المَبحَثُ الأوَّلُ: أبرَزُ الشَّخصيَّاتِ
أوَّلًا: عبدُ اللهِ الهَرَريُّ الحَبَشيُّ:هو عبدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّيبيُّ العَبدَريُّ نَسَبًا، الهَرَريُّ مَوطِنًا نِسبةً إلى مَدينةِ هرَرٍ بالحَبَشةِ، وفيها ولِدَ لقَبيلةٍ تُدعى الشَّيبانيَّ نِسبةً إلى بَني شَيبةَ إحدى القَبائِلِ العَرَبيَّة. ودَرَسَ في باديَتِها اللُّغةَ العَرَبيَّةَ والفِقهَ الشَّافِعيَّ على بَعضِ العُلماءِ، ثمَّ ارتَحَل إلى مِنطَقةٍ أخرى، وفيها سَلَك الطَّريقةَ التَّجانيَّة. ثمَّ ارتَحَل إلى عِدَّةِ مَناطِقَ دَرس فيها صَحيحَ البُخاريِّ وعُلومَ القُرآنِ الكَريمِ والحَديثَ، وبايَعَ على الطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ. ثمَّ أتى إلى سُوريا ثمَّ إلى لُبنانَ.
ويُقالُ: إنَّه تَعاونَ مَعَ حاكِمِ إندراجي صِهرِإمبراطورِ الحَبَشةِ هيلاسيلاسي ضِدَّ الجَمعيَّاتِ الإسلاميَّةِ لتَحفيظِ القُرآنِ بمَدينةِ هرَرٍ سَنةَ 1367ه الموافِقِ 1940م فيما عُرِف بفِتنةِ بلادِ كَلبٍ، فصَدر الحُكمُ على مُديرِ المَدرَسةِ إبراهيم حَسَن بالسِّجنِ ثلاثًا وعِشرينَ سَنةً مَعَ النَّفيِ؛ حَيثُ قَضى نَحبَه في مُقاطَعةِ جوري بَعدَ نَفيِه إليها. وبسَبَبِ تَعاوُنِ عَبدِ اللَّهِ الهَرَريِّ مَعَ هيلاسيلاسي تَمَّ تَسليمُ الدُّعاةِ والمَشايِخِ إليه وإذلالُهم، حتَّى فرَّ الكَثيرونَ إلى مِصرَ والسُّعوديَّةِ؛ ولذلك أطلقَ عليه النَّاسُ هناكَ صِفةَ (الفتَّانِ) أو (شَيخِ الفِتنةِ).
ومُنذُ أن أتى إلى لُبنانَ وهو يَعمَلُ على نَشرِ عَقيدَتِه الفاسِدةِ من شِركٍ وتَرويجٍ لمَذاهبِ الجهميَّةِ في تَأويلِ صِفاتِ اللهِ، والإرجاءِ والجَبرِ والتَّصَوُّفِ والباطِنيَّةِ والرَّفضِ، بالإضافةِ إلى الفتاوى الشَّاذَّةِ.
وقد نَجَحَ الحَبَشيُّ في تَخريجِ مَجموعاتٍ منَ الأتباعِ والتَّلاميذِ، فصاروا مُنتَمينَ إلى مَدرَسَتِه ومُدافِعينَ عن طَريقَتِه وفِكرِه، ولهم نَشاطُهم وجُهودُهمُ الكَبيرةُ في نَشرِ عَقيدةِ شَيخِهم وأستاذِهم، حتَّى إنَّهم يوزِّعونَ على النَّاسِ كُتُبَه بالمَجَّانِ
[870] يُنظر: ((دراسات في الأديان والفرق وأبرز التيارات والحركات المعاصرة)) لمحمد مختار المفتي (ص: 274، 275)، ((فرقة الأحباش: نشأتها عقائدها آثارها)) للشهراني (2/ 1041، 1042)، ((الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة)) بإشراف الجهني (1/ 427، 428). .
الكُتُبُ التي صدَرَت للحَبَشيِّ:صَدَرَت للحَبَشيِّ كُتُبٌ عَديدةٌ؛ منها:
1- المَقالاتُ السَّنِيَّةُ في كَشفِ ضَلالاتِ ابنِ تيميَّةَ: وقد حَكَمَ فيه بكُفرِه وزَيغِه وخُبثِ عَقيدَتِه. وتَعَمَّدَ الكَذِبَ عليه وزَعَمَ أنَّه كان يَسُبُّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وأنَّه كان يَقولُ بأنَّ نَبيَّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليسَ له جاهٌ، وأنَّ زيارةَ قَبرِه مَعصيةٌ، وأنَّ اللهَ بنَفسِ حَجمِ عَرشِه لا أكبَرُ ولا أصغَرُ. ثمَّ ذكرَ في خاتِمةِ كِتابِه أنَّ أحَدَ الصَّالحينَ كَشَف عن قَبرِ ابن تيميَّةَ فوَجَدَ فيه ثعبانًا جاثمًا على صَدرِه!
2- التَّعقيبُ الحثيثُ: رَدَّ فيه على الألبانيِّ لفَتواه ببِدعةِ التَّسبيحِ بالمِسبَحةِ.
3- الدَّليلُ القَويمُ على الصِّراطِ المُستَقيمِ: جَرى فيه على طَريقةِ الجَهميَّةِ والمُعتَزِلةِ مَعَ زَعمِه أنَّهم أعداؤُه. وفيه تَكفيرُ ابنِ تيميَّةَ واتِّهامُه زورًا بأنَّه يَقولُ:إنَّه لا مانِعَ أن يَكونَ نَوعُ العالَمِ مخلوقًا لغَيرِ اللهِ. وفيه جَوازُ الاستِغاثةِ بغَيرِ اللهِ تعالى منَ الأمواتِ، وجَوازُ الاستِعاذةِ بغَيرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ.
4- بُغيةُ الطَّالِبِ في مَعرِفةِ العِلمِ الدِّينيِّ الواجِبِ: وقد كُتِبَ على غِلافِ الكِتابِ أنَّه من تَأليفِ الحَبَشيِّ، ولكِنْ قيل: إنَّه من تَأليفِ غَيرِه. وهذا الكِتابُ يَشتَمِلُ على شَواذَّ؛ كمَنعِ الزَّكاةِ إلَّا منَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، وأنَّ مَن بيَدِهمُ المَلايينُ لا زَكاةَ عليهم، وفيه تَعليمُ الحِيَلِ في الدِّينِ، وتَجويزُ خُروجِ المَرأةِ مُتَعَطِّرةً مُتَزَيِّنةً ولو بغَيرِ إذنِ زَوجِها.
5- إظهارُ العَقيدةِ السَّنيَّةِ شَرح الطَّحاويةِ: وصَرَّحَ فيه بأنَّ القُرآنَ عِبارةُ جِبريلَ؛ لقَولِ اللهِ تعالى:
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [871] يُنظر: ((إظهار العقيدة)) (ص: 59). [التكوير: 19] ، ورَأى أنَّ قَولَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ:
إِنَّ اللَّهَ علَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 20] يَعني أنَّ اللهَ على غالِبِ الأشياءِ قديرٌ
[872] يُنظر: ((إظهار العقيدة)) (ص: 40). ، وأنَّه على كُلِّ شَيءٍ قديرٌ مجازًا وليس حَقيقةً. وصَرَّحَ بكُفرِ مَن يَقولُ بأنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ بصَوتٍ، مَعَ عِلمِه بالحَديثِ الذي في البُخاريِّ بأنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ بصَوتٍ
[873] لفظُه: عن عبدِ اللهِ بنِ أُنَيسٍ قال: سمعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((يحشُرُ اللهُ العبادَ، فيناديهم بصوتٍ يسمَعُه مَن بَعُدَ كما يسمَعُه مَن قَرُب: أنا الملِكُ، أنا الدَّيَّانُ)). أخرجه البخاري معلقاً بصيغة التضعيف قبل حديث (7481) واللفظ له، وأخرجه موصولاً أحمد (16042)، والطبراني (14/275) (14914) صححه الألباني في تخريج ((كتاب السنة)) (514)، وحسنه ابن القيم في ((مختصر الصواعق المرسلة)) (489)، وصحح إسناده الحاكم في ((المستدرك)) (3638)، وحسنه المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/303)،وابن حجر في ((فتح الباري)) (1/209)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (16042) ، وتَصريحِ أحمَدَ بذلك، كما نَقَله الحافِظُ ابنُ حَجرٍ عنه
[874] يُنظر: ((فتح الباري)) (13/460). .
6- كِتابُ المَولِدِ النَّبَويِّ: وفيه يَروي أساطيرَ وخُرافاتٍ، ويَزعُمُ فيه أنَّ المَلائِكةَ ضَجَّت واعتَرَضَت على اللهِ؛ لأنَّه أماتَ أبَويِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبَقيَ يتيمًا، فقال اللهُ لهمُ: اسكُتوا أيُّها المَلائِكةُ!
7- صريحُ البيانِ: وهو كِتابٌ مَليءٌ بأقوالٍ غَريبةٍ، كاستِباحةِ الرِّبا منَ الكُفَّارِ الحَربيِّينَ، وفيه سَبُّ مُعاويةَ رَضِيَ اللهُ عنه وطَعنُ غَيرِه منَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، واحتَجَّ بأكذَبِ الرِّواياتِ عن لُوطِ بنِ أبي مخنفٍ وسَعيدٍ الضَّبِّيِّ وغَيرِهم منَ الشِّيعةِ الكَذَّابينَ.
وقد ماتَ عبدُ اللهِ الحَبَشيُّ في سَنةِ 1429ه.
ثانيًا: نِزارٌ الحَلَبيُّ:هو نِزار رَشيد حَسَن الحَلبيُّ، ولِدَ ببَيروتَ سَنةَ 1952م، ونَشَأ ودَرَسَ في القاهرةِ، وتَخَرَّجَ من كُلِّيَّةِ الشَّريعةِ والقانونِ بجامِعةِ الأزهَرِ سَنةَ 1975م، ثمَّ عادَ إلى بَيروتَ، وهو خَليفةُ الحَبَشيِّ، وتَولَّى رِئاسةَ جَمعيَّةِ المَشاريعِ الإسلاميَّةِ التَّابعةِ للأحباشِ سَنةَ 1983م، وكانوا يُطلقونَ عليه لقَبَ (سَماحةُ الشَّيخِ)؛ حَيثُ كانوا يُعِدُّونَه لمَنصِبِ دارِ الفتوى؛ إذ كانوا يَكتُبونَ على جُدرانِ الطُّرُقِ: (لا للمُفتي حَسَن خالد الكافِرِ، نَعَمْ للمُفتي نِزار الحَلبيِّ).
وقد كان نِزارٌ بمَثابةِ المُحَرِّكِ الفِعليِّ لنَشاطِ الجَمعيَّةِ وعُنُصرًا فعَّالًا في تَنظيمِها، وكان لسانُه سليطًا على العُلماءِ والدُّعاةِ بالتَّكفيرِ والسَّبِّ والشَّتمِ، وعُرِف بشَراسةِ أخلاقِه وغِلظَتِه في المُعامَلةِ مَعَ مُخالفيه، وله علاقاتٌ قَويَّةٌ بكافَّةِ القوى والطَّوائِفِ في لُبنانَ شيعيَّةً أو نَصرانيَّةً بخِلافِ الدُّعاةِ الإسلاميِّينَ الذينَ يَصِمُهم دائمًا بالتَّطَرُّفِ والإرهابِ، وبمَقتَلِه انحَسَرَ نَشاطُ الأحباشِ نِسبيًّا في لُبنانَ؛ حَيثُ اغتيلَ في بَيروتَ سَنةَ1995م
[875] يُنظر: ((فرقة الأحباش: نشأتها عقائدها آثارها)) للشهراني (1/ 128، 129)، ((الإسلام والديمقراطية: معالم المدرستين في التعددية السياسية)) لنضير حميد الخزرجي (ص: 274)، ((الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة)) بإشراف الجهني (1/ 428). .
ثالثًا: حسام قراقيره:تَولَّى حُسام قراقيره رِئاسةَ مَكتَبِ شُؤونِ الدَّعوةِ في عام ۱۹۸۳م، وهو العامُ الذي تَولَّى فيه نِزارٌ الحَلبيُّ رِئاسةَ جَمعيَّةِ المَشاريعِ الخَيريَّةِ، وقد أرسَله نِزارٌ إلى بَعضِ البُلدانِ العَرَبيَّةِ والأوروبِّيَّةِ ليُتابِعَ سَيرَ عَمَلِ الجَمعيَّةِ، وقد تَرَبَّى مُنذُ صِغَرِه على يَدِ الحَبَشيِّ، فقَرَأ عليه الكُتُبَ التي ألَّفها الحَبَشيُّ وأخَذَ إجازةً منه، ويَحمِلُ قراقيره شَهادةً في العُلومِ الشَّرعيَّةِ من سوريا. وقد عُيِّنَ في عامِ ۱۹۸۹م مُديرًا عامًّا للجَمعيَّةِ بالإضافةِ إلى كَونِه نائِبًا للرَّئيسِ.
ولم تَكُنْ شَخصيَّتُه مِثلَ نِزارٍ إلَّا أنَّه على نَفسِ الخَطِّ، بل إنَّه دَعا حينَ قَرَّرَ مَجلِسُ الوُزَراءِ اللُّبنانيُّ إغلاقَ جَمعيَّةِ الهدايةِ والإحسانِ بطَرابُلُسَ، وجَمعيَّةِ الهدايةِ الخَيريَّةِ بعَكارَ السَّلفيَّتَينِ، إلى إغلاقِ جَميعِ الجَمعيَّاتِ المُماثِلةِ لها
[876] يُنظر: نبذة عن حياته نشرتها مجلة ((منار الهدى)) (عدد: 36 ص: 13)، ((فرقة الأحباش)) للشهراني (1/ 129). .
ولدى فِرقةِ الأحباشِ عَدَدٌ منَ الشَّخصيَّاتِ اللُّبنانيَّةِ العامَّةِ، مِثلُ النَّائِبِ البَرلَمانيِّ عَدنان الطَّرابُلُسيِّ، وطَه ناجي الذي حَصَل على 1700 صوتًا مُعظَمُهم منَ النَّصارى؛ حَيثُ وعَدَهم بالقَضاءِ على الأصوليَّةِ الإسلاميَّةِ، وكَمال الحوت، وعِماد الدِّينِ حَيدَر، وعَبدِ اللَّهِ الباروديِّ، وهؤلاء الذينَ يُشرِفونَ على أكبَرِ أجهزةِ الأبحاثِ والمَخطوطاتِ، مِثلُ المُؤَسَّسةِ الثَّقافيَّةِ للخِدماتِ، ويُحيلونَ إلى اسمٍ غَريبٍ لا يَعرِفُه حتَّى طَلبةُ العِلمِ، فمثلًا يَقولونَ: (قال الحافِظُ العَبدَريُّ في دَليلِه) فيُدَلِّسونَ على النَّاسِ، فيَظُنُّونَ أنَّ الحافِظَ من مَشاهيرِ عُلماءِ المُسلمينَ، مِثلُ الحافِظِ ابنِ حَجَرٍ، أوِ النَّوويِّ، وإنَّما هو في الحَقيقةِ شَيخُهمُ الحَبَشيُّ، يَنقُلونَ من كِتابِه (الدَّليلُ القَويمُ) مثلًا
[877] يُنظر: ((فرقة الأحباش)) للشهراني (1/ 130- 133)، ((فرقة الأحباش أصولها وفروعها)) لصالح بن مقبل العصيمي (ص: 20)، ((دراسات في الأديان والفرق وأبرز التيارات)) لمحمد مختار المفتي (ص: 276). .