ أحَدٍ منهم)
[180] ((الأنوار المقدسية في معرفة القواعد الصوفية)) (2/ 115). .
وذَكَرَ القَومُ حِكاياتٍ عن مُتَصَوِّفيهم تَشتَمِلُ على تَكَلُّمِهم مَعَ السِّباعِ والطُّيورِ وغَيرِها
[181] يُنظر مثلًا: ((طبقات الشعراني)) (1/ 136). .